إحصائیات وأرقام صادمة عن زراعة الألغام في الیمن تحیل البلد الذي وصف تاریخیا بـ(السعید) إلى أكبر دولة "ملغومة" منذ الحرب العالمیة الثانیة ما یجعل جهود انتزاعها والتخلص من "أسوأ كارثة إنسانیة" تهدد الیمنیین مهمة في غایة التعقید والخطورة.
وتشیر تقدیرات مشروع (مسام) السعودي لنزع الألغام في الیمن ومشروع ( ACLED ) المتخصص في جمع وتحلیل بیانات مناطق النزاع حول العالم إلى أن میلیشیات الحوثي زرعت نحو ملیون لغم أرضي بطریقة عشوائیة منذ بدء الحرب وحتى مطلع العام الجاري وأنها مازالت مستمرة في زراعتها حتى الآن.
وتحضر میلیشیات الحوثي كطرف وحید مسؤول عن زراعة الألغام في مختلف مناطق الیمن وبحارها كجزء من استراتیجیتها لإعاقة تقدم القوات الحكومیة المسنودة بتحالف دعم الشرعیة باتجاه مناطق سیطرتها.
وكانت الحكومة الیمنیة اعلنت في منتصف عام 2018 أن میلیشیات الحوثي زرعت آلاف الألغام البحریة بطریقة عشوائیة في البحر الأحمر في تهدید واضح لحركة الملاحة الدولیة وللصیادین الیمنیین.
وصدق الیمن في سبتمبر 1998 على اتفاقیة (أوتاوا) الخاصة بحظر استعمال وتخزین وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمیرها.
وتتولى ثلاث جهات رئیسیة مهمة انتزاع الألغام بینها (البرنامج الوطني لنزع الألغام) ومشروع (مسام) السعودي. وانتزعت هاتان الجهتان نحو 600 ألف لغم وقذیفة فیما لا تتوفر إحصائیات متعلقة بالجهة الثالثة المتمثلة في الفرق الهندسیة التابعة للألویة العسكریة في مختلف المناطق.
وقال مدیر (البرنامج الوطني لنزع الألغام) العمید أمین العقیلي في تصریح لوكالة الأنباء الكویتیة (كونا) الیوم الخمیس إن "فرق البرنامج المنتشرة في مختلف المناطق انتزعت أكثر من نصف ملیون لغم منها المضادة للأفراد وللآلیات وأخرى محورة وعبوات ناسفة ومخلفات حرب من القذائف التي لم تنفجر".
واضاف ان البرنامج وثق ستة آلاف ضحیة للألغام من المدنیین أغلبهم نساء واطفال سقطوا بین قتیل وجریح لكنه أشار إلى أن الاحصائیة الفعلیة تبدو أكبر من ذلك بكثیر.
وأشار إلى أن "ضحایا الألغام في ازدیاد طالما استمرت الأرض ملوثة بالألغام ومخلفات الحرب وطالما استمرت میلیشیات الحوثي في زراعتها".
وأوضح أن العناصر الحوثیة تقوم بتمويه الألغام والمتفجرات بطرق مختلفة من خلال تغطیتها بمواد بلاستیكیة أو ألیاف زجاجیة (فایبرجلاس) حتى یقع المدنیون في هذه "الشراك الخداعیة والمموهة".
ولفت إلى وجود صعوبة كبیرة في التعامل مع "الألغام المفخخة" تتمثل في تعقید العملیة التي یتم من خلالها نزع العبوات التي تعمل بدوائر كهربائیة أو التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأخرى تعمل بالضغط ودوائر كهربائیة في نفس الوقت إضافة إلى وجود "شراك خداعیة" بوضع "حبال عثرة".
وكشف العقیلي عن مقتل 55 شخصا وإصابة 50 آخرین من العاملین في نزع الألغام معظمهم قضوا بعد تمدد میلیشیات الحوثي إلى مختلف المناطق الیمنیة نتیجة استخدامها "شراكا خداعیة" وألغاما "مموهة" لم تكن معروفة من قبل في البرنامج.
