اليمن يتعرض لآكبر مؤامرة تستهدف الهوية والنضال الوطني على يد الحوثيين(صورة)
الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 الساعة 17:57
الشارع

يملؤون رؤوس التلاميذ بأساطيرهم المذهبية، ويقدمون قراءتهم الطائفية باعتبارها القراءة الوحيدة والصحيحة للدين، وباعتبارهم “سلالة مقدسة”، وحلقة الوصل الوحيدة بين النبي وبين اليمنيين. وما على هؤلاء الأخيرين إلا الإذعان لهم في شؤون الدنيا والدين.
 فجماعة الحوثيين، منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، عمدت على تضمين مناهج التعليم الأساسي تعديلات جوهرية تتطابق مع توجهها الفكري والديني والطائفي، وأسندت حقيبة التربية والتعليم إلى يحيى بدرالدين الحوثي، الأخ الشقيق لزعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، الذي لا يزال يشغلها حتى اليوم.
وحسب ما أفاد مراقبون، كان تسليم مقاليد الوزارة للشقيق الأكبر لزعيم الجماعة، المعروف بتزمته وضيق أفقه، يحمل مؤشراً على الأهمية البالغة التي تعنيها لهم، فقد كان أول قرار قام بإصداره؛ تشكيل لجنة لإعادة النظر في المناهج الدراسية، ما سيتيح لهم السيطرة على عقول ملايين الطلاب في المرحلتين الأساسية والثانوية فقط، وتحويلهم إلى قنابل موقوتة.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لكتب دراسية معدلة، طبعتها وزارة التعليم الحوثية، مؤخراً، تضمنت دروساً تعمل على تقديم الرموز الطائفية للجماعة باعتبارهم رموزاً للنضال الوطني، رغم أن الهويات الطائفية تقوم على ركيزة أولية هامة، وهي تعيين الهوية المذهبية (في بلد فيه أكثر من مذهب كاليمن) على أساس الجماعة أو الطائفة، وليس على أساس الهوية الوطنية الجامعة لكل فئات وشرائح المجتمع تحت سقف المواطنة المتساوية التي تقوم عليها الدولة الوطنية.
إحدى هذه الصور للكتب الدراسية المعدلة مؤخراً، يقدم يحيى بن الحسين الرسي (مؤسس الدولة الزيدية في اليمن) باعتباره رمزاً وطنياً، قدم إلى اليمن، بدعوة من مشايخ القبائل، ليحل المشاكل بين اليمنيين، فعمل على إنهاء هذه المشاكل، ووحّد كلمة القبائل بعد أن عقد بينهم صلحاً، “فتمت له البيعة على السمع والطاعة والجهاد تحت رايته”.
عندما تقدم هذه الشخصية في كتاب مدرسي للتربية الوطنية، وليس للتاريخ اليمني، وبهذا الشكل، لا يمكن فهمه إلا بسعي الجماعة الحوثية لإحياء دولة الأئمة السلالية، وترسيخها في وعي الطلاب، باعتبارها دولة وطنية عملت على حل مشاكل اليمنين. وبالتالي، لا حل للمشاكل القائمة، حالياً، في البلد إلا بالولاء لزعيم الانقلابيين عبد الملك الحوثي، باعتباره من نسل “السلالة المقدسة” للأئمة.
يتعزز هذا الأمر عند الانتقال إلى الدرس الرابع في الكتاب المدرسي ذاته. هذا الدرس الذي جاء تحت عنوان: “الشاعر الحسن بن علي بن جابر الهبل”، من أهدافه “تبيين الدورالجهادي للشاعر الهبل”. بعد أسطر قليلة يذكر فيها تاريخ وفاة الهبل، نجد في الدرس أن الشاعر نشأ “على العبادة والزهد، وعلى موالاة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم”. الهبل مات قبل، قرابة، 400 سنة، أي قبل فكرة الدولة الوطنية، فما الذي يحشره في دروس التربية الوطنية، سوى موالاته للآل، التي على الطالب أن يتبنيها ويتمثلها بإبداء ولائه للسلالة ورثة الآل.
في زمن الحوثة فقط، يتم تلميع الأئمة الذين سفكوا دماء اليمنيين طيلة أحد عشر قرناً، ونشروا الجهل والمرض والتخلف وتقديمهم للطلاب على أنهم من رموز النضال الوطني اليمني، بالإضافة إلى تلميع قياداتها التي عملت على تسييس الهوية الطائفية وعسكرتها، وشاركت في قتل اليمنيين وتدمير دولتهم منذ 21 سبتمبر 2014.
