اتجاهات الصحافة في 2019.. صحافة اليمن في خطر
الميثاق نيوز -
أصدرت "تومسون رويترز" تقريرًا مفصلًا لتنبؤات الصحافة ووسائل الإعلام والتكنولوجيا في عام 2019، بناءً على استطلاع واسع النطاق، شارك فيه 200 رئيس تحرير ورئيس تنفيذي ورائد من رواد التكنولوجيا الرقمية، حددوا فيه اتجاهات الإعلاميين التقليدي والجديد في هذا العام.
سيكون عام 2019 العام الذي يبدأ فيه مفعول الضوابط المفروضة على شركات الانترنت، بعد القلق المتزايد بشأن التضليل الإعلامي والخصوصية وقوة السوق. وأصبح ما كان لا يخطر في البال سابقًا أمرًا "محتومًا" اليوم، بحسب تعبير تيم كوك، رئيس شركة آبل، على الرغم من أن التفاصيل ستكون ملتَبسة ومثار نقاش حاد وتحتاج وقتًا قبل أن يتبدى تأثيرها.
في هذه الأثناء، يواصل انتشار المحتوى الكاذب والمضلل والمتطرف إضعاف الديمقراطيات في العالم، ومن المرجّح أن تكون الانتخابات الاستقطابية المقررة في الهند وأندونيسيا وأوروبا بؤر توتر. ما ستواصل التغييرات البنيوية التي أدت إلى هبوط كبير في إيرادات الإعلان النيل من الصحافة. وأخذ الناشرون يبحثون عن اشتراكات للتعويض عن الفارق، لكن حدود ذلك ستظهر على الأرجح في عام 2019.
ستفضي هذه الاتجاهات على الأرجح إلى أكبر موجة من تسريح الصحافيين منذ سنوات، وإلى إضعاف قدرة الشركات الإعلامية على محاسبة السياسيين الشعوبيين وقادة الأعمال.
يقول بين دي بير، رئيس تحرير القناة التلفزيونية الرابعة في بريطانيا: "إنها سنة حاسمة يتعيّن على منصات الإعلام الاجتماعي أن تثبت فيها حرصها على الحقيقة، وعلى دفع الثمن الذي تستحقه الصحافة الجادة، وإلا ستجبرها الضوابط على الاثنين معًا".
حقائق لا بد من ذكرها
أظهر استطلاع لشركة "تومسون رويترز"، شمل 200 رئيس تحرير ورئيس تنفيذي ورائد من رواد التكنولوجيا الرقمية، حقائق عدة هي الآتية:
- يتوقع أكثر من نصف من شملهم الاستطلاع (52 في المئة) أن يكون الاشتراك والعضوية هما مصدر الإيرادات الرئيس في عام 2019، مقارنة بـ 27 في المئة يختارون الإعلان الاستعراضي، و8 في المئة الإعلان الأصلي، و7 في المئة التبرعات. هذا تغير هائل في مركز الثقل بالنسبة إلى الصناعة الإعلامية.
- هناك قبول متزايد لحقيقة أن بعض مصادر الأخبار النوعية ربما تحتاج دعمًا ماليًا. يتوقع نحو ثلث المشاركين (29 في المئة) أن يروا مساعدة كبيرة آتية في هذا العام من مؤسسات ومنظمات غير ربحية، ويتوقع خمسهم (18 في المئة) أن تزيد المنصات التكنولوجية مساهمتها، في حين أن واحدًا من كل عشرة (11 في المئة) يعتقد أن الحكومات ستقدم دعمًا أكبر. ويتوقع 29 في المئة من الناشرين الذين شملهم الاستطلاع ألا يأتي شيئ من المصادر أعلاه لنجدتهم.
- ينفذ صناعة الأخبار من فايسبوك، ويركز الناشرون اهتمامهم على أشياء أخرى. يرجح أقل من نصف المشاركين في الاستطلاع (43 في المئة) أن تكون منصات الانترنت في منتهى الأهمية في هذا العام، وهو رقم مماثل بالنسبة إلى منصة آبل نيوز ويوتيوب، لكنه أقل كثيرًا من غوغل (87 في المئة).
- يشعر نحو ثلثي المشاركين (61 في المئة) بالقلق أو بالقلق البالغ بشأن "احتراق العاملين"، إذ يشكل الاحتفاظ بالعاملين (73 في المئة) واستدراج عاملين جدد (74 في المئة) صداعًا شديدًا بصفة خاصة نظرًا إلى تدني مستوى الرواتب والضغوط القاسية لغرفة الأخبار الحديثة. يشعر 56 في المئة من المشاركين في الاستطلاع بالقلق إزاء مستويات التنوع في غرفة الأخبار.
