على خلاف ما كانت التوقعات تذهب إليه من قدرة التنظيمات الإرهابية على استغلال حالة الفراغ الأمني وتوسيع خارطة انتشارها، ألقت عدوى التشظيات اليمنية بظلالها على تنظيمي القاعدة وداعش اللذين انهمكا في حالة صراعات مزمنة ترافقت مع صراعات إضافية كذلك داخل التنظيمين المتطرفين كما يقول الصحافي الباحث اليمني المتخصص في شؤون الجماعات “الجهادية” مشير المشرعي الذي يؤكد في حديثه لـ”العرب” أن تنظيم القاعدة في اليمن أو ما يعرف بـ”تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة وفقد السيطرة على محافظات عديدة بفعل العمليات العسكرية التي شنها ضده التحالف العربي.
تقلص خارطة الانتشار
يشير الباحث المشرعي إلى الدور الذي لعبته دولة الإمارات التي قامت بتدريب قوات خاصة عرفت باسم قوات النخبة الحضرمية وهي القوة التي استطاعت تحرير مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت من تنظيم القاعدة في عملية عسكرية انطلقت بالعام 2016 بدعم مباشر من التحالف العربي بقيادة السعودية.
ويضيف “تلت عملية تحرير المكلا عمليات أخرى في محافظة شبوة بواسطة قوات النخبة الشبوانية في العام 2017 التي تمكنت بعد معارك عنيفة مع التنظيم من تحرير مديريات شبوة والتي كان أهمها مديرية عزان إحدى أهم وأخطر المناطق التي انتشر فيها تنظيم القاعدة في اليمن، ثم توجهت قوات الحزام الأمني المدربة من قبل قوات إماراتية كذلك لتحرير محافظة أبين آخر المحافظات التي كانت بيد تنظيم القاعدة قبل أن تفر بعض قيادات التنظيم إلى الجبال في منطقة المحفد والبعض الآخر انتقل إلى محافظة مأرب أو مديرية قيفة بمحافظة البيضاء وجميعها مناطق متقاربة حيث تمكن المقاتلون من التنقل بين المحافظات بكل سهولة نظرا لوعورة التضاريس بالإضافة إلى غياب الانتشار الأمني في هذه المحافظات”.
ويلفت المشرعي إلى أن تنظيم القاعدة لم يعد له أي تواجد علني إلا في منطقة قيفة التابعة لمحافظة البيضاء، على حدود مأرب والتي تشهد معارك مستمرة مع تنظيم داعش، إضافة إلى تواجده في بعض الجيوب في جبال أبين وصحراء مأرب والتي تعتبر ملاذا آمنا إلى حد ما لمسلحي التنظيم.
جيل جديد من القادة
يلفت المشرعي إلى نشوء جيل جديد من القيادات في تنظيم القاعدة على وجه الخصوص نتيجة لتعرض أبرز قيادات هذا التنظيم للقتل جراء العمليات الأميركية بطائرات من دون طيار، ويرى أن هذا الأمر انعكس بشكل كبير على قدرة القاعدة على إدارة عملياتها أو توجيه عناصرها، نظرا لكون القيادات الجديدة ليست بحجم خطورة القيادات السابقة.
وعن أبرز القيادات الحالية للقاعدة في اليمن يقول”أشهر القيادات في الوقت الحالي هو خالد باطرفي الملقب بأبي المقداد الكندي وهو أمير تنظيم القاعدة في اليمن حاليا وتم تعيينه بعد مقتل قاسم الريمي وشاب تعيينه الكثير من اللغط بين أفراد التنظيم نفسه.
أما الرجل الثاني في التنظيم فهو سعد العولقي وهو القائد الفعلي وأحد المقربين من أنور العولقي اليمني الأميركي الذي قتل بغارة لطائرة دون طيار أميركية في العام 2011 في منزل سعد العولقي بمحافظة شبوة، ويعتبر من أخطر قيادات تنظيم القاعدة في اليمن نظرا لعلاقته القبلية الكبيرة والمتشعبة والتي تمنح له حماية قبلية بالتنقل في مناطق سيطرة القبائل في مأرب والجوف والبيضاء وشبوة وأيضا لتاريخه العسكري والجهادي في صفوف تنظيم القاعدة في اليمن حيث التحق في التنظيم بعمر مبكر وتدرج فيه حتى أصبح أميرا لولاية شبوة كما أعلن في أحد إصدارات التنظيم”.
