تحيط بالآلاف من الأسر اليمنية هموم الحياة التي لا تتوقف، بسبب ظروف الحرب، وكأنما النزوح لم يكن سببًا كافيا ليتسرب الخوف إلى أعين الأطفال والنساء، فيأتي البرد ليضيف إلى قائمة المعاناة ثقلًا جديدًا لا تستطيع الأسر النازحة والفقيرة تحمله.
ولا تجد ”مريم“ غير حرق الورق المقوى وبعض الخرق البالية لتدفئة أطفالها الخمسة رغم أن الدخان يسبب لهم مشاكل في التنفس، لكنها تجد نفسها مضطرة للتعامل مع هذا الوضع بسبب شدة البرد الذي بدأ يضرب المناطق الشمالية من اليمن منذ عدة أسابيع.
الفرار من الموت إلى البرد
تقطن مريم مع أطفالها في منزل صغير بحي السنينة غرب مدينة صنعاء، بعد أن فرت من أحد الأحياء الواقعة على خط التماس بين عناصر الميليشيات الحوثية وجنود الجيش الوطني بمدينة الحديدة.
وكانت حياة المرأة الأربعينية هادئة، وبالكاد تكفيها عائدات سيارة الأجرة التي كان يمتلكها زوجها المتوفى، الذي قُتل بحادث إطلاق نار بين مسلحين مجهولين بالحديدة قبل 3 أعوام، لتأتي الحرب وتصل إلى سقف منزلها لتقلب حياتها رأسًا على عقب.
وتقول ”مريم“:“سقطت عدة قذائف على سقف المنزل في اليوم الأول، أما في اليوم الثاني فكانت الاشتباكات في المنازل المجاورة، عندما سمعت مسلحين حوثيين يتحدثون عن اعتلاء سطح منزلي، أيقنت أن البقاء بات خطرًا على حياتي وأطفالي“.
وأضافت، في حديث لـ“إرم نيوز“:“كان الكثير من الجيران قد نزحوا إلى صنعاء، وبعت خاتمين من ذهبي ولحقت بهم“.
لكنها لم تجد في صنعاء شيئًا يوحي أنها محل ترحاب، فلا أقرباء ولا سكن ولا مال يكفي لمواجهة ظروف المستقبل، تم تكديس بعض النازحين في فصول مدرسية الأساسية في صنعاء، من قبل مبادرة شبابية ما لبث أعضاؤها أن غادروا بعد عدة أيام.
وكان ابنها الأكبر ”مروان 17 عامًا“ يعمل على سيارة الأجرة، وبعد أيام انتقلت ”مريم مع أطفالها“ إلى حي السنينة بعد أن استأجرت منزلًا صغيرًا. وقبل نحو عام اضطُرت مريم الى بيع سيارة الأجرة، وما تمتلكه من الذهب والأشياء الثمينة، لدفع تكاليف العلاج لشاب وطفل دهسهما ابنها عندما فقد السيطرة عليها بسبب الأمطار.
البرد يقتل النازحين
تعيش هذه الأسرة وسط حالة من البؤس، حيث يحاصر البرد أجساد أفرادها وأشباههم من الفقراء والأيتام، ليزيدها ألمًا ويتركها عرضهً للأمراض، وربما الموت، ويزداد الأمر قسوة مع الرضع والمواليد الذين تعجز أسرهم على توفير التدفئة لهم وسط حالة من الفقر المدقع.
وقبل عدة أيام توفيت رضيعة نازحة مع أسرتها من الحديدة بسبب البرد بمدينة معبر التابعة لمحافظة ذمار وسط اليمن.
ويشير محمد الفاروق، رئيس مبادرة ”شباب الخير“، إلى أن المئات من الأسر لا تستطيع مقاومة البرد لأنها تعيش في منازل خالية من الأثاث والبطانيات، وبعضهم يعيش في خيام مهترئة، والبعض الآخر في منازل لا تمتلك نوافد أو أبوابًا وليس لديهم المال الكافي لشراء البطانيات أو الملابس الشتوية.
رئيس مبادرة ”شباب الخير“ لفت إلى أن مبادرته استطاعت أن توفر الشيء اليسير من الملابس الشتوية التي تم جمعها من الأصدقاء والأقرباء للأسر النازحة في صنعاء، كنوع من المسؤولية المجتمعية ومساندة النازحين الفقراء.
تحت الصفر
في ليالي الشتاء القارص والتي تصل درجة انخفاض الحرارة أحيانًا فيها إلى 10 درجات تحت الصفر في صنعاء وبعض المدن الجبلية، ينتظر الفقراء الفجر لاستقبال أشعة الشمس؛ لتعيد الحياة إلى أجسادهم التي بدأت ترتجف من شدة البرودة.
لكن معاركهم مع ظروف الحياة أشد ضراوة وقسوة؛ إذ تجبرهم ظروف الحياة المرة على الانزواء بعيدًا عن العيش الكريم.
”يا أخي البرد قتلنا“، قالها ”مستور“ بحزن وأشار بيده إلى برميل قمامة، وتابع:“نحرق القمامة على باب المنزل طوال الليل من شدة البرد علنا نحصل على دفء من النار، و“مستور“ رجل خمسيني نزح من منطقة محافظة حجة شمال اليمن إلى صنعاء، قبل 3 سنوات، ومنذ وطئها بأقدامه وهو يعاني مع عائلته من البرد“.
وأضاف لـ“إرم نيوز“:“أعاني أنا وأولادي من البرد كل يوم، وأمرض بسبب البرد، ولا أحد يسمع أصواتنا، وكلهم يتفرجون علينا متى سنموت.. لا مساعدات ولا إغاثة ولا شيء“.