في يوم ٢٢ من يناير ، يحتفي اليمنيون بيوم الوعل ، وهم باحتفائهم هذا ، يحتفون بالحضارة اليمنية القديمة وبسماتها التاريخية والسياسية .
إن الوعي الجمعي للأمة اليمنية ، يستوجب إيقاظ حالة من الوجود التاريخي الضارب في جذور الزمن لآلاف السنين متحينا الفرصة المناسبة ؛ ليستيقظ من جديد ، ويحيي الذات اليمنية ، وشروط مناهضتها للاختزال في طوارئ مدمرة للكينونية اليمنية ؛ ليقاوم اليمنيون الاستلاب العمدي ، الذي يمارس على الأمة اليمنية ، منذ قرون بغية إزالة عمقها الحضاري الفريد .
كأي أمة تتعرض لردة قومية وحرب ضروس ؛ تهدف للنيل من أسسها الذاتية النابعة من خصائصها المتصلة بأبعاد بقائه الحضاري في جغرافية الزمان والمكان ، وفي بنيوية وجود الإنسان اليمني وإسهاماته في التطور الفكري والمعرفي للإنسان ، على مدى قرون من التاريخ البشري ، الذي كان لليمنيين فيه حضور الإنجاز والإعجاز ، ما جعله منافسا حضاريا عظيما ، شواهد التاريخ ورمزية آثاره شاهدة على ذلك ، وباتت اليوم شرطا ضروريا لمرحلة البعث القومي للإنسان اليمني ، بخصائصه النفسية والفكرية المعتدة بالذات ، دون أي انتقاص أو اعتداء على الآخر ، والرافضة في ذات الوقت لكل ضيم أو ذل أو قهر ، يسلب الوجود الحقيقي للذات اليمنية من الفاعلية الوجودية ؛ لبقائه في خارطة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي جنبا إلى جنب مع بقية الشعوب والقوميات الأخرى ، التي تشاركنا العيش على هذا الكوكب .
إن استذكار بعض الرموز التاريخية ليست إعادة سطحية للماضي ، بل إنه يمنحنا صورا تحليلية تفسيرية للحاضر والمستقبل ؛ ذلك عندما يتم التفاعل بين لحظات الضعف والانكسار الحالي مع ومضات الوعي التاريخي الرمزي المتجذر في اللاشعور الجمعي ، ينتج من ذلك حالة من الانبعاث النفسي المقرون بالإرادة الحرة ، والقدرة على تجاوز العثرات وصولا للحظة اليقظة القومية الكاملة .
إن إحياء رمزية المسند والوعل الحميريين ، وغير ذلك من الرموز التاريخية ، ليست مسألة عبثية ، بل تعد خطابا محفزا للاشعور الجمعي للأمة اليمنية ؛ ليصحو من سباته العميق ؛ من خلال استكناه جذره التاريخي ، ببعده المساهم في إنجازات الحضارة البشرية ؛ ليستعيد اليمني دوره ووجوده الرصين في مضمار المعرفة والإنتاج.
الوعل أكثر الحيوانات تمثيلا في النقوش الأثرية ، ويعد في الحضارة اليمنية القديمة رمزا سياسيا للدولة اليمنية ، تماما كالنسر الجمهوري رمز اليمن الحديث ، زعم بعض المؤرخين أن الوعل إله من آلهة اليمنيين القدماء ، وهذا تصور خاطئ ، وقراءة مبتورة ومجتزأة للتاريخ اليمني ، أخذت من بعض المستشرقين كالمستشرق النمساوي إدوارد جلازم ، والذين درسوا بعض النقوش الأثرية في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، ولم يكن لديهم إحاطة كاملة بالتاريخ اليمني ونقوشه وآثاره ، فضلا عن تكون صورة شاملة عنه ؛ إذ أن الأبحاث التاريخية عن الحضارة اليمنية القديمة ، لم تستطع حتى الوقت الراهن الكشف عن تاريخ وحضارة اليمن القديم بشكل تام .
الوعل في الحضارة اليمنية القديمة كان يمثل رمزا دينيا ؛ ليس لأنه إله مقدس بل لأنه ارتبط بالحضارة اليمنية المقدسة للإله السماوي ، فكان اليمنيون يقدمون ذبائح الوعل قربانا للإله ، رأى بعض المؤرخين أن الوعل كان يرمز للمقه إله القمر أو لعثتر إله الزهرة ، الذي يرمز للحب والجمال والخصب والمطر ، وزعم آخرون أنه رمز للإله سين الذي يعني إله الشمس .