ووفقا للمشرعي، فإن الرجل الثالث في قمة قيادة القاعدة باليمن هو عمار الصنعاني والذي تم الإعلان عن مقتله أكثر من مرة، لكن تم تفنيد تلك الأخبار خصوصا بعد ظهوره كوسيط للصلح بين خالد باطرفي وأبوعمار النهدي أمير المكلا سابقا.
وعن القيادات العربية في التنظيم يضيف “هناك قيادات عربية أمثال عبدالله المالكي والذي يوصف بأنه نقطة الوصل بين القاعدة في اليمن وبين منفذ عملية إطلاق النار في قاعدة فلوريدا الأميركية في ديسمبر 2019 وتم إعلان مقتله في منتصف رمضان بغارة أميركية في محافظة مأرب وبمقتله ترك فراغا كبيرا في تنظيم القاعدة في اليمن حتى أن خالد باطرفي كان يسجل محاضرات بشكل يومي ويبثها التنظيم خلال شهر رمضان حتى قتل المالكي وتوقف التنظيم عن نشر أي مقاطع أو تبني عمليات تم تنفيذها حتى أيام خلت عندما أصدرت القاعدة بيانا تتبنى فيه تنفيذ عملية ضد تنظيم داعش في قيفة وهو ما يكشف الدور الكبير للمالكي قبل مقتله. وهناك قيادات عسكرية للتنظيم أمثال أبوعمار النهدي أمير ولاية المكلا سابقا وإبراهيم أبوصالح وهو مصري الجنسية والذي يشغل منصب مسؤول التحقيقات في تنظيم القاعدة للكشف عن ‘الجواسيس’ وداود الصيعري وهو مقرب من النهدي أمير ولاية المكلا، كما أن هناك قيادات دينية مهمتها إصدار الفتاوى والتحشيد الديني للمقاتلين أمثال السوداني إبراهيم القوصي الملقب بخبيب السوداني المعتقل سابقا في غوانتنامو وأحد القيادات المقربة من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، والقاضي أبوالبراء الأبي الذي قتل برفقة قاسم الريمي بغارة جوية لطائرة دون طيار بالإضافة إلى حمد التميمي وهو من القيادات العقائدية للتنظيم ولم يتم الكشف عن وجهته مطلقا”.
عن طبيعة علاقة القاعدة قاعدة اليمن والتنظيم الأم الذي يقوده أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن، وارتباطات تنظيم داعش بالفرع الرئيسي في العراق والشام، يؤكد الباحث اليمني وجود ارتباط وثيق بين فروع القاعدة وداعش في اليمن والتنظيمات الأم من عدة وجوه أهمها أن قيادات التنظيمات سواء في أفغانستان أو العراق وسوريا هي التي تحسم الخلاف عادة حول الإعلان عن أمير جديد للتنظيم في حال مقتل الأمير السابق، كما حصل عندما أعلن عن مبايعة أمير القاعدة في اليمن خالد باطرفي ومباركة أيمن الظواهري لذلك، كما تتدخل التنظيمات الرئيسية في حالة الخلافات الداخلية التي ترفع إلى قيادة التنظيم كما هو الحاصل في الخلاف بين أبوعمار النهدي وخالد باطرفي بعد إعدام أحد المقربين من النهدي بتهمة “الجاسوسية” دون الرجوع إليه وهو ما أثار غضبه ورفع الأمر إلى أيمن الظواهري للحكم بين باطرفي والنهدي.
ويشير المشرعي إلى اعتماد تنظيم داعش في اليمن بشكل أكبر على قياداته في العراق وسوريا، باعتباره تنظيما ناشئا في اليمن ولا يمتلك الدعم المالي الذي تحصل عليه القاعدة لذلك يعتمد بشكل كلي على التنظيم الأم في العراق وسوريا سواء من ناحية التسليح أو تعيين القيادات وحتى الاتفاقات المبرمة بين القبائل والتنظيم وغير ذلك.
