تسعى الحكومة اليمنية المعترف بها من المجتمع الدولي لمواجهة "مافيا النفط" في البلاد ضمن توجهات لإيقاف نزيف الاقتصاد في هذا البلد، الذي يشهد نزاعا دمويا منذ قرابة خمس سنوات.
وعادت الحكومة برئاسة معين عبدالملك، الشهر المنصرم من الرياض إلى مدينة عدن "العاصمة المؤقتة" جنوبي البلاد بموجب اتفاق وقعته مع المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال في الخامس من نوفمبر الماضي.
وكانت الحكومة قد غادرت عدن لأشهر إثر صدام مسلح بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس الماضي.
والخميس الماضي ترأس عبدالملك اجتماعا حكوميا في عدن ضم وزراء المالية والنفط والكهرباء ومصافي وشركة النفط بالمدينة الجنوبية لمناقشة شروط المناقصات الخاصة بتوفير المشتقات النفطية للمحطات، وتشغيل محطات الكهرباء في عدن، ووضع شروط معيارية شفافة للفترة القادمة. حسب ما ذكرت وكالة أنباء (سبأ) التي تديرها الحكومة.
وأكد الاجتماع حينها "على أهمية تأهيل أكبر عدد من الشركات المحلية وإتاحة الفرصة أمام الشركات الدولية للمشاركة في مناقصات استيراد المشتقات النفطية، بما يؤدي إلى فتح باب التنافس بشكل شفاف، إضافة إلى توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء بأفضل الأسعار، لتخفيف حدة الانقطاعات الكهربائية".
وقُدم للاجتماع رؤى وأفكار لإعادة تفعيل دور مصافي عدن والاستفادة من إمكانياتها الكبيرة، بما يسهم في توفير احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية وبأسعار منخفضة وتنافسية، حسب الوكالة الرسمية.
وأكد رئيس الحكومة اليمنية في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) "أن الإصلاحات التي يقوم بها رغم العقبات تجد دعما من الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأنها سترسم مسارا قويا للاقتصاد".
وقال عبدالملك "إن أي حكومة مقبلة ستجد أرضية صلبة بعد الإصلاحات التي أنجزتها حكومته.
وأوضح أن "الوضع الاقتصادي والمالي صعب جدا بعد خمس سنوات من انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية".
لكنه استدرك قائلا : "لكننا عازمون على المضي قدما في هذه الخطوات لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، ولاستعادة الموارد العامة المهدرة".
وأشاد مجلس اللجان النقابية لشركة النفط اليمنية بعدن بخطوات رئيس الحكومة لإنهاء احتكار استيراد المشتقات النفطية.
وأكد استعداد الشركة للقيام بدورها في تسويق وبيع المشتقات النفطية وفق الأسس والأنظمة المتعارف عليها، والذي يضمن تقديم الخدمات للمواطنين وتعزيز مكانة الدولة.
وتحتكر ثلاث شركات يمنية هي ( OZY) و (ASA) و(عرب جلف) وتتبع جميعها رجل الأعمال اليمني صالح العيسي، استيراد المشتقات النفطية في اليمن، بحسب تقارير إعلامية.
وذكرت هذه التقارير أن الشركات الثلاث تستورد "الطن الواحد من الديزل وتوصله إلى ميناء عدن بقيمة 810 دولارات، في حين لا يتجاوز السعر الحقيقي حاجز 550 دولارا".
واتهمت مديرة شركة النفط اليمنية في عدن انتصار العراشة، في تصريحات سابقة رجل الأعمال العيسي "بالعمل على ابتزاز الحكومة عند كل شحنة يستوردها، وذلك من خلال رفض ضخ الوقود المخصص لتشغيل محطات توليد الكهرباء تاركا مدينة عدن تغرق في الظلام بهدف إحراج الحكومة والحصول على مبالغ مالية مخالفة لشروط الاتفاق".