اليمنيون في حضارتهم الأولى سواء السبئية أو حضارة التبابعة أو حتى في الدويلات اللاحقة لها وصولا للدولة الحميرية ، التي كانت في فترة ما قبل الإسلام ، في كل هذه المراحل الحضارية التاريخية للأمة اليمنية ، اتخذ اليمنيون رموزا حضارية تاريخية انقسمت لقسمين أو كانت ذات اتجاهين :
١- رموز تتصل بالسماء وهي أربعة : المقه ويشير لإله القمر ، والإله سين يرمز لإله الشمس ويطلق عليه أحيانا - ذات حاميم - الذي يعني الشمس وحرارتها ، وعثتر الذي كان يعني الزهرة ، هذه رموز سماوية كان يهدف من خلالها اليمنيون للدلالة على إله السماء .
اليمنيون في حقيقة الأمر كانوا يعبدون إله واحدا ، هو إله السماء رحمن ذي سماوي ؛ فالنقوش اليمنية أكثرت من الحديث عنه في الصلوات أو الدعوات أو في تقديم القرابين والنذور أو في الطواف حول المعابد ؛ فكان اليمنيون يدعون للإله رحمن ذي سماوي ، الذي كان اليمنيون يعتقدون أن له تمظهرات متعددة في الكون ، تماما كما نقول اليوم أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ، فاليمنيون كانوا يدعون الله باسم رحمن ذي سماوي ؛ أي العالي في السماء أو صاحب السماء ، ومن دلائل الإله رحمن الدلائل الفلكية كالقمر والشمس والزهرة والنجوم ، والتي كان لها علاقة وطيدة بحياة اليمنيين الزراعية والسياسية والدينية .
٢- إلى جانب هذه الرموز السماوية تعاضدت معها خمسة رموز أرضية ( الوعل - النسر - الأسد - الثور - الثعبان ) النسر كان يرمز للسيطرة وسياسة توسيع رقعة الدولة المركزية ، التي امتدت لمناطق بعيدة عن اليمن ، والنقوش الأثرية المسندية هناك شاهدة على ذلك ، الأسد يرمز للجيش والقوة ،ةالتي تحمي الدولة اليمنية القديمة ، وتردع أي غزو خارجي ، الثور يرمز للبعد الاقتصادي للحضارة اليمنية ، القائم على الزراعة واستثمار الأرض وبناء السدود ، الثعبان يرمز للعدو الخارجي والداخلي ، ووجدت نقوش موجود فيها نسر يتقاتل مع ثعبان ، كدلالة على أن الثعبان بما يمثله من رمز للتآمر والخيانة والعدو المتربص، يقف له النسر بالمرصاد ، أي تقف له القوة العسكرية للدولة وتتصدى له .
رمز الوعل كان يرمز لمعان سياسية ونفسية ، أيضا فهو يرمز للعزة والمنعة و الأنفة ، فهو لا يأكل الفضلات ، ويرعى حيث لا يصل غيره ، كما يرمز للتحدي والتحصن ، فهو يقطن الأماكن الشاهقة ، وكانت سياسة الدول التاريخية اليمنية ، تبني القلاع والحصون الشاهقة ؛ لحماية المدن ، ولا تزال آثارها شاخصة حتى الآن .
في تاريخهم القديم لم يعبد اليمنيون الأوثان ، وإنما كانت عبادتهم في المعابد للإله رحمن ذي سماوي ، القرآن الكريم أثبت أن اليمنيين كانت لديهم طقوس وشعائر دينية كالسجود ، وأشار إلى الانحراف العقدي البسيط لليمنيين من عبادة إله المقه وإله عثتر إلى عبادة هذه المظاهر الكونية ، فقال تعالى ( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) بيد أنهم عادوا لجادة الصواب ، بعد ما أسلموا مع سليمان عليه السلام ودخلوا في الديانة اليهودية فعبدوا إله تلكم الظواهر الكونية .
البحث الفكري العقلاني عن الإله كان موجودا باستمرار في كل عصور التبابعة أو العصور اللاحقة لها ؛ فاليمنيون كانوا يتحدثون عن المقه إله القمر وسين أو ذات حاميم إله الشمس ، تماما كالنبي إبراهيم عليه السلام الذي فتش في ملكوت السموات والأرض ، فعندما رأى الشمس بازعة قال : هذا ربي هذا اكبر وعندما رأي القمر قال : هذا ربي ، فلما أفل قال : لا أحب الآفلين ، حتى توصل إلى أن هناك إله أعظم وأكمل من هذه المظاهر الكونية كلها .
