نحن نعيش في عالم من كلمات المرور التي تشبه جوازات السفر فبدونها لا نستطيع الدخول إلى دولنا ومدننا وحاراتنا وأسواقنا وتطبيقاتنا الرقمية، من “فيسبوك” (Facebook) إلى “جي ميل” (gmail) ومن “إنستغرام” (Instagram) و”تويتر” (twitter) و”واتساب” (WhatsApp) وصولا إلى “يوتيوب” (Youtube) و”تيك توك” (Tiktok) و”أمازون” (Amazon) و”علي بابا” (Alibaba) وغيرها الكثير من المواقع والتطبيقات، فكلمات السر موجودة في كل مكان، وجزء أساسي من حياة البشر بهذا الزمن الرقمي بامتياز.
وفي واقع الحال، فإن الشخص العادي في عالمنا اليوم يسجل في نحو 90 حسابا عبر الإنترنت مما يتطلب كلمات سر للدخول إليها، والعدد في ازدياد مستمر، وقلة قليلة هم الذين يكونون قادرين على تذكر الكثير من هذه الكلمات. وأكدت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد البريطانية بالتعاون مع شركة “ماستر كارد” (Master card) أنه يتم التخلي عن حوالي ثلث عمليات الشراء عبر الإنترنت لأن المستهلكين لا يمكنهم تذكر كلمات المرور الخاصة بهم”.
ووجدت الدراسة أن “21% من المستخدمين ينسون كلمات المرور بعد أسبوعين، و25% ينسون كلمة مرور واحدة على الأقل يوميا” كما ذكرت منصة “فيز. أورغ” (phys.org) التي نشرت أهم ما ورد في الدراسة.
خسارات كثيرة بسبب كلمات المرور
ويقول خبراء في التجارة الإلكترونية إن كبار البائعين عبر الإنترنت يخسرون الكثير من المتسوقين والأموال بسبب هذه المشكلة. وفي الحقيقة فإن كلمات المرور ليست سوى جزء من المشكلة، لكنها مشكلة رئيسية فلا يستطيع المستهلكون تذكرها جميعا، ويطلبها معظم البائعين والبنوك وشركات الطيران وغيرها عبر الإنترنت.
وقد وجدت الدراسة أن 51% من الأشخاص يستخدمون كلمات مرور متشابهة مرارا وتكرارا كي يسهل عليهم تذكرها، وهو ما قد يسهل اختراقها مما يعني مزيدا من الخسائر للمستخدمين.
وفي كثير من الأحيان، يجب أن تحتوي هذه الكلمات على عدد معين من الحروف، وأرقام ورموز خاصة، ومن الأفضل ألا تتطابق مع كلمات المرور الخاصة بالمواقع الأخرى. وإذا اتبعت جميع قواعد الأمن السيبراني الصحيحة، فيجب أن تقوم بتغيير كلمات مرورك في مختلف المواقع كل بضعة أشهر.
وليس هذا فحسب، فهناك أيضا ما يسمى “المصادقة متعددة العوامل” (multi-factor authentication) حيث ترسل تلك التطبيقات والمواقع إليك تنبيها أو رسالة نصية بعد تسجيل الدخول إلى الحساب للتأكد من هويتك الحقيقية.
وحتى إذا اتبعت كل هذه الخطوات للبقاء آمنا على الإنترنت، فلا يزال من الممكن اختراق كلمة مرورك في النهاية، مما يعرض حساباتك الشخصية للمتسللين والقراصنة ومجرمي الإنترنت، وكم فقد الناس من تاريخ رقمي لهم بعد فقدهم كلمات السر والمرور الضرورية للدخول إلى صفحاتهم ومواقعهم وتطبيقاتهم.
هل يمكن الاستغناء عن كلمات السر؟
لكن ماذا لو تم الاستغناء عن كل هذا؟ ماذا لو صار بإمكانك الدخول إلى تطبيقاتك ومواقعك بدون كلمات سر ومرور؟ نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح، وستكون قادرا على التخلص من جزء كبير من كلمات سرك ومرورك للأبد.
كالعادة، التكنولوجيا قادرة على حل المشاكل التي تختلقها، وربما كان الحل لجميع مشاكل التكنولوجيا هو المزيد منها، وحل معضلة مشاكل كلمات المرور التي أرقت البشر كثيرا جاء عن طريق “تحالف فيدو” (FIDO (fast identity online) Alliance) (الهوية السريعة عبر الإنترنت) والذي يسمح لك باستخدام هاتفك بدلا من كلمات المرور لمصادقة هويتك.
وكانت شركات آبل (Apple) وغوغل (Google) ومايكروسوفت (Microsoft) قد أعلنت في مايو/أيار أنها بصدد إطلاق تكنولوجيا جديدة لتمكين المستخدمين من العمل عبر مواقع الويب والتطبيقات عن طريق تسجيل الدخول إلى موقع ويب واحد في متصفح كروم من جهاز حاسوب يعمل بنظام ويندوز باستخدام جهاز آيفون الخاص بك، وذلك كما ذكر الكاتب “دان هاولي” في تقرير له نشرته منصة “ياهو فاينانس” (finance.yahoo) مؤخرا.
وسيستعمل المستخدمون تقنية التعرف على الوجه أو بصمة الإصبع لتسجيل هويتهم من خلال هواتفهم الذكية، وبمجرد أن يؤكدوا هويتهم على هواتفهم التي تستخدم “معيار فيدو” فإنها ستبقى موجودة إلى الأبد ولن يحتاج أي منهم لإدخال أي كلمات سر للدخول إلى مواقعهم وتطبيقاتهم المختلفة عبر الشبكة، واستخدامها بحرية دون الخوف من رعب فقدان هذه الكلمات أو نسيانها، كما ذكر التقرير.
قد يبدو الأمر برمته غريبا قليلا، لكن بعض الشركات تقدم بالفعل خيارات تسجيل الدخول بدون كلمة مرور، مثلا تقدم مايكروسوفت ميزة شبيهة حيث تطلب من عملائها إدخال اسم المستخدم ثم المصادقة على الهوية عبر تطبيق “أوثنتيكيتر” (Authenticator) الخاص بالشركة.
ويؤكد الكاتب أن الهدف من تقنية “تحالف فيدو” هو التخلص من الحاجة إلى تطبيقات المصادