لا شيء تستثنيه مليشيا الحوثي من عمليات السطو الكبير على مقدرات اليمن، ولا حواجز أمامها تمنعها حتى من أموال الوقف التي يعدها المجتمع اليمني في حكم المقدسة التي لا يمكن أن تطالها أيدي أسوأ اللصوص؛ غير أن أيدي القيادات الحوثية امتدت إليها دون أدنى حرج.
فقد تناقلت وسائل إعلامية يمنية، مطلع هذا الأسبوع، أنباء عن قيام أحد قيادات المليشيا الحوثية في محافظة إب، بالسطو على مقبرة، ونشرت هذه الوسائل صورًا للأرض المخصصة لدفن الموتى من أراضي الأوقاف، وقد شرع القيادي الحوثي في بناء عمارته عليها، فأصبحوا كما يسميهم أهل المنطقة "لصوص المقابر".
لم تكن هذه الحادثة المتمثلة في نهب إحدى مقابر ضواحي مدينة إب، وانتفاضة المواطنين ضد اللص الحوثي الذي تجرأ على أموال الأوقاف، سوى صورة فقط من مسيرة النهب الحوثية طالت الأموات والأحياء معًا دون تمييز، أو اعتبارات إنسانية.
وبين الحين والآخر تخرج إلى السطح أنباء عن قيام المليشيات الحوثية في إب باحتلال منازل تتبع الأوقاف، وتقوم تلك القيادات باستصدار أوامر من وزارة الأوقاف التي أخضعوها لسيطرتهم، لتنفيذ حملات على منازل تابعة للأوقاف والسطو عليها وإحلال عناصر المليشيا القادمة من محافظة أخرى فيها.
"إب.. لصوص مقابر"
تقول مصادر متطابقة في محافظة إب: إن حمى السطو على أموال الأوقاف من قِبَل قيادات المليشيا الحوثية الإيرانية، زاد سُعارُها خلال الأشهر القليلة الماضية بصورة غير مسبوقة، وذات الأمر يحدث في بقية المحافظات التي تخضع لمليشيا الانقلاب؛ لا سيما في العاصمة صنعاء، ومحافظات عمران وذمار.
وأعاد هذا السعار الحوثي ضد أموال الأوقاف، إلى الأذهان، البداية الفعلية لعمليات السطو الكبير على أموال الأوقاف التي مارستها المليشيات الحوثية منذ نشأتها في محافظة صعدة، والتي دشنتها في العام 2002، حينما سطت على أراضي وأموال الأوقاف في بعض مديريات صعدة، ووجهتها لخدمة أجندتها الإيرانية؛ تزامنًا مع إجبار السكان على دفع الزكاة والإتاوات لصالح المليشيا الناشئة.
وطوال السنوات التالية، ظلت المليشيات الحوثية على ذات الممارسات المستفزة للمجتمع في محافظة صعدة، من نهب أراضي وأموال الأوقاف، وتحويلها إلى إقطاعيات خاصة بقيادات المليشيا، وخصوصًا تلك القيادات التي تَلَقّت تدريبات في طهران والضاحية الجنوبية من بيروت لسنوات، ثم عادت لتخصص لها الجماعة أراضيَ ومَبانٍ تابعة للأوقاف.
تشير الإحصائيات غير المكتملة إلى أن 24 مقبرة "من أراضي الأوقاف" سطَت عليها مليشيا الحوثي الانقلابية في محافظة إب، خلال العام 2018 فقط؛ وهو مؤشر على عملية نهب وسطو واسعة تُنفّذها السلالة الحوثية على أموال الوقف اليمنية.
"صنعاء.. أوقاف مستباحة"
وبدأ العبث والفساد الحوثي في أوقاف العاصمة صنعاء؛ حيث نفّذوا عشرات الحملات على البيوت التابعة للأوقاف، وأفرغوها من السكان، واستبدلوهم بسكان من صعدة يتبعون المليشيات؛ في إطار عملية التغيير الديموغرافي التي تمارسها المليشيا.. أخرج الحوثيون مئات الأسر اليمنية من المنازل التي تدفع إيجاراتها للأوقاف، وأجبروهم تحت إرهاب السلاح على مغادرتها وقد كانوا سكانها لعقود.