كان الرمز السياسي والديني في الحضارة اليمنية القديمة ملتحمين في المعبد والمعركة والقصر ، فرمز الوعل كان موجودا في القصر ، مثله مثل رمز الثور والنسر ، وفي المعبد كان الوعل موجود أيضا ، إلى جانب الحديث عن المقه إله القمر أو سين أو ذات حاميم إله الشمس أو عثتر إله الزهرة ، وكانت هذه الرموز عند اليمنيين ، لا تشير إلى آلهة بذاتها بل تدل على إله سماوي إله الشمس إله القمر إله النجوم وغيرها ، وبالتالي كان التلاحم بين الفكر السياسي والديني كبيرا جدا في الحضارة اليمنية القديمة ، فنجد أن كثيرا من الشعائر والطقوس الدينية تمارس في المعبد ؛ كطقوس الصلاة والطواف والقرابين والنذور ، وكان الوعل يقدم في المعابد كأفضل القرابين للإله رحمن ذي سماوي ؛ ولذلك اكتسب ما يشبه التقديس في الحضارة اليمنية ، كما أن تحريم اليمنيين اصطياد الوعل طوال العام ، كما تذكر بعض النقوش وإباحة اصطياده في يوم واحد ، كان يطلق عليه يوم الوعل المقدس ، الذي كان بمثابة العيد الوطني للدولة ، الذي كان يخرج فيه الملك المكرب أوالتبع الأكبر مع الأقيال لاصطياد الوعل البري وتقديمه قربانا للإله رحمن ذي سماوي ، ويتم في هذا اليوم التضحية بالوعل بأعداد كبيرة ؛ فبعض النقوش ذكرت أنه كان يذبح من الوعول المئات كاضاحي للإله ، ويتم أيضا إطعام الفقراء والمساكين منها ، وجود الوعل بكثرة في المنحوتات الأثرية والنقوش التصويرية ، جعل بعض المؤرخين بشطحون معتقدين أن اليمنيين كانوا يعبدون الوعل ، بيد أن ارتباط الوعل بالشعائر الدينية في المعابد كقربان ونذر يتقرب به اليمنيون للإله السماوي ، هو ما أكسبها قيمة القداسة ، فكان الملك عندما يعود وحاشيته من أرض المعركة ، يذهبون للمعبد ، ويؤدون طقوس الصلاة ، ثم ينذرون للإله بقربان من الحيوانات ، وكان الوعل أفضل القرابين أو النذور .
اختار اليمنيون الوعل كرمز تاريخي للدولة اليمنية ؛ لنزوع الدولة اليمنية نحو الكبرياء والشموخ ، الذي يتميز به الوعل ، من خلال قرونه وتقويسها التي تشبه تقوس القمر عندما يكون هلالا أنثى الوعل كانت تسمى أروى وجمعها أراوي ، ومنها جاءت اسم اليمنيات المسميات أروى ، تستخدم قرون الوعل للزينة والتباهي ، ومازال هذا الموروث موجودا في حضرموت وشبوة ، يمتاز الوعل بالقدرة الفائقة للتسلق وتحدي الصعاب ، وعدم استسلامه عند محاولة افتراسه ، وهي صفات متشابهة مع شخصية اليمني المعروف عنها مواجهتها التحديات والعقبات وإصرارها على تجاوزها ، والوعل رغم قوته إلا أنه لا يعتدي على الآخرين ، ويردع بقوة من يعتدي عليه ، ويتمتع بحس متقدم من الحرية والاعتداد بالذات ؛ إذ يصعب تدجينه ، ويرفض أن يطوق بمزرعة أو سور ، كما أنه يتمتع بحس جمعي ، يجعل منه فردا متفاعلا ، ضمن جماعة لديها قائد ، والوعل رغم أن نمط معيشته برية إلا أنه لا يعد حيوانا وحشيا ، وهذا ما يتطابق مع شخصية اليمني المعروفة عبر التاريخ بالسلم وحسن الجوار .
يتسم الوعل في التاريخ اليمني برمزيته للنزعة السياسية والقومية للأمة اليمنية ، كحقل دلالي ، أثبت اليمنيون من خلاله وجودهم السياسي القومي ، الموغل في القدم ، والخالد عبر عصور التاريخ المختلفة ، والمؤكد شرعية وجود اليمنيين السياسية والقومية كأمة واحدة ، وهنا ينبغي لنا أن نميز بين النزعة القومية اليمنية والنزعة العنصرية العرقية ، التي طرأت في هذه الآونة ببعد إثني ، يرمي لتفتيت الهوية اليمنية ، بل تدميرها واستلاب الذات اليمنية ؛ لخدمة مشروع نازي عنصري استعلائي ، يصادر الوجود الحقيقي للإنسان اليمني ، وحقه في العيش في بحرية وكرامة .