صراع الأجنحة في القاعدة
بقدر حالة الانقسام بين التنظيمات المسلحة في اليمن، تبرز أيضا انقسامات داخل هذه الجماعات ذاتها كما يكشف الباحث المشرعي الذي يقول إن الصراع بين قيادات تنظيم القاعدة الذي خرج للعلن بات يمثل صراع أجنحة بين القيادات العسكرية والأيديولوجية وهو الأمر الذي تسبب في فرز معسكرين داخل التنظيم؛ الأول بقيادة خالد باطرفي وأبرز الداعمين له هم سعد العولقي والقاضي حمد التميمي وعمار الصنعاني وكلهم قيادات كبيرة من الصف الأول، بينما المعسكر الثاني يضم أبوعمر النهدي وداود الصيعري.
ووفقا للمشرعي، تعود جذور الخلاف إلى اعتقال وإعدام ثلاثة أشخاص مقربين من أبوعمر النهدي وهم فياض الحضرمي وسعيد شقرة وأبي مريم الأزدي بتهمة أنهم من “الجواسيس” وعند التحقيق اعترفوا بذلك وتم تأجيل تنفيذ الحكم حتي يحضر أبوعمر النهدي لأنهم مقربون منه وبسبب عدم تمكنه من الحضور تم إعدامهم وهو ما أثار غضبه واعتبر أن إعدامهم تم عن طريق تلفيق تلك الاتهامات لهم وتمت محاولة الصلح بين النهدي وقاسم الريمي قبل مقتله ولكن لم يتم الوصول إلى حل، ما دفع النهدي إلى نشر وثائق تكشف عن حجم الخلاف بين قيادات التنظيم، كما تم نشر البيانات والرسائل المتبادلة بين الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي ما أثار زوبعة لدى مؤدي التنظيم بعد الكشف عن هذا التصدع الكبير الذي ظهر للمرة الأولى.
صراع القاعدة وداعش
يعتبر الباحث المشرعي أن تصاعد الخلاف في اليمن بين تنظيمي القاعدة وداعش يعود إلى بداية ظهور داعش في اليمن وبروز الخلافات الفقهية التي عمقت حالة الانقسام وأظهرت التباينات التي أشعلت جذوتها الفتاوى التي بينت تنظيم داعش بشكل أكثر تطرفا وغلوا، إضافة إلى بث التنظيم لمقاطع مسجلة على الإنترنت أظهرت القيام بعمليات وحشية من بينها ذبح جنود تابعين للجيش وإعدام مقاتلين حوثيين بعد أسرهم في عدن باستخدام قذائف الآر بي جي والألغام الأرضية.
ويقول المشرعي لـ”العرب” “هذه الأمور كانت نقطة خلاف كبيرة بين التنظيمين في اليمن حيث أن تنظيم القاعدة يرفض أغلب فتاوى داعش وعلى سبيل المثال أعلن في أحد إصداراته عن رفضه الهجوم على قوات الجيش التابع للشرعية وقال فيه إن علينا أن نوحد الصف لقتال عملاء الأميركان، يقصد ‘الجواسيس’، بالإضافة إلى قتال الحوثيين، بينما تنظيم داعش يرفض تلك الفتاوى ويؤكد على أنه سوف يقاتل الجميع: القاعدة والجيش والحوثي، لأنهم بنظره جميعا مشركون ومرتدون وخوارج”.
وحول طبيعة وشكل الصراع بين القاعدة وداعش ونتائجه، يوضح المشرعي أن الاشتباكات والعمليات الانتحارية المتبادلة بين التنظيمين كان أغلب ضحاياها مدنيين خصوصا في منطقة قيفة ويكلا في رداع التي تعتبر المركز الرئيسي لتنظيم داعش في اليمن، حيث سقط العشرات من القتلى والجرحى من المدنيين بينهم نساء وأطفال بألغام تمت زراعتها من قبل تنظيم داعش في الشوارع العامة من أجل استهداف مسلحي تنظيم القاعدة لكنها استهدفت مدنيين، بالإضافة إلى قذائف الهاون والقصف المدفعي الذي يتبادله الطرفان غالبا ما يؤدي إلى مقتل المدنيين.
علاقات مشبوهة أم تنسيق خفي؟
يعتبر العديد من الباحثين اليمنيين المهتمين بشؤون التنظيمات الإرهابية المسلحة أن مقتل الكثير من قيادات القاعدة يعزز من نفوذ داعش التنظيم الأكثر تطرفا ووحشية، والذي لم يعلن حتى الآن عن مقتل أي من قياداته، عوضا عن عدم تعرض معسكراته المعلومة لأي عمليات عسكرية من قبل الطائرات الأميركية دون طيار التي لعبت دورا مهمّا في تفكيك تنظيم القاعدة.
