تفاعل عدد كبير من اللبنانيين مع قضية احتراق خيم اللاجئين السوريين شمالي لبنان، مساء أمس، ولاقت الحادثة ردود فعل مستنكرة ورافضة.
وتكفّل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الخيرية بتغطية كل متطلبات العائلات التي شرّدت، وأعلن الجيش اللبناني توقيف الفاعلين.
وكان عدد من اللبنانيين أضرموا النيران في مخيّم للاجئين السوريين في شمالي لبنان، مساء أمس، بعد شجار اندلع بين أحد أفراد عائلتهم و"عمّال سوريين".
وأكّدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتّحدة، أنّ حريقاً كبيراً اندلع في مخيّم للاجئين بمنطقة المنية، وأنّ عدداً من الجرحى نقلوا إلى مستشفى قريب، دون تحديد عددهم، فيما ذكرت "الوكالة الوطنية" وقوع 3 جرحى لتعود المعلومات وتشير إلى وقوع عدد أكبر من المصابين.
وقضت النار على حوالي 100 خيمة في المخيم تقطن فيها عائلات سورية لاجئة، وأظهرت الصور التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أن المخيم بأكمله بات رمادا، فيما كان قد سمع بعض الأصوات التي تشبه الانفجارات ناتجة عن اشتعال قوارير الغاز.
ووفقاً "للوكالة الوطنية للأنباء" الرسمية فإنّ "إشكالاً حصل بين شخص من آل المير وبعض العمّال السوريين العاملين في المنية، أدّى إلى شجار بالأيدي وسقوط ثلاثة جرحى".
وأوضحت الوكالة أنّه إثر الإشكال "تدخّل عدد من الشبّان من آل المير وعمدوا إلى إحراق بعض خيم النازحين السوريين في المنية" قبل أن "تتدخّل سيارات الدفاع المدني وتعمل على إخماد الحريق، فيما تدخلت قوة من الجيش وقوى الأمن لضبط الوضع".
واليوم، أعلنت قيادة الجيش، أنها أوقفت في بلدة بحنين- المنية، مواطنين لبنانيين و6 سوريين على خلفية إشكال فردي وقع مساء أمس، في البلدة بين مجموعة شبان لبنانيين وعدد من العمال السوريين، ما لبث أن تطور إلى إطلاق نار في الهواء من قبل الشبان اللبنانيين، الذين عمدوا أيضاً إلى إحراق خيم النازحين السوريين".
ولفتت إلى أنه "على إثر ذلك تدخلت وحدات الجيش وسيّرت دوريات في المنطقة كما نفذت مداهمات بحثاً عن المتورطين في إطلاق النار وإحراق الخيم وضُبط في منازل تمت مداهمتها أسلحة حربية وذخائر وعتاد عسكري، وسلّم الموقوفون والمضبوطات وبدأ التحقيق بإشراف القضاء المختص، فيما تستمر ملاحقة باقي المتورطين لتوقيفهم".
واليوم، أعلن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الخيرية تكفله بتغطية كافة متطلبات اللاجئين سكان المخيم الذي احترق في شمالي لبنان في المنية في عكار.
وأوعز المركز إلى فرقه الخاصة والجمعيات التي يتعامل معها بالبدء بأعمال الإغاثة والتعويض على اللاجئين وإعادة المخيم كما كان وتأمين سكن لائق لكل المتضررين بكل المستلزمات.
في موازاة ذلك، ومنذ اللحظة الأولى لاحتراق المخيم، برزت مبادرات عدة وفتحت منازل وفندق في الشمال لاستقبال العائلات المشردة، كما ارتفعت الأصوات والمواقف الرافضة من المجتمع اللبناني على اختلاف فئاته الشعبية والسياسية، ومن أبناء منطقة المنية بشكل خاص والشمال بشكل عام.
وأدان مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، إحراق المخيم، واصفا ما جرى بـ"الجريمة النكراء التي تستحق العقاب الشديد من الذين قاموا بهذا العمل المشين بحق الإنسانية".
وأكد أن "النازحين السوريين في لبنان هم ضيوف كرام وعلينا مساعدتهم ودعمهم لحين عودتهم إلى بلدهم"، آملا من القوى الأمنية "المسارعة لكشف الفاعلين لإطفاء نار الفتنة في المنطقة بين الإخوة".
وكتب وزير الشؤون الإجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال، رمزي المشرفية، عبر حسابه على "تويتر": "إقدام بعض الشبان في منطقة بحنين - المنية على حرق خيم النازحين السوريين نتيجة خلاف شخصي، عمل إجرامي مستنكر بكل المقاييس. نطالب القضاء المختص بإنزال أشد العقوبات بكل من خطط ونفذ وشارك في هذه الجريمة. وسنتعاون مع المنظمات الدولية لمساعدة المتضررين".
كما اعتبر مفتي بعلبك الهرمل الشيخ خالد الصلح في بيان، أن "إحراق مخيم الإخوة النازحين السوريين في بحنين المنية جريمة بحق مفتعلها مهما كانت الدوافع".
وقال: "هذا التصرف لا يمت إلى أي دين ولا ينتسب إلى قيم وأخلاق أهل المنطقة وإلى اللبنانيين، بل إننا رأينا الأخلاق الحميدة والمروءة بالموقف العفوي والفوري لأهالينا في المنية وعموم الوطن في المسارعة إلى فتح البيوت والمدارس لسكان المخيم المحروق ومواساتهم، لا سيما مناشدات وتوجيهات مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان وقائم مقام مفتي الشمال لفتح المساجد وتهيئتها للمساهمة في التخفيف من وطأة هذا الحدث المؤلم ومساعدتهم".
بدورها أدانت منسقية المنية في "تيار المستقبل" إحراق مخيم النازحين السوريين في المنية، وقالت في بيان: "لم تتعود المنية ولا أهلها إلا أن يكونوا السند الدائم للمظلومين أينما كانوا".
وأضافت: "إن ما حصل من اعتداء على الآمنين - وإن شذ بعضهم- لهو أمر مستنكر ولا يمكن أن يقبله عاقل أو مؤمن. وبالتالي فإننا كتيار يؤمن بالعدل والمحبة ويدعو إلى التآلف والتكاتف ونبذ الحقد والكراهية، ندعو القوى الأمنية إلى كشف ملابسات الحادث ومحاسبة الفاعلين، فهكذا أعمال فردية لا تمثل المنية ولا أهلها، ونحن منها براء".
واستنكر "الحزب التقدمي الاشتراكي" في بيان، "الإشكال الذي وقع في مخيم النازحين السوريين في الشمال، وما تلاه من اعتداء على النازحين وخيمهم، هم الذين يعيشون في العراء وتحت نير الفقر والتشرد".
وأكد "ضرورة التعامل بأعلى درجات المسؤولية مع الحادث المرفوض"، مطالبا المؤسسات الدولية بـ"الاستجابة السريعة لتأمين المسكن للنازحين المتضررين حتى إعادة بناء المخيم".
وشدد الحزب على "ملاحقة المعتدين ومنع أي تداعيات اجتماعية لما حصل، والعمل على تحصين الواقع المحلي بوجه هكذا حوادث يجب ضبطها ومحاصرة نتائجها فورا، لكي لا تغذي موجات العنصرية التي تطل بين الفينة والأخرى وتعمل بعض الجهات على إذكائها لأسباب وأسباب، وقد كان احتضان العائلات اللبنانية لمن تشردوا من المخيم أبلغ رسالة تضامن إنسانية أخوية ورفض للتحريض".
ويقدّر لبنان عدد اللاجئين السوريين في لبنان بحوالى 1,5 مليون لاجئ، حوالي مليون منهم مسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين.
ويعيش هؤلاء في ظروف إنسانية صعبة، فاقمتها الأزمة الاقتصادية التي عمقها تفشّي فيروس كورونا المستجدّ ثم الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس/آب الماضي.
وشهد لبنان خلال السنوات الماضية بين الفترة والأخرى حملات عنصرية وخطاب كراهية ضدّ اللاجئين ودعوات إلى ترحيلهم، في عدد من المناطق، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي بات يعيشون فيها اللبنانيون معتبرين أنّ وجود اللاجئين يحمّل الاقتصاد عبئاً إضافياً.
وكان قد سجّل حادث مماثل في في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني في منطقة بشري، في الشمال أيضا، حيث غادرت نحو 270 عائلة سورية البلدة خوفا من أعمال انتقامية إثر اتهام شاب سوري بقتل أحد أبناء البلدة.