ففي الدرس الثاني من دروس “التربية الوطنية” الحوثية، على الطالب أن يفهم جهود علي صالح الصماد، في بناء الدولة اليمنية، فيما يعرف كل اليمنيين أن جهود الصماد، وغيره من قادة الانقلاب، تجلت في تدمير الدولة اليمنية.
أثارت هذه التعديلات على المناهج التعليمية للمراحل المدرسية الأساسية والثانوية، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثة، موجة من الاستياء والرفض بين اليمنيين، الذين وصفوها بالطائفية.
ووفقاً لإفادة معلمين يمنيين، لم تكتف الجماعة بالتعديلات على المناهج التعليمية فقط، بل قامت بتعيين مشرف اجتماعي لكل مدرسة واقعة في نطاق سيطرتهم، إضافة إلى إصدار قرار يقضي بتنفيذ دروس وحصص أسبوعية للطلاب لتلقينهم المحاضرات التي كان يلقيها مؤسس الجماعة، حسين بدر الدين الحوثي، وأفكاراً طائفية، تركّز على حق الولاية للإمام علي بن أبي طالب وأبنائه من بعده. كما تحث على نصرة الجماعة بالمال والرجال، وحشد الشباب للالتحاق بالقتال، تحت مبرر ما أطلقوا عليه “مواجهة الغزو الفكري والثقافي”.
هذه المحاضرات والحصص التي يلقيها الحوثيون على الطلاب، تأتي استكمالاً لتحريفهم المناهج التعليمية، ومساعيهم لاستقطاب الآلاف منهم إلى معسكرات التدريب، تمهيداً للزج بهم في جبهات القتال.
كما تأمر وزارة التربية التابعة للحوثيين جميع المدارس الخاصة والحكومية، بإقامة فعاليات فنية وثقافية وخطابية ورياضية في مناسباتها الطائفية، كأسبوع الشهيد، وأسبوع الصمود، والمولد النبوي، وميلاد فاطمة الزهراء، ويوم عاشوراء، ويوم الغدير، وذكرى مقتل مؤسس الجماعة، وتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلى الحرب التي تخوضها الجماعة.
وكانت جمعية “قطر الخيرية” أعلنت مناقصة لمشروع طباعة الكتاب المدرسي لطلاب اليمن في المحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وذلك بعد أن قامت الجماعة بتحريف المنهج وإضافة مقررات طائفية دخيلة على التعليم باليمن.
يذكر أن نقابة المعلمين اليمنيين كانت قد حذرت، العام الماضي، في بيان، من مواصلة الحوثيين تجريف القطاع التعليمي بشكل يعمل على “تحويل المدارس إلى محاضن وحسينيات إيرانية تعلم الطائفية، وتعبئ الصغار لتحشدهم لجبهات القتال”.
وذكرت النقابة، حينها، أن الحوثيين أجروا 234 تعديلاً على المناهج الدراسية للمرحلتين الأساسية والثانوية، دون الرجوع للجنة المناهج خلال الفترة 2016 و 2019.
وعبّر مراقبون عن قلقهم من انهيار العملية التعليمية في البلاد، مقابل تنامي النزوع الطائفي الذي بدأ تطبيقه في المناهج التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لافتين إلى الواقع الذي يمر به اليوم قطاع التعليم، وما خلّفه الانقلاب من أوضاع كارثية لحقت بالعملية التعليمية، وتحدثوا عن سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي طالت العملية التعليمية في مناطق سيطرتها، بدءاً من الأوضاع البائسة التي خلفتها الميليشيات في صفوف المعلمين نتيجة نهبها لرواتبهم للعام السادس، مروراً بزجها بآلاف من طلبة المدارس في جبهاتها القتالية، وصولاً إلى اقتحامها للمدارس، وتحويل بعضها لثكنات عسكرية.
وأوضحوا أن هذا التعديل الطائفي في المناهج الدراسية، ليس إلا محاولة أولية لقياس ردة الفعل وتهيئة لتعديلات جديدة تعتزم الجماعة إجراءها في المستقبل القريب.
إن الأوهام التي يحشونها في المناهج الدراسية نتائجها كارثية وأبعد من أن تكون أوهام، لأنها تظهر في الواقع على شكل حروب وفتن طائفية، وعلى شكل جثث ودماء في الحسد اليمني. فمثلما تعمل هذه الدروس الطائفية على تكريس الهيمنية الحوثية فإنها تعما أيضا على إعادة انتاج الماضي السلالي.

متعلقات