استهدفت الولايات المتحدة زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، قاسم الريمي، بعد شهور من تعقبه باستخدام المراقبة الجوية، وغيرها من المعلومات الاستخباراتية.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، تصريحات تؤكّد أنّ الريمي (41 عاماً) قتل في غارة جوية في اليمن، لكنّهم ينتظرون الحصول على تأكيدات موثوقة قبل إصدار بيان علني، في حين نقلت قناة "العربية"، عن مصدر يمني؛ أنّ غارة درون أمريكية استهدفت الريمي في منزل بمديرية وادعي عبيدة، شرق مدينة مأرب اليمنية.
وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون؛ إنّهم ليسوا على علم بأيّة هجمات، فيما لم تعلّق وكالة الاستخبارات الأمريكية " آي إيه"، وكذلك مجلس الأمن القومي.
وفي الوقت الذي لم ترد فيه وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" على أسئلة من "سي إن إن" حول الموضوع، اكتفت بالتعليق: "نحن على علم بهذه التقارير التي يزعم فيها مقتل قائد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، قاسم الريمي، وزارة الدفاع ليس لديها ما تقوله فيما يتعلق بهذا الشأن".
وبحسب الصحيفة؛ فإنّ "سي آي إيه" علمت بموقع قاسم الريمي من أحد المخبرين في اليمن، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وفقاً لمسؤول أمريكي على علم بمعلومات الضربة، وبدأت تتعقبه بواسطة طائرة استطلاع.
من جهتها، نشرت صفحة "المكافآت من أجل العدالة" التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، تغريدة قالت فيها: "أنباء عن مقتل زعيم القاعدة باليمن، قاسم الريمي، بغارة أميركية، سيكون شعب اليمن الجميل أكثر أمناً بدون الإرهابي المجرم قاسم الريمي، ولكننا ما نزال نبحث عن أصدقائه ورفاقه! بلغونا عن أنشطة تنظيم القاعدة مقابل مكافآت مالية!".
هذا وقد ذكرت مصادر أخرى في مأرب لـ "العربية"؛ أنّ "المنزل الذي استهدفته الغارة أستأجره عناصر من القاعدة بالفعل، لكن لم يتبين بعد ما إذا كان قاسم الريمي من بين المستهدفين.
و"قاسم عبده محمد أبكر"، أو "قاسم الريمي"، أو "قاسم الرامي" (المكنى "أبو هريرة الصنعاني")؛ من الوجوه البارزة والمعروفة في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وكان على رأس المطلوبين، عربياً ودولياً، لتورطه في أعمال إرهابية.
وأصبح الريمي قائد تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، في 16 حزيران (يونيو) 2015، خلفاً لناصر الوحيشي الذي قُتل بغارة لطائرة بدون طيار في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت شرق اليمن.
وقبل 7 سنوات حذر القيادي في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب، قاسم الريمي، الشعب الأمريكي من أنهم ليسوا في مأمن، متوعدا إياهم بمزيدٍ من الهجمات، على غرار تفجيرات بوسطن الأخيرة، التي قال إنها تدلّ على أن زمام أمن الأمريكيين «قد انفلت» وأن العمليات ضد الولايات المتحدة وشعبها «قد سارت عجلتها سيراً لا يسيطر عليه أحد».
وظهر القائد العسكري الميداني لتنظيم قاعدة الجهاد بجزيرة العرب، قاسم الريمي، في تسجيل صوتي جديد، نشر حينها على موقع اليوتيوب (YOUTUBE)، قبل أن تم إزالته لاحقاً من قبل إدارة الموقع لانتهاكه سياسة النشر، واحتوائه على مادة تحرض على «العنف».
وحصل «المصدر أونلاين» على تسجيل صوتي للريمي، ونص الرسالة من الإصدار الأخير لمجلة «إنسباير» (العدد – 11 - شهر مايو)، التي تصدر باللغتين الإنجليزية والعربية عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وكان أسسها الإمام الأمريكي من أصل يمني أنور العولقي قبل أن يلقى حتفه في 30 سبتمبر2011، بعد قصف سيارته بطائرة أمريكية بدون طيار في إحدى ضواحي محافظة مارب.