إن المقاربة الثقافية التاريخية للاستخدام القومي للنقوش الأثرية ، تهدف للحيلولة دون التلاعب السياسي بالهوية اليمنية والتأويلات المغلوطة للتاريخ ، التي تصب في صالح المشروع العرقي السلالي الكهنوتي ، الذي يختزل اليمن في ذاته العنصرية ، ساعيا لطمس كينونة اليمنيين الممتدة لآلاف السنين ، متكئا على أوهام تاريخية ، يراها وكأنها حقائق قطعية الثبوت ، يستمد منها تأصيلا بعيد المدى لغاياته السلالية ، المناقضة للهوية الجامعة للأمة اليمنية . إن مطابقة السمات الثقافية والخصائص البشرية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لليمنيين ، مع الموروث المادي واللامادي ، يعطي أدلة دامغة على أصالة وعراقة اليمنيين الضاربة في عمق التاريخ والجغرافية ، التي أقام فيها اليمنيون حضارتهم السبئية والحميرية التليدة . التهديد الوجودي لليمن أرضا وإنسانا ، الذي يتعرض له ، من السلالية والعنصرية العرقية ، التي أطلت برأسها من جديد ، بعد أن ضحى اليمنيون تضحيات جسام ، في سبيل طوي صفحة الفاشية النازية المستعلية على اليمنيين والزاعمة نقاءها الأنثروبولوجي والاصطفاء السلالي ، وامتلاكها تفويضا سماويا ، يمنحها حكم اليمنيين وإلى الأبد ، يحتم على الأمة اليمنية أن تستشعر خطورة هذا التهديد ، وأن تستنهض كل عوامل البعث التاريخي للأمة اليمنية ، كمنافس حضاري بصماته مشهودة في تاريخ البشرية .
إن تخصيص يوم للاحتفاء بالوعل اليمني ليس إلا استلهام للذات اليمنية ، في أزهى عصورها ، وأبهى رموزها وأسمائها ، كما أنه يعد فرصة اليمنيين لقراءة تاريخهم وإدراك مكامن القوة فيه ، التي أهلتهم ؛ ليكونوا رقما صعبا في خريطة حضارات البشرية ، فكما بنوا حضارة في الماضي ، فهم قادرون على بنائها في المستقبل ، في ظل دولة حديثة متقدمة .
إن احتفاء اليمنيين بيوم الوعل كرمز تاريخي حضاري واستدعاء دلالاته القومية والسياسية ، يمثل رسالة قوية يرسلها اليمنيون لكل مشاريع الظلام والاستعباد ودعاة الاصطفاء الإلهي ، الرامين لتحطيم الذات اليمنية الجسورة ، مفادها ضرورة التحلل من ﻛﻞ ﺍﻟﻬﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺮﻗﺖ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﻴﻦ ، ﻭﻣﺰﻗﺖ ﻧﺴﻴﺠﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ، ﻭﺃﻥ على اليمنيين ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻻﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺠﺪ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺴﺪ ﺭﻭﺡ ﻭﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ، المرتكزة على ثلاثة أبعاد :
الأول : البعد الإسلامي الأصيل ، المواجه مشروع الضلالة والتحريف والدجل ، ويتصل بهذا البعد ما له علاقة بتاريخ اليمن الإسلامي وما قبله من امتداد للرسالات السماوية ومحاسن العادات والحضارات .
الثاني : البعد العروبي القومي لمواجهة مشروع الأطماع الفارسية في المنطقة.
الثالث : البعد الوطني اليمني لمواجهة مشروع السلالة الحوثية العنصرية الكهنوتية .