وبموازاة ذلك، رفعت مليشيا الحوثي إيجارات عقارات الأوقاف في العاصمة صنعاء بنسبة 200%، مهددة المستفيدين بسلبهم العقارات في حال رفضوا الالتزام بالتسعيرة الجديدة التي فرضتها عليهم، كما فرضت زيادة في الإيجارات على المحلات التجارية التابعة للوقف، ضمن عدد من الإجراءات التي تهدف إلى سلب المستفيدين محلاتهم التي ينتفعون بها بموجب عقود منذ عشرات السنين، ومنحها لعناصر تابعة لهم.
"ذمار.. صرف للمليشيات"
وفي محافظة ذمار جنوبي العاصمة صنعاء، قامت مليشيات الحوثي خلال السنوات الأربع الأخيرة بصرف عدد من الأراضي التابعة لمكتب الأوقاف بالمحافظة لصالح المليشيا ومقاتليها ومشرفيها، وعيّنت قبل ذلك أحد عناصرها مديرًا لأوقاف المحافظة؛ لتمرير أعمال السطو والنهب لأموال الأوقاف.
وشرعت مليشيا الحوثي بذمار -بصورة تدريجية- في الاستيلاء على العقارات والمنازل السكنية المؤجرة للمواطنين منذ سنوات، وباعت مساحات كبيرة من الأراضي التابعة لمكتب الأوقاف لنافذين وقيادات موالية لهم بمبالغ رمزية، واستحوذت على أراضٍ في مناطق حيوية تابعة للأوقاف بذريعة منحها لأسر قتلى المليشيا.
وتحدّثت مصادر خاصة في مكتب أوقاف ذمار عن أن 3 مشرفين أقدموا على بيع 8 قطع أرض تابعة للأوقاف بمبالغ باهظة بينها سوق العند الواقع وسط المدينة المخصص لبيع المواشي، وفي هذا التوقيت كان مكتب الأوقاف الذي يديره قيادي حوثي قد خصص 14 ألف قطعة أرض لقتلى الحوثيين في ذمار؛ فضلًا عن الملايين التي يصرفها بلا حسيب لصالح قيادات الحوثي من أموال الأوقاف.
"إتلاف وثائق وطمس جرائم"
وفي محافظتيْ عمران وحجة شمال اليمن، تمارس المليشيات الحوثية ذات العمل، والنهب لأموال الأوقاف، والسطو على الأراضي والمقابر لصالح القيادات الحوثية، التي تغتني يومًا بعد آخر من هذه الأموال؛ في مقابل حرمان المستفيدين الذين يدفعون إيجارات لعقود، بعضها وصل إلى 5 عقود.
على أن كل الشهود وجميع الشواهد؛ تؤكد أن ما تقوم به مليشيا الحوثي ضد أراضي ومباني وأموال الأوقاف في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، هو مسلسل نهب منظم لصالح قيادات المليشيا، تحولها مشاريع سكنية واستثمارية خاصة، وأعادت تمليك بعضها لأبناء وآباء قتلاها.
ورغم محاولاتها البائسة في طمس آثار الجريمة بالعمل على حرق الأرشيف الخاص بوثائق أراضي وعقارات الأوقاف والوصايا والترب من أجل تسهيل عملية السطو عليها ونقل ملكيتها إلى قياداتها ونافذيها؛ إلا أن اليمنيين باتوا على دراية كاملة بما تقوم به المليشيا، فيما يقوم مواطنون برصد دقيق لتجريف الحوثيين للأوقاف في اليمن، في مجتمع جعل للأوقاف حرمة لم يلطخها أحد كما فعلت أدوات طهران.