وفي نسختها العربية، التي صدرت عن شهر مايو، ووسم على غلافها الخارجي بأنه «عدد خاص»، نشرت المجلة نص رسالة المسؤول العسكري لقاعدة الجهاد في جزيرة العرب، تحت عنوان «رسالة إلى الشعب الأمريكي». وبدأ الريمي في مقدّمة رسالته بمخاطبة الأمريكيين عن أمنهم، قائلا: «أيها الشعبُ الأمريكي: إن أمنكم ليس في سلب أمنِ شعوب أخرى أو الاعتداء عليها أو ظلمها. إن أمنكم في كف سفهائكم الذين يحكمونكم عن الظلمِ والعدوان. واعلموا أن البغي والعدوان يرتد في نحرِ من أتى به».
وربط القيادي في القاعدة، بين مسؤولية الإدارة الأمريكية لما تقوم به من تقتيل للمسلمين في العالم وبين مسؤولية الشعب الأمريكي، الذين اعتبرهم مسؤولين هم أيضا عن كل ما يحدث: «إن حكامكم هم المعتدون الباغون الظالمون وأنتم من ورائهم تصفقون وتدعمون وتصوتون»، مضيفا: «هل تظنون أنه قد يعذركم أحد إذا كان حكامكم يغالطونكم ويقتلون المسلمين ويدعمون من يقتلهم فيما اشتبه عليكم وزعمتم أنه من حقكم في الدفاع عن أنفسكم؟ فكيف بأمورٍ من العدوان لا ينكرها صغاركم ولا تخفى على جهالكم فهل تعذرون عليها؟».
واعتبر الريمي أن الشعب الأمريكي بكامله غير معذور على صمته على ما تقوم به إدارته ضد المسلمين، مستشهداً ببعض تلك الأعمال: من دعم اليهود في فلسطين، وقتل الأطفال والنساء في كابل وبغداد ومقديشو وصنعاء..»، ومضيفاً «وهل التدخل في أمورنا وتنصيب من تريدون من وكلائكم الطواغيت الذين يقتلوننا ويظلموننا مما تعذرون فيه؟».
وخاطب الشعب الأمريكي، متسائلا: «أتظنون أنكم بهذه الاعتداءات ستنجون وتأمنون؟»، مردفاً الإجابة تهديداً ووعيداً: «كلا والله، بل ستأتيكم الدواهي كل يوم ما لم يكن في حسبانكم ولا يستطيع حكامكم ردها عنكم».
واستدرك: «فلا تستنكروا إذا وقع بكم ما يسوؤكم وحل بكم جزء بسيط من الدمار الذي تصيبون به غيركم فلا تلوموا إلا أنفسكم، واصبروا على مر الحرب والقتل والدمار وسلب الأمن أيها الظالمون كما صبر غيركم من المظلومين من البشر».
واعتبر القيادي البارز في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب، إن الحرب منذ عقدين من الزمن لم تضع أوزارها «بل هي على أشدها بيننا وبينكم ولن تنتهي»، مضيفاً «نألم وتألمون، ونُقتل وتُقتلون، ونرجو من الله ما لا ترجون، ونحن في يسر وإلى يسر وسعة، وأنتم إلى عسر وضعة، ونحن إلى نصر لأننا مظلومون وأنتم إلى هزيمة لأنكم معتدون ظالمون».
وفي هذا السياق، أشار إلى بعض ما يحدث في أمريكا من انهيار في الاقتصاد وقلة في العتاد، ولجنودهم من نفاد لصبرهم في الحرب..، حتى قال: «وكلما دعوناكم إلى خطة رشاد أعرض حكامكم وازدادوا في العناد وعاثوا في أرضنا الفساد؛ فسيهلكونكم وتكونون عبرة للعباد».
