ابتلي أسلافنا بنوبات الملاريا المتكررة والتهابات السل القاتلة وتفشي مرض الزهري المستمر والجروح التي تنجم عن البكتيريا والتي لا تلتئم قط.
ولكن بعد أن تسلح البشر في العصر الحديث باللقاحات والمضادات الحيوية، أصبح بالإمكان تجنب أو علاج هذه الأمراض وغيرها من الأوبئة المعدية الأخرى، التي يمكنها الانتقال بين البشر أو حتى من الحيوانات إلى البشر.
ولا يموت معظم الناس، في الوقت الحاضر، بسبب الأمراض المعدية، بل الأمراض التي لا يمكن نقلها إلى أشخاص آخرين، حيث أن نحو 41 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يموتون كل عام بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان أو أمراض الجهاز التنفسي أو مرض السكري أو أي مرض مزمن آخر، وتمثل الأمراض غير السارية (أمراض لا يمكن انتقالها من فرد إلى آخر) أكثر من 70% من جميع الوفيات على مستوى العالم، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
ويُعتقد أن الأمراض غير السارية تنشأ عن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية ونمط الحياة بدلا من انتقالها عن طريق البكتيريا أو الفطريات أو الفيروسات. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، أدرك العلماء أن مجموعة من الميكروبات التي تزحف داخل جسم الإنسان، والمعروفة باسم الميكروبيوم، لها تأثير كبير على صحتنا، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية انتقال الأمراض غير السارية بين البشر عن طريقها.
وفي ورقة بحثية نشرت في مجلة Science، أشار عالم الأحياء المجهرية، بريت فينلاي، وزملاؤه إلى أن أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني ومتلازمة القولون العصبي وغيرها من الأمراض، التي تعد غير قابلة للانتقال من شخص لآخر، قد تنتشر بفعل البكتيريا التي تعيش في المعدة.
وقال فينلاي، وهو باحث كندي مشهور في علم الأحياء المجهرية بجامعة كولومبيا البريطانية: "إن الأمراض السارية، قد تكون في الواقع معدية"، مشيرا إلى أن هذه الفرضية تحتاج إلى المزيد من الدراسة.
وتوضح الدراسة أن الميكروبيوم يساعد على توجيه وظائف مختلف النظم الفسيولوجية، بما في ذلك التمثيل الغذائي والهضم والدفاع المناعي. ولا يفهم الباحثون بعد، ما يميز الميكروبيوم الصحي عن الضار، ولكن يبدو أن بعض الأمراض ترتبط بعدم توازن جرثومي في الجسم.
وعلى سبيل المثال، يميل المصابون بداء السكري وأمراض الأمعاء الالتهابية وأمراض القلب والأوعية الدموية إلى استضافة مجموعة مختلفة من البكتيريا في أحشائهم، مقارنة بأولئك الذين يفتقرون إلى الأمراض، وفقا للتقرير الذي نُشر في 16 يناير في مجلة Science.
وتشير الورقة البحثية إلى أن الأشخاص الأصحاء يمكن أن "يصطادوا" أوجها من هذه الأمراض من خلال التعرض لهذه الميكروبات المختلطة، ما يعطي طريقة جديدة تماما للتفكير في هذه الأمراض، وفقا لبريت فينلاي.
وجمع الباحثون عينات من اللعاب والبراز لنحو 290 شخصا يعيشون في مناطق متقاربة في فيجي، لتحديد أنواع البكتيريا التي تظهر في أفواههم وأمعائهم. ووجدوا أنه يمكن تمرير بعض عناصر الميكروبيوم بين الناس. وأشار الباحثون إلى أنه في حال أصيب أحد الأزواج بداء السكري من النوع الثاني، على سبيل المثال، فإن هناك فرصة أكبر لإصابة شريكه بالمرض نفسه في غضون عام.
وتشير الدراسات إلى أن المزيد من الأمراض غير السارية تتأثر بالبكتيريا وأن تلك البكتيريا قد تنتقل بين البشر، ووجد الباحثون أن الميكروبات الخاصة بك تشبه الشخص الذي تعيش معه أكثر من التوأم المرتبط بك جينيا.
وكشفت النتائج التي نشرت في مارس 2019، في مجلة Nature Microbiology، عن أنماط متميزة لانتقال البكتيريا داخل كل مجتمع، وخاصة بين الأفراد الذين يعيشون في المنزل نفسه، في حين أن الأمهات وأطفالهن يتقاسمون العديد من الميكروبات، كما يشترك الزوجان في معظم الميكروبات.
وقال فريق البحث إن الميكروبات في عمر مبكر تؤثر بشكل كبير على الربو، وعلى مرض باركينسون، كما أنها تغير وظيفة المناعة، والتي قد تثبت أهميتها لدى مرضى السرطان الذين لا تستطيع أجهزة المناعة التعرف على الأورام في الجسم ومهاجمتها.
وتنطوي السمنة، وهي أحد عوامل الخطر الرئيسية للأمراض غير السارية، على الميكروبات أيضا، والتي يمكن نقلها.
ويشرح الباحثون أن البشر الذين لديهم أصدقاء أو أشقاء يعانون من السمنة المفرطة لديهم فرصة أكبر للإصابة بالسمنة من أولئك الذين ليس لديهم أصدقاء أو إخوة يعانون من المرض. وأن العيش في بلد ترتفع فيه نسبة السمنة يزيد من خطر إصابة شخص ما بالسمنة.
ويستعين فينلاي وزملاؤه بالنماذج الحيوانية والدراسات السكانية المشابهة لتلك التي أجريت في فيجي، لإثبات ما إذا كانت هناك أمراضا غير سارية تنتقل بين البشر بالفعل بواسطة الميكروبيوم.