- يعتقد 78 في المئة أن من المهم زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي للمساعدة على تأمين مستقبل الصحافة، لكن ليس كبديل من تشغيل المزيد من المحررين. ويرى 73 في المئة أن الشخصنة المتزايدة طريق بالغ الأهمية إلى المستقبل.
- إزاء توجه الكثير من الناشرين نحو إطلاق مدونات صوتية إخبارية يومية قد لا يكون من المستغرب أن يعتقد 75 في المئة أن الصوت سيصبح أكثر أهمية في ما ينتجونه من محتوى، وفي استراتيجياتهم التجارية. ويعتقد 78 في المئة أن التقنيات الصوتية الناشئة مثل "أمازون أليكسا" و"غوغل أسيستانت" سيكون لها تأثير كبير في طريقة حصول الجمهور على المحتوى خلال السنوات القليلة المقبلة.
توقعات محددة
في تقرير بعنوان "اتجاهات وتنبؤات الصحافة ووسائل الإعلام والتكنولوجيا 2019" (Journalism, Media, and Technology Trends and Predictions 2019)، تتوقع "تومسون رويترز" في عام 2019 أن تصعّد المنصات معركتها ضد التضليل الإعلامي، لكن المشكلة ستكون مع الشبكات المغلقة والمنظمات الجماعاتية، حيث تصعب عمليات التتبع والمراقبة. كما سنرى تجدد التركيز على مؤشرات الثقة بالأخبار وتحسين العناوين المصممة لمساعدة المستهلكين على تحديد ما يثقون به، ومن يثقون به.
إزاء وعي المستهلكين المتزايد بالوقت الذي يهدرونه على الانترنت، يتوقع أن نرى هجرة المزيد من الأشخاص بعيدًا عن الشبكات الاجتماعية، والمزيد من الأدوات لعلاج الإدمان الرقمي، مع التركيز على المحتوى ذات المعنى.
متوقع أيضًا أن تصبح الأخبار البطيئة موضوعًا بين موضوعات أخرى مع إطلاق مؤسسات صحافية جديدة مثل "تورتويز" (بريطانيا) و"كورسبوندنت" الهولندية وتمددهما إلى الولايات المتحدة. تعتبر هذه المؤسسات ترياقًا مضادًا للفيض الحالي من التغطيات السريعة والضحلة والانفعالية.
لا شك في أن الاستمرار في سياسة إدفع لتقرأ يبعد الأشخاص عن الأخبار النوعية، ويجعل تصفح الانترنت أصعب. وسيتعاظم انزعاج المستهلك خلال هذا العام، مؤديًا إلى مزيد من تجنب الأخبار مع اعتماد برمجيات تحجب جدار الدفع.
في التكنولوجيا، متوقع ظهور الهواتف الذكية القابلة للطيّّ، وأجهزة الجيل الخامس، وأول خدمات نقل الركاب بسيارات ذاتية القيادة، والإمكانات التي تتيحها سلسلة الكتل (blockchain) للصحافة. ومن الشركات الإعلامية الناشئة التي يجب الانتباه إليها "كينزن" (Kinzen) و"كيوريو" (Curio).
العودة إلى 2018
كان 2018 عام ردة الفعل على شركات التكنولوجيا، حيث انقلب السرد الإعلامي والسياسي ضد المنصات الكبرى في وادي السيليكون. ويجري بصورة متزايدة تصوير هذه الشركات العملاقة على أنها كلية القدرة ومعادية للمنافسة، ولا تتحمل مسؤولياتها الأوسع تجاه المجتمع. وبدلًا من الدفاع عن الديمقراطية، هي متهمة بالعمل على تقويضها. وبدلًا من حماية خصوصيتنا، تستغلها وتتلاعب بها.
كان 2018 عامًا سيئًا بصفة خاصة على فايسبوك ومؤسسه مارك زوكربيرغ بعد تعرّضهما لسلسلة من الأزمات، من تسريبات شركة كامبردج أناليتيكا إلى تضليل المعلنين والناشرين بشأن معلومات الفيديو والاستمرار في بث الشائعات الضارة وأنصاف الحقيقة وخطاب الكراهية في العالم.
يقول مارك زوكربيرغ: "لم نركز ما فيه الكفاية على منع الاستغلال والتفكير في كيف يستطيع الأشخاص أن يستخدموا هذه الأدوات للإيذاء أيضًا".