وحول هذه الجزئية يقول الباحث المشرعي إنه لا يوجد لديه أي تفسير لسبب التغاضي الأميركي عن استهداف قيادات أو معسكرات تنظيم داعش بالرغم من أن عناصر التنظيم تتحرك بشكل علني في مناطق انتشارها حتى أن معسكراتها معروفة للجميع في قيفة رداع بالإضافة إلى ظهورها المتكرر في التجمعات والأعراس والاحتفالات الدينية وحتى بالقرب من مناطق الحوثيين دون أن يلتفت لها أحد.
ويضيف “في ذروة الاشتباكات الحاصلة بين القاعدة وداعش استهدفت غارة أميركية دون طيار تجمعا لمسلحي تنظيم القاعدة في منطقة قيفة وسمحت لتنظيم داعش بالتقدم والسيطرة على أحد المواقع التي كانت بيد القاعدة، وهو ما اعتبره تنظيم القاعدة وأهالي قيفة تنسيقا أمنيا بين داعش والأميركان للسماح لهم بالسيطرة على المنطقة التي تعتبر من أحد أهم المواقع التي تمثل قاعدة جماهيرية وقبليه لتنظيم القاعدة”.
وفي ذات السياق لا يعتبر المشرعي أن الحديث المتداول عن وجود علاقة مشبوهة بين الحوثيين وداعش أمرا قابلا للتشكيك، حيث يؤكد وجود علاقة تنسيق كاملة يقول إنه تم الكشف عن تفاصيلها من قبل أهالي منطقة قيفة ومصادر إعلامية أكدت أن “مناطق الحوثيين تعتبر إحدى أهم المناطق الآمنة لتنظيم داعش حيث توجد معسكراته بالقرب من نقاط الحوثيين المنتشرة في بعض جبال قيفة وتحديدا في منطقة ولد ربيع، حتى أن مسلحي داعش ينسحبون في حالة شن مسلحي القاعدة هجوما مباغتا عليهم إلى مناطق سيطرة الحوثيين”.
وعن الهدف من هذا التنسيق، يقول المشرعي “الحوثي يسعى إلى تضخيم تواجد داعش في اليمن وخصوصا في البيضاء من أجل إيصال رسالة للعالم أنه يقاتل تنظيم داعش والجماعات الإرهابية وأن حربه ليست حربا على اليمنيين وأنها حرب على الجماعات الإرهابية، ويعتمد في ذلك على شبكة إعلامية ترويجية في الغرب تسعى إلى إيصال تلك الفكرة والاستعانة ببعض البيانات التي يصدرها تنظيم داعش عن تبينه عمليات استهداف مقاتلين حوثيين”.
تقارب فكري مع الإخوان
في مقابل الاتهامات التي توجه للحوثيين بالتنسيق مع داعش بهدف استغلال تواجده في بعض مناطق اليمن، يعلق المشرعي على الأنباء المتداولة حول مقتل بعض قيادات القاعدة في مأرب بالقول “للأسف أصبحت مأرب مركزا آمنا لتنظيم القاعدة في اليمن وهذا بفعل العلاقات القبلية التي تربط بعض قيادات التنظيم مع بعض الشخصيات القبلية، بالإضافة إلى تقارب الفكر الإخواني مع فكر القاعدة، وقد تحول هذا التقارب أحيانا إلى اتفاقات حماية بين القاعدة والإخوان، حيث يقوم قيادات الإخوان بتوفير مأوى آمن لقيادات التنظيم مقابل دعم القاعدة للقيادات الإخوانية في حربها بالمال والسلاح، وخير دليل على ذلك التوافق في مقتل قيادات كبيرة في تنظيم القاعدة في مأرب أمثال خميس صالح عرفج وعبدالله المالكي (سعودي الجنسية) وقاسم الريمي الذي تشير التقارير إلى أنه قتل في أحد المنازل الآمنة في وادي عبيدة وليس في قيفة رداع كما تقول بعض وسائل الإعلام، بالإضافة إلى مئات القتلى من مسلحي القاعدة الذين تم استهدافهم بغارات للتحالف أو بغارات لطائرات دون طيار في محافظة مأرب وتتم تلك الغارات دون أي تواصل مع القيادات سواء العسكرية أو المدنية في مأرب خوفا من تحذير قيادات القاعدة من قبل بعض المتعاطفين معهم”.