الاحتفاء بشكل مكثف ولافت وبهذا المستوى من التفاعل ، بالرموز التاريخية والموروث الثقافي والاجتماعي ، المجسد للهوية والقومية اليمنية ، في ظل حرب طاحنة ،دشنتها المليشيات السلالية الحوثية ، منذ عام ٢٠٠٤م وحتى اللحظة الراهنة ، متمردة ومنقلبة بانقلابها المشؤوم على مؤسسات الدولة ، وعلى التوافقات الوطنية في الحادي والعشرين من سبتمبر ٢٠١٤ م ، مرتكزة على بواعث عنصرية ، بوصفها أهم دينامياتها ،مستندة على تراث عنصري ايدلوجي ، يزعم الحق الإلهي في الحكم ، يجسد رفض الشعب اليمني لكل محاولات تدمير معالم الهوية اليمنية ، والإصرار على تراجع اليمنيين الحضاري ، الذي كان أهم عناوينه الصراع المستمر للأقلية السلالية مع اليمنيين ، والتي حرصت وتحرص على تحويل المجتمع اليمني من مجتمع حضري زراعي وصناعي وتجاري لقطيع من المحاربين الخادمين للسلالة أوالباحثين عن الغنائم . الحديث عن القومية والهوية اليمنية ليس وليد اللحظة ، فهو حالة تاريخية موغلة في القدم ، بدأت كردة فعل للميثولوجيا السياسية ، التي وفدت لليمن مع مؤسسها الأول يحي بن الحسين الرسي ، الذي قدم لليمن سنة٢٨٤هجرية ؛ ولذلك لم تكن القومية اليمنية مفصولة عن سياقها التاريخي والحضاري ؛ إذ أنها جاءت استجابة وجودية للتجريف الهوياتي ، الذي تعرض له اليمنيون ، وهو ما جعل اليمنيين يخوضون معركة الدفاع عن وجودهم القومي والعربي الأصيل ، المتوائم مع القيم الإنسانية والأخلاقية للدين الإسلامي ، فجاء الحسن الهمداني في القرن الثالث الهجري متسلحا بذاكرة تاريخية طويلة عن تاريخ وحضارة ومدنية وممالك اليمن ،ومؤلفا لكتاب الإكليل ، الذي يعد من أهم الأدبيات التأسيسية للقومية اليمنية والذي منع نسخه من قبل الأئمة الذين تعاقبوا على حكم اليمن ، بل إنهم أخفوا أجزاء من الكتاب مازال مصيرها مجهولا حتى الآن .
في القرن السادس الهجري جاء نشوان بن سعيد الحميري مستأنفا معركة لليمنيين القومية ضد السلالة العنصرية بفكر إسلامي رصين معريا الهادوية وبأدواتها ذاتها ومظهرا عوارها .
ثورات اليمنيين في القرن العشرين ضد الإمامة في شمال الوطن وضد الاستعمار في جنوب الوطن ، لم تكن إلا ثورات قومية يمنية ، تهدف لاستعادة اليمن بنسقه اليمني القومي ، في إطار القومية العربية الجامعة للأمة العربية ،ةوكانت من أهم أهدافها إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات ، وكافة أشكال التمييز العنصري وإقامة حكم جمهوري عادل ، ومجتمع ديمقراطي منتميا لمبادئ الإسلام العادلة والعروبة والهوية اليمنية الحضارية .
إن ما يحتاجه وجدان الأمة اليمنية اليوم هو الترميم الواعي والمسؤول والناضج ، وهذا لن يحدث ما لم تكن اليمن هي نقطة الارتكاز ، وما لم يكن لجميع اليمنيين المقدار المتساوي في الحقوق والواجبات السياسية والمدنية ؛ وتعمل المواطنة اليمنية على تدعيم التمازج التاريخي والاندماج الاجتماعي ، الذي اتسمت به اليمن ، وشكل إرثا جامعا مناهضا لكل العصبيات الصغيرة .
لا مناص من الالتفاف حول كينونة اليمن ، التي تتعرض للتجريف ، وأن نطهر العقل الثقافي والسياسي اليمني من التشوهات ، التي علقت به ؛ نتيجة تراكم الاستبداد الطبقي والسلالي ، وان نناضل من أجل الهم الوطني المشترك ؛ لتوطيد أركان الدولة اليمنية وتعزيز مبدأ المواطنة المتساوية لكل اليمنيين ، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال أطر القومية اليمنية التاريخية والجغرافية والثقافية الجامعة لكل اليمنيين ، وتقوية الاندماج الاجتماعي والسياسي الوطني للخروج من القوقعات السلالية والمذهبية والمناطقية والقبلية إلى رحب اليمن الكبير .
عاشت رموزنا التاريخية والجمهورية والوطنية ، بكل فخر واعتزاز كنا من أعظم شعوب الأرض حضارة وإرثا إنسانيا ، ونحن بعون الله تعالى ، ثم بالأمة اليمنية العظيمة ، قادرون على استعادة دورنا الحضاري ومكانتنا العظيمة بين الأمم .
* ورقة عمل بعنوان ( الوعل اليمني والرمزية القومية والسياسية وضرورة الانبعاث التاريخي ) مقدمة بمناسبة يوم الوعل اليمني في الثاني والعشرين من يناير للندوة التي إقامتها منظمة بريكس يمن بعنوان ( الرموز السياسية في الحضارة اليمنية القديمة ).