في بداية العام، تعهد زوكربيرغ بإصلاح الخلل في فايسبوك، واستُخدمت موارد هندسية ضخمة مع تمويل برامج لتدقيق الحقائق والتثقيف الإعلامي ودعم الصحافة المحلية في بعض البلدان. وأنفقت فايسبوك وتويتر ويوتيوب أموالًا متزايدة على إزالة محتوى واستهداف "عناصر سيئة" وحتى التوسع في تعريف المحتوى غير المقبول. لكن حجم المهمة التي تنتظر هذه المنصات وتعقدها ما زالًا هائلين. وتظهر كل أسبوع مشكلات جديدة.
خدمة حرية المعلومات
بحلول يوليو، امتدت الأزمة إلى تطبيق واتس آب بشائعات كاذبة عن خطف طفل في الهند مؤدية إلى سلسلة من أعمال القتل. وفي البرازيل قامت حملة منسقة من التضليل الإعلامي على واتس آب بدور في صعود اليميني المتطرف جايير بولسونارو. وبحلول نهاية العام، عاد الاهتمام ينصبّ على فايسبوك، حيث رفعت مئات المجموعات ذاتية التنظيم مطالبها، ونُظمت احتجاجات لذوي الستر الصفراء في فرنسا.
اعتبر الإعلام الاجتماعي أداة تخدم حرية المعلومات وتساعد المواطنين على التحرر من أوصياء نخبويين مثل الصحافيين. وقد يكون هذا صحيحًا في مجتمعات متطورة، حيث الإعلام لا يزال قويًا نسبيًا، ولكن أحداث العام الماضي أظهرت مدى اختلاف الوضع في بلدان، مثل الهند والفليبين وميانمار والبرازيل.
توقعنا في العام الماضي أن تؤدي جهود المنصات المختلفة للحدّ من الأخبار الكاذبة إلى اتهامات بممارسة الرقابة. في فرنسا، تحدث محتجو "السترات الصفراء" عن مقاضاة فايسبوك بتهمة التعمد في التعتيم على آرائهم.
يقول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن فايسبوك وغوغل وتويتر تقمع وجهات النظر المحافظة عن سابق إصرار وبصورة غير مشروعة، في حين يتهمها الليبراليون بترويج وجهات نظر متطرفة. فهذه المنصات التي تُلعن إن فعلت أو لم تفعل، لم تعد تعتبر محادية، بل محكوم عليها أن تصبح كرة قدم سياسية طيلة السنة الجديدة وما بعدها.
إدمان رقمي
أفضت التقارير التي تتحدث عن التأثير الضار للانترنت إلى شيء من قبيل "أزمة وجودية" في وادي سيليكون في عام 2018. وأخذ مهندسون ومهندسون سابقون يراجعون أنفسهم بشأن أخلاقيات "تصميم البرمجيات من أجل الإدمان" مستخدمين إشعارات توحي لنا بالمتعة أو محتوى يباعد بيننا.
أُعيدت برمجة الغوريثمات وغُيّرت معايير فيما ترسخ شعار "قضاء وقت مثمر" الذي رفعه تريستان هاريس، مدير المنتجات السابق في غوغل. ومع تحديث نظام التشغيل "آي أو أس 12" من آبل وإدخال "سمة وقت الشاشة" نستطيع الآن أن نرى كم من الوقت نقضيه مع هاتفنا، وكم مرة نستخدمه للاتصال أو الرد على الاتصالات.
يمكن النظر إلى هذا الأمر على أنه هجوم تشنه آبل على منافساتها الرئيسة. وليست مصادفة أن فايسبوك ويوتيوب وتويتر من بين التطبيقات التي تستحوذ على القدر الأعظم من الاهتمام. لكن هذا كان استجابة أيضًا لهواجس حقيقية لدى المستهلك، بشأن هدر الوقت وما تفعله التكنولوجيا بنا. فتوقعوا مزيدًا من المقالات الصحافية عن صحتنا الرقمية، ومزيدًا من الضغط لإزالة حساباتنا في الشبكات الاجتماعية، ومزيدًا من البرمجيات والتعليمات لمساعدتنا على السيطرة على إدماننا.
مد وجزر
يتسم مفهوم خفض "ما نقضيه من الوقت" بتحدي الشركات الإعلامية التي تواجه ضغوطًا، ولا سيما الشركات المموّلة من الإعلان. في يناير 2018، أعلنت فايسبوك أنها ستخفض المحتوى الآتي من شركات إعلامية في التغذية الإخبارية لمصلحة "تفاعلات ذات معنى".