وبین أن البرنامج اتخذ الكثیر من الخطوات لتقلیل الخسائر ضمن فرقه الفنیة بینها تدریب وتطویر قدرات أعضاء الفرق وتزوید البرنامج بالأجهزة والمعدات الحدیثة التي تلبي حاجة التعامل مع الألغام والعبوات المشبوهة والمموهة التي ظهرت حدیثا.
وقال العقیلي إن البرنامج یواجه تحدیات وعوائق كثیرة في عمله لافتقاره لكثیر من المعدات والأجهزة والاتصالات الحدیثة وسیارات النقل والاسعاف التي تزید في حالة توفرها نشاط وانتاجیة فرق البرنامج وتسهیل مهمتها.
واضاف ان الظروف الاقتصادیة التي تمر بها البلاد أدت إلى تأخر اعتماد میزانیة البرنامج لتخفیف احتیاجات البرنامج في التأهیل وتسلیم حقوق العاملین في نزع الألغام.
وأكد أن أكبر العوائق تتمثل في استمرار میلیشیات الحوثي في زراعة الألغام بطرق عشوائیة وانتشارها في اراض واسعة وصل الیها الانقلاب إضافة إلى غیرها من مخلفات الحرب من القذائف والقنابل التي لم تنفجر.
واعتبر أن استمرار الحرب التي تشنها میلیشیات الحوثي على الشرعیة وعلى الیمن أمر بحد ذاته یشكل السبب الرئیسي الذي یعیق جهود تخلیص الأرض من الألغام مع عدم إمكانیة الوصول لكثیر من المناطق الملغومة.
ودعا العقیلي الأمم المتحدة والجهات والمنظمات الأخرى المعنیة إلى الضغط على میلیشیات الحوثي لتزوید البرنامج بمعلومات واحداثیات وخرائط المناطق الملغومة لتسهیل تطهیر الأرض من الألغام وتمكین النازحین من العودة لاستئناف حیاتهم وأنشطتهم الزراعیة التي تعطلت خوفا من الألغام.
وأوضح أن الفرق المیدانیة تعمل بحسب خطة الطوارئ التي تهدف إلى تمكین النازحین من العودة إلى منازلهم وقراهم ومدنهم بالتركیز على فتح وتأمین الطرقات لتسهیل ایصال المواد الاغاثیة وإعادة الخدمات إلیها. وقال "إن البرنامج یعمل على تخلیص الیمن من أسوأ كارثة إنسانیة تهدد أبناءه وهي الألغام ومخلفات الحرب التي انتشرت في مساحات واسعة شملت الودیان والقرى والطرق والمزارع والجبال والمنشآت العامة والخاصة والمنازل والمدارس في مختلف المناطق التي وصل الیها الانقلاب المشؤوم".
وناشد جمیع الدول الشقیقة والصدیقة والمنظمات المانحة تقدیم المزید من الدعم ل(البرنامج الوطني) في أقرب وقت ممكن مبینا أنه"كلما طال وقت بقاء الألغام زادت احتمالات الاصابة والخسائر بین المدنیین وتعقدت مهمة النزع".
وثمن الجهود المخلصة التي تقوم ب?ا فرق البرنامج والفرق ال?ندسیة التابعة للجیش الیمني في جمیع المناطق المتأثرة بالألغام مشیدا في الوقت ذاته بمستوى الشراكة الحقیقیة الكبیرة والفاعلة مع (مسام) في الإدارة ونزع الألغام.
ووفقا لبیان صدر عن مشروع (مسام) السعودي لنزع الألغام فقد بلغ إجمالي عدد الألغام والعبوات التي انتزعها المشروع منذ انطلاق عمله منتصف عام 2018 وحتى 11 أكتوبر الجاري 94167 لغما تنوعت بین ألغام فردیة ومضادة للدبابات وعبوات ناسفة وذخائر غیر متفجرة.