رحلة القهوة العربية من موطنها اليمني " المخأ" إلى مقاهي أميركا
الميثاق نيوز - تقرير - يستمع ديف إيجرز الأديب والروائي الأميركي الحائز على جائزة بوليتزر ثلاث سنوات إلى مختار الخنشلي وهو يروي قصته، قبل أن يكتب هذا الكتاب الفريد وحاول فيه تغيير الصورة النمطية عن اليمن، الذي يعاني الحرب والمجاعة والفقر ونحو 24 مليون إنسان مصنفين على أنهم "معرضون للخطر".
كان مختار، وهو يمني أميركي مسلم نشأ في حي صعب في سان فرانسيسكو، شابًا لا يهدأ ويناضل للبقاء في ظروف أجبرته على خسارة الكثير من فرص التعليم والوظائف الآمنة، وحتى فقدان المال؛ لكنه كان أيضًا ذكيًا، وكان مدفوعًا بفخره الكبير بتراثه وأصوله اليمنيين.
ويعمل مختار الخنشلي حالياً الرئيس التنفيذي لشركة خاصة بالقهوة اليمنية. ويروي الكتاب قصته الفريدة؛ بدءًا من عمله بواب بناية فخمة، فيغوص في تاريخه الشخصي وأصوله اليمنية وأصول القهوة اليمنية في محافظته إب، التي تزرع القهوة منذ أكثر من خمسمئة عام.
وتدور فكرة الكتاب القصصي حول حبة البن في اليمن، التي تم صب أول فنجان قهوة فيه، وحتى منتصف القرن 17 كانت القهوة يمنية غالباً، وعندما بدأ التجار الهولنديون التجارة مع اليمن عام 1616، قدمت القهوة إلى أوروبا عبر ميناء المخا، ولاحقاً تدفقت القهوة -أو القهوة العربية "أرابيكا"- إلى بقية العالم.
أسس مختار مشروعاً لإحياء مجد القهوة اليمنية، وشمل نشاطه الزراعة والتحميص واستيراد القهوة من وطنه الموجوع، لكن القهوة التي ينتجها مختار ليست مشروبًا عاديًا بل قهوة فاخرة غالية الثمن وتقدم مع بسكويت الهيل المصنوع من وصفات والدة مختار، ولا يعكس سعرها الغالي فقط صعوبات الإنتاج والشحن من بلد يعاني من الانهيار الوحشي، بل جودة المنتج أيضًا.
سيد القهوة
أرسل مختار بواسطة والديه للعيش مع جده في إب لمدة عام عندما كان في الصف الثامن، وتعلم خلالها اللغة العربية وعرف كفاح اليمن، ثم عاد للولايات المتحدة ليصطدم بتمثال شهير على الجانب الآخر من البناء الذي كان يعمل فيه بواباً أو حارس بناية، كان التمثال لرجل عربي يشرب القهوة ووضع في مكان كان فيه مصنع القهوة القديم "هيلز بروس".
بدافع الفضول وإلهام التمثال، قام مختار ببحث حول أصل القهوة، ليقوده البحث إلى اليمن، ويتعلم كيف تطورت القهوة منذ فترة طويلة، إذ كان اليمن المكان الوحيد الذي نمت فيه القهوة، وكانت سرقتها أو المساس بشتلاتها جريمة يعاقب عليها بالإعدام، ورغم ذلك أصبحت شائعة تدريجيا في بلدان أخرى، وارتفعت أسهم الفرنسيين والهولنديين في مجال صنع القهوة، في حين خسر اليمن قوته المستمدة من القهوة.
مجد اليمن
لمعت فكرة جديدة في ذهن مختار عندما قرر أنه يريد استعادة مجد اليمن من خلال إحياء صناعة القهوة هناك، رغم أنه لم يكن يعرف شيئاً عن القهوة وصناعتها، ولا لديه الأموال للاستثمار فيها، ولا حتى قيمة السفر لليمن، ولكن بمجرد أن وجد المال الذي يحتاجه وجد أن القهوة المنتجة في اليمن حالياً ذات جودة رديئة لأن المزارعين غير المدربين فقدوا خبرة زراعتها.
وإضافة إلى ذلك، لم يرغب أي تاجر في المخاطرة للقيام بأعمال تجارية في اليمن بسبب الحرب وطبيعة التعامل مع القبائل والتجار المحليين الذين كانوا يخافون، وأيضاً كان القات (نبات مخدر) أكثر ربحية وشيوعاً للاستخدام المحلي، لذلك ستكون هناك صعوبة في إقناع المزارعين بمغامرة زراعة المزيد من القهوة بدل من القات.
لكن مختار نجح في إقناع مئات المزارعين في وطنه بالتخلي عن زراعة القات وبدء زراعة أرابيكا؛ وقام برفع التمويل للمعالجة والتحميص والشحن. وذلك في نفس وقت دخول اليمن في حرب شرسة ومجاعة، وأيضًا بالتزامن مع حقبة كان الأميركيون المسلمون غير مرحب بهم فيها بشكل متزايد في الخطاب الرسمي لبلدهم، وكان اليمنيون على وجه الخصوص من بين أولئك المعرضين للاضطهاد عبر حظر السفر الذي أصدره ترامب.
لكن مختار كان قد عقد النية على إحياء القهوة اليمنية من خلال تسويقها كقهوة مميزة وتقديم الأصناف القديمة، وتعرض مختار في إحدى الزيارات في مارس/آذار 2015 لتجربة قاسية، حيث قصفت الغارات الجوية السعودية مطار صنعاء، وعاش مغامرة تعرض فيها للخطف والتهريب والاحتجاز مع حقائب عينات القهوة.
وحصل اثنان من هذه العينات على تقييم مرتفع في معامل القهوة، ويشحن مختار حالياً القهوة من ثلاث مناطق في اليمن لعشرات المحامص الأميركية، ويقول لمؤلف الكتاب إن عمله في استيراد القهوة من اليمن كان متزامناً مع تدهور الظروف في اليمن، ولم يتم شحن البضائع خارج البلاد؛ بينما تركز النشاط في الموانئ على استيراد الضروريات، وكان الدواء نادرًا وكانت الأغلبية العظمى من البلاد تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
واعتبرت الأمم المتحدة اليمن على شفا المجاعة، ولم يكن هناك أحد يعطي أولوية لتصدير القهوة إلى المحامص الدولية المتخصصة.
راهب المخا
يتناول الكتاب الروائي أيضاً قصة "راهب المخا" الشيخ علي بن عمر الشاذلي، وهو راهب صوفي ذهب إلى هرر الإثيوبية وتزوج من امرأة إثيوبية وأحضر نبتة القهوة لها، والتي لم تزرع بعد، وفي المخا اخترع الشراب الداكن المعروف الآن باسم القهوة.
ويرى الرواة المحليون أن الشيخ الشاذلي هو الذي وضع المخا على الخريطة كمركز تجارة البن، كما أنه قدم القهوة للتجار الذين أتوا إلى المخا وامتدح فوائدها الطبية.