كانت شركة "ليتيل ثينغز" التي أُنشئت على أساس التشارك بقصص ملهمة عن بشر وحيوانات منزلية، أول ضحية بعدما انكمشت دائرة متابعيها بنسبة 75 في المئة، فيما تحدثت شركات إعلامية أخرى عن هبوط جمهورها بنسبة 20 في المئة أو أكثر. وفقد موقع "مايل أونلاين" نحو مليوني مستخدم، في حين شطبت "فيرايزون" نحو 4.6 مليارات من استثمارها الإعلامي في مجموعة "أوث" التي تضم "آي أو أل" و"ياهو" بعد تحقيق إيرادات أقل من المتوقع.
لإيصال موادها، عمدت شركات تفرط في اعتمادها على فايسبوك إلى تغيير وجهة اهتمامها أو تقليص عملياتها. وسرّحت "باز فيد" موظفين لها في بريطانيا، وأغلقت نشاطها في فرنسا. وألغت "فوكس" نحو 50 وظيفة تتركز في قسم الفيديو الاجتماعي. وسرحت "ميك دوت كوم" غالبية موظفيها، وبيعت مقابل 5 ملايين دولار، وهو سعر يشكل جزءًا ضئيلًا من قيمتها السابقة.
كما تأثرت شركات إعلامية تقليدية، محلية وإقليمية. في بريطانيا، انهارت شركة "جونوسن برس" التي كانت تملك صحف "آي" و"سكوتسمان" و"يوركشاير بوست"، لتعود باسم آخر هو "جي بي آي ميديا" بعدما تحررت من ديونها الضخمة والتزاماتها التقاعدية السابقة.
في كندا، أُغلقت ست صحف محلية أخرى. وتواجه محطات بث للخدمة العامة، مثل أي بي سي ودي آر وبي بي سي، تخفيضات ضخمة، ومزيدًا من الهزات نتيبجة تغير أنماط الاستهلاك وضغوط السياسيين عليها. ويواجه الإعلان أزمة بسبب الاشتراك طويل الأمد (والتبرعات).
إيجابيات
في الجانب الإيجابي، تنتعش بعض الشركات الإعلامية التي تركز على "ما يدفعه القارئ". فلدى صحيفة "نيويورك" تايمز الآن أربعة ملايين مشترك (3.1 مليون في الطبعة الرقمية)، تحت شعار أن كل قطعة من المحتوى يجب أن تكون ذات قيمة تستحق ثمنها.
تتصدر الشركات الإعلامية الإسكندنافية أيضًا الاتجاه نحو الاشتراك في الطبعات الرقمية. وساعدت انتخابات السويد التقسيمية صحيفة "داغينز نيهيتر" على زيادة المشتركين في طبعتها الرقمية إلى أكثر من 150 ألفًا أول مرة، في حين أن "هلسينغين سانومات" الفنلندية عادت إلى النمو بدفع من الزيادات الحادة في الاشتراكات في الطبعة الرقمية.
في فرنسا، احتفلت "ميديابارت" بسنتها العاشرة بأرباح بلغت 2.4 مليون يورو من قاعدة مشتركين حجمها 140 الفًا. ويبدو أن الصحافة الاستقصائية تستطيع الازدهار في العصر الرقمي وتحقق أرباحًا أيضًا.
لكن عام 2018 شهد أيضًا ترسخ نماذج العضوية والتبرع. فصحيفة "غارديان" أعلنت كسب مليون مؤازر خلال السنوات الثلاث الماضية (من طريق التبرعات أو الاشتراكات)، وهي تقف على حافة العمل بلا خسارة بعد سنوات من الخسائر الجسيمة. هذه رؤية بديلة أساسها القارئ الذي يدفع تضمن أوسع إمكانية للسبق الصحافي، مثل فضيحتي كامبردج أناليتيكا وويندراش.
نماذج جديدة.. مهارات قديمة
من نتائج التغير في النماذج التجارية التركيز على تطوير الولاء والاحتفاظ بالقارئ، وهذا هو سبب عودة الرسائل الإخبارية التي تستعيدها شركات إعلامية من فرق التسويق.
كان أحد الاتجاهات الجديدة في عام 2018 تطوير رسائل إخبارية في نوافذ منبثقة، هدفها زيادة التواصل مع أحداث محددة. ونشرت "سي بي سي" سلسلة من الرسائل الإخبارية مدة ثمانية أسابيع عن الزفاف الملكي، وجربت "بوليتيكو" سلسلة مدة ثمانية أسابيع هدفها توعية الناخبين الشباب.