وتحدث مصدر حكومي لوكالة أنباء ((شينخوا)) قائلا إن الشركات الثلاث التي تحتكر استيراد المستقات النفطية تتهرب من دفع الرسوم الجمركية.
وأضاف "كما ترفض (الشركات الثلاث) منذ مطلع ديسمبر الجاري تفريغ الوقود من البواخر متذرعة بمديونية مزعومة قدرها 104 ملايين دولار وتشترط على الحكومة دفعها أو ستتوقف محطات توليد الكهرباء".
ويرى خبير اقتصادي يمني أن الخطوات، التي اتخذها رئيس الحكومة لإنهاء احتكار المشتقات النفطية "جريئة" في مواجهة مافيا احتكار استيراد المشتقات النفطية.
وقال الخبير في الشأن الاقتصادي فاروق الكمالي، ل(شينخوا) إن قرار إنهاء احتكار المشتقات النفطية خطوة جريئة لمحاربة الفساد.
وأضاف "يمكن أن تؤسس السياسات الحكومية لبدائل تعزز قيم الحرية والتنافسية، بما يخدم المستهلك ويخلق توازناً في السوق".
وأكد أن "الاحتكار خلق مافيا جشعة تجني أرباحا فاحشة على حساب الاقتصاد والناس .. وهذا ما يفسر الحرب الإعلامية ضد رئيس الحكومة على خلفية الإصلاحات التي يقوم بها". على حد قوله.
وكانت الحكومة اليمنية قد اتخذت خطوات قبل توجهها لكسر احتكار استيراد المشتقات النفطية، تمثلت في إصدار قرارين بهدف الحد من التجارة غير القانونية للمشتقات النفطية.
وتضمن القراران "تحصيل الرسوم عن واردات الوقود واستخدامها لدفع رواتب موظفي الدولة بمن فيهم الموظفون في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين".
واعتبرت اللجنة الإقتصادية الحكومية في وقت سابق "أن هدف القرارين هو ضبط وتنظيم تجارة المشتقات النفطية وإنهاء فوضى استيراد الوقود".
وأكدت "أن تطبيقهما سيرفد خزينة الدولة بمليارات من الرسوم الجمركية وسيحد من التهريب وسيرفع من جودة ومواصفات الوقود المستورد".
ونجحت الحكومة في تطبيق القرارين على واردات الوقود إلى الموانئ الخاضعة لسلطتها منذ مطلع العام الجاري.
لكنها اصطدمت برفض جماعة الحوثي والتي تسيطر على ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر غربي البلاد.
ويجني الحوثيون ملايين الدولارات من تحصيل الرسوم الجمركية عن واردات الوقود، ويعملون على إعاقة الإجراءات الحكومية الهادفة لتنظيم سوق المشتقات.
وتؤكد الحكومة اليمنية أنها حققت نتائج إيجابية في تطبيق القرارين، خلال الربع الأول من العام الجاري 2019، تمثلت في تعزيز قيمة واستقرار سعر العملة الوطنية عند حدود معقولة، وحصول السوق على حاجته من الوقود بمتوسط حوالي 300 ألف طن في الشهر الواحد.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن يوسف سعيد، إن القرارين لا يهددان مصالح الحوثيين فحسب، بل أيضا مافيا استيراد المشتقات في مناطق الحكومة.
وأضاف سعيد لوكالة أنباء ((شينخوا))، "جميع الذين لهم مصلحة مباشرة في استمرار فوضى الاستيراد، سيحاربون إجراءات الحكومة لتنظيم استيراد النفط".
وأكد الأكاديمي اليمني أن "تطبيق الإجراءات الحكومية ستعمل على ضبط وتنظيم تجارة المشتقات النفطية في عموم اليمن وستضع نهاية لفوضى استيراد المشتقات، كما سيرفد خزينة الدولة بموارد ضريبية كبيرة".
ويشهد اليمن نزاعا دمويا منذ أواخر العام 2014 في أعقاب اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء ومعظم محافظات شمال البلاد، ما تسبب في تعميق أزمات الاقتصاد اليمني.