وعاد الريمي مجدداً إلى توجيه تساؤلاته التعزيزية لمواقف القاعدة أمام الشعب الأمريكي، مع تضمينه بعض الإجابات في سياقها: «هل انتهت الحرب بمقتل الشيخ أسامة بن لادن -رحمه الله- كما كان يكذب عليكم حكامكم؟ وهل انتهت الدعوة إلى قتالكم بمقتل الشيخ أنور العولقي -رحمه الله- كما استغفلكم حكامكم؟ وهل انتهى عدوانكم على أفغانستان وفلسطين وباقي بلدان المسلمين؟ وهل قضيتم على الجماعات الجهادية التي انتشرت بفضل الله -عز وجل- في كل مكان، فبعد أن كانت في أفغانستان فحسب هي اليوم في دياركم أو قريبا منها».
وعقب تلك التساؤلات، دعا الإدارة والشعب الأمريكي إلى ترك المسلمين ودينهم وشعوبهم وأراضيهم، وأن يهتموا بأمورهم ويدركوا اقتصادهم ويقوموا بشؤونهم «فهو أنفع لكم مما أنتم عليه».
أحداث بوسطن الأخيرة
وتطرّق القائد العسكري للقاعدة في الجزيرة العربية إلى أبرز حدث وقع مؤخراً في أمريكا، مستشهداً بأن «ما حدث في بوسطن وحادث الصدام والرسائل المسمومة وغيرها - بغض النظر عن الجهة التي تقف وراءها- يدل على أن زمام أمنكم قد انفلت، وأن العمليات ضدكم قد سارت عجلتها سيراً لا يسيطر عليه أحد، فأدركوا أنفسكم إن كان بأنفسكم حاجة». حسب قوله.
وتأتي هذه الإشارة، فيما يعتقد، كأول ردة فعل معلنة رسمياً من قيادي كبير في تنظيم القاعدة، في سياق تعزيز ضلوع تنظيم القاعدة في تلك الأحداث الأخيرة في أمريكا، التي وقعت في 15 إبريل، ولقي فيها ثلاثة أشخاص مصرعهم، بينهم طفل في الثامنة من العُمر، وأصيب ما لا يقل عن 180 آخرون بجراح، وفق آخر حصيلة للتفجيرين اللذين استهدفا ماراثون بمدينة بوسطن الأمريكية، شارك فيه أكثر من 27 ألف شخص، واحتشد عشرات الآلاف من المتفرجين على جانبي الشارع لمتابعته. ووصفتها الإدارة الأمريكية بأنها «عمل إرهابي»، فيما تمكنت «إف بي آي» لاحقاً من كشف المنفذين، وهما شقيقان شيشانيان، ألقت القبض على أحدهما فيما توفى الآخر في المستشفى متأثراً بجراحه، على إثر تبادل إطلاق نار بالاشتباكات التي دارت مع الشرطة والتي قتل فيها أيضا أحد الجنود.
ومرة أخرى، يضيف الريمي لرسالته تهديداتٍ أخرى موجّهة للأمريكيين، جاءت مباشرة عقب إشارته إلى أحداث بوسطن الأخيرة، محذراً: «فإنه قد أصبح في متناول اليد صنع هذه القنابل فلا يحتاج من يحتج على عدوانكم وظلمكم للبشر إلى عناء، ومع قليل من التفكير في اختيار موقعها الذي ينكي في اقتصادكم ويرعب قلوبكم فتصبحون وتمسون تدعون بالويل والثبور، وتعيد لكم ذكريات الماضي القريب».
وفي السياق، حاول الريمي أن يضفي على رسالته (خطابه للشعب الأمريكي) بعض المعاني الإسلامية، من منطق فهمه هو ومن يقومون بمثل تلك الأعمال، للدين الإسلامي: «نحن أمة العدل نحبه ونؤمن به، وإليه ندعو، والظلم في ديننا محرم وجُرم عظيم، وربنا العظيم جلّ في علاه يقول في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا»، ليخلص من وراء ذلك إلى تعزيز فكرة «القاعدة» في العدل: «فنحن لن نظلمكم بل سنعدل معكم، وإلى العدل ندعوكم، ومن اعتدى علينا فلا يلومنّ إلا نفسه».