كان العمل بالمستوى الأمثل في غوغل اتجاهًا آخر من اتجاهات "العودة إلى المستقبل" في عام 2018، حيث لاحظت شركات إعلامية أن نسبة أكبر من حركتها تأتي الآن من عمليات بحث عن الأخبار وصفحات الموبايل السريعة في عام 2018، وكذلك من المفتاح الجديد على متصفح كروم الذي يعرض الآن مواقع إخبارية مشخصنة.
ستصبح مهارات محرك البحث الأمثل حتى أكثر أهمية في عام 2019 بعد قرار غوغل وضع التغذية الخبرية "ديسكوفر" على صفحة البحث الرئيسة في كل متصفحات الموبايل للمرة الأولى.
هل تستحق هذه الضجة؟
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت الشركات الإعلامية قلقة بشأن تأثير التشريع الأوروبي الجديد حول الخصوصية. فهل أنهت اللائحة العامة لحماية المعلومات التجاوزات الكبيرة للتكنولوجيا الإعلانية، وأعادت إلى المستهلك السيطرة على معلوماته الشخصية؟ ليس تمامًا.
أجبرت اللائحة العامة لحماية المعلومات الشركات الإعلامية على تطهير عملياتها، وهذا أمر جيد، لكن من الصعب رؤية الفوائد الأكبر. عمليًا، كانت الرسائل المراد توصيلها من اللائحة وتفاصيلها مربكة ومعقدة في الغالب، لذلك وافقت الأكثرية على كل البنود من دون تمحيص. وهكذا، تستمر الرسائل غير المرغوبة في البريد الإلكتروني، وتستمر ملفات تعريف روابط جهات ثالثة، وما زال المستهلكون مستهدفين باستمرار عبر الشبكة بصورة مبرمجة.
كان من آثار اللائحة العامة الأوروبية لحماية المعلومات التي طالت أكثر من 1000 شركة إعلامية أميركية، بينها لوس أنجلس تايمز، أن هذه اختارت حجب موادها عن القراء الأوروبيين، خشية التعرّض لغرامات ضخمة. بعد تسعة أشهر على صدور اللائحة، لم تلمس غالبية الشركات الإعلامية تأثيرًا يُذكر على جوهر عملياتها، على الرغم من أن العديد منها أنفق موارد كبيرة استعدادًا للائحة الجديدة.
على الرغم من صدور اللائحة وسريان مفعولها، فإن القضايا الأساسية المتعلقة بالخصوصية لن تختفي، وسيكون المطلوب إيجاد حلول أفضل وأذكى في المستقبل. وتتجه الأنظار الآن نحو الولايات المتحدة، حيث طُرح مقترح مماثل بشأن الخصوصية.
تكنولوجيا.. وصحافة أفضل؟
أظهر العام الماضي كيف تستطيع التكنولوجيا أن تساعد الصحافيين على كشف الحقيقة. ولعل أفضل مثال كان تحقيق مسلسل هيئة الإذاعة البريطانية "عين أفريقيا" في قتل نساء وأطفال في الكاميرون. واستخدم فريق الهيئة تكنولوجيا المصدر المفتوح وشبكات من المتعاونين، بالارتباط مع أدوات، مثل خدمة غوغل إيرث الخرائطية، ليكشف أين ومتى وقعت الجريمة، وتوجيه أصابع الاتهام إلى المسؤولين المحتملين.
سيفوز البرنامج التلفزيوني وسلسلة التغريدات على تويتر نتيجة المسلسل عن استحقاق بجائزة في هذا العام. استوحت شبكة "المكتب المحلي" مقاربات تقنية وتعاونية مماثلة في عملها لمصلحة شركاء إعلاميين محليين في بريطانيا. وأنتجت الشبكة أكثر من 30 تقريرًا حصريًا، بينها تحقيق عن مصادر تمويل المجالس البلدية، كشفت أن نصف هذه المجالس في إنكلترا تخطط لتقليص الخدمات الموجّهة إلى الأطفال.
طوال عام 2018، شهدنا بعضًا من أسوأ التقنيات الاجتماعية والرقمية، لكننا رأينا أيضًا كيف يمكن توظيفها لصحافة أفضل وأشد تأثيرًا. وباختراع تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، فهذا يمكن أن يمنحنا بعض الأمل في السنة الجديدة.
لقراءة تقرير "اتجاهات وتنبؤات الصحافة ووسائل الإعلام والتكنولوجيا 2019" كاملًا:
https://reutersinstitute.politics.ox.ac.uk/sites/default/files/2019-01/Newman_Predictions_2019_FINAL_2.pdf