الأرض الخراب... ونحن من خربها!
الميثاق نيوز- متابعات - يروي ديفيد والاس ويلز في كتابه "الأرض غير صالحة للعيش" قصة كوارث مقبلة نتحمل مسؤوليتها، ستؤدي إلى نهاية التاريخ والثقافة والأخلاق كما نعرفها. النُذر تحيط بنا من كل جانب، ونختار أن نشيح بوجهنا عنها. لكن، هناك بصيص أمل إذا قررنا تغيير طرائق حياتنا.
وعلى امتداد ثلاث سنوات، من 1833 إلى 1836، رسم الفنان الأميركي الشاب توماس كول رؤيته لتطور المجتمع البشري في خمس لوحات ضخمة، تصور منحنى هذه المسيرة من الطبيعة مرورًا بالرعوية والإمبراطورية إلى الخراب، في قصة نموذجية من الصعود والسقوط.
النذر حولنا
يواصل ديفيد والاس ويلز في كتابه "الأرض غير صالحة للعيش: قصة عن المستقبل" The Uninhabitable Earth: A Story of the Future (منشورات آلن لاين، 20 جنيهًا إسترلينيًا) ما بدأه كول، مع تحديث المسار للقرن الحادي والعشرين فنكون في قمة المنحنى مندفعين من نشوة الانتصار الأعمى إلى الخراب الناجم من الإعتداد المفرط بالنفس.
يروي الكاتب قصة كوارث مناخية مقبلة نتحمل نحن مسؤوليتها، مرجحًا أن تؤدي هذه الأحداث المدمرة إلى نهاية التاريخ والثقافة والأخلاق كما نعرفها. وعلى الرغم من أن النُذر تحيط بنا من كل جانب، فإننا نختار أن نشيح بوجهنا عنها. لكن هناك بصيص أمل إذا قرر البشر تغيير طرائق حياتهم.
تلاحظ صحيفة غارديان في مراجعتها كتاب والاس ويلز أن المؤلف يخرج من تقارير إعلامية وعلمية تغطي السنوات العشر الماضية بتوقعات يقدمها بلغة نثرية حية. ومع أن نُذر الكوارث المقبلة ليست بالنبأ الجديد، فإنها تصل أسماعنا غارقة في جوقة من الأصوات المتناشزة مادتها اخبار السياسة والترفيه.
لا يلخص المؤلف هذه التوقعات فحسب، بل يستنبط منها موضوعات توحيدية، أحدها السرعة، مشيرًا إلى أن أزمة المناخ صنعتها أفعال جيل واحد فقط. والموضوع الآخر هو الحدود الفيزيولوجية والسيكولوجية للحياة البشرية. وتشير توقعات مناخية عديدة إلى أننا سنتخطى هذه الحدود.
كارثة مدمرة
ينتقل القسم الأخير لهذا السفر من العلم والبيانات الإحصائية إلى سلسلة من اللقطات عن مستقبل الثقافة والمجتمع البشريين.
يستوحي عنوان الكتاب الرأي القائل إن المساحة الصالحة للعيش في كوكبنا تتقلص، وهي كارثة مدمرة بما فيه الكفاية، بحيث لا تحتاج تهويلًا. وفي أاوقات الأزمة تتطلب خطورة الموقف ردودًا متعددة بما فيها أصوات تحذيرية. لكن، ليس كل دعوة إلى العمل تقيم توازنًا واحدًا بين هول الكارثة والأمل في النجاة منها. وحقيقة أن المؤلف أثار حفيظة بعض الخبراء المعاصرين قد تكون بادرة إيجابية وإشارة إلى أن النقاشات حول المناخ تتعدى الآن الخطاب المحسوب كما يأتينا من الأوساط الأكاديمية والهيئات الحكومية.
لا يقدم كتاب والاس ويلز إجابات عمّا يجب أن نفعله في مواجهة هذه التوقعات المخيفة، لكنه يرسم الخطوط العامة لبعض المسارات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك استخدام سلاح الضرائب والاستثمارات العامة.
يكتب أن الخيارات التي تُطرح على ما يسمّيها "طبقة المستهلكين" بشأن الغذاء والإنجاب إنما هي إلهاء أو بدائل عن العمل السياسي الحقيقي لعلاج مشكلات الأرض والمناخ. لكن صحيفة غارديان ترى أن هذا الرأي يتجاهل الإمكانية المتمثلة في أن العمل الفردي ربما يكون من مستلزمات التغيير السياسي، وأن إصلاح الذات، بما في ذلك أنماط سلوكنا كمستهلكين، يمكن أن يلهم العمل السياسي والثقافي ويثريه ويديمه. لعل هذا يصح بصفة خاصة على المؤثرين من خلال أصواتهم المسموعة على نطاق واسع.
قرار اتهام
على غرار كول من قبله، مشروع والاس ويلز أخلاقي، قرار اتهام بحق ثقافة مجتمعة. ويهدف كلا السردين إلى إقناعنا بأن الأفكار التي نسترشد بها في عصرنا أفكار خاطئة. لكن بخلاف كول، الذي كان يعتقد أن الفناء الذاتي للبشرية مصير محتوم، يصر والاس ويلز على أننا نستطيع أن نقطع منحنى الصعود والسقوط.
في غمرة قصص الخراب والمعاناة، يؤكد المؤلف ذاتنا الفاعلة. ويفسر هذا شعوره بالإثارة حول مستقبل ابنته المولودة حديثًا. فهي ستعيش في كوكب محترق ومغمور تحت طوفان الكوارث البيئية ومخرَّب، بحيث لا يمكن التعرف إليه، ولكنها سوف تكون أيضًا مساهمة في "أعظم قصة تُروى في التاريخ بالمعنى الحرفي للكلمة"، على حد تعبير المؤلف، وهي إمكانية أن تكون الكارثة عاملًا مساعدًا على الوصول إلى "نهاية سعيدة".
الوصول إلى مثل هذه النهاية لن يأتي من التحليل النظري وحده. وتأخذ صحيفة غارديان على المؤلف افتقار تحليله إلى العمل الميداني. فنحن لا ننزل في صفحاته إلى الشوارع للتحدث مع الناس وسماع آرائهم ومنظوراتهم. بدلًا من ذلك، نسمعه يقدم تأويلاته لكم ضخم من قصاصات الأخبار والمقابلات مع خبراء وبحوث علمية. لكن، حتى أفضل البحوث العلمية تكون منفصلة خطوة عن موضوعاتها من دون بيانات حية تشفعها. وكما قال والت ويتمان، نأخذ الأشياء من مصدر ثان أو ثالث. ولعل خشيتنا الكبرى هي إننا نسينا الاستماع إلى الأرض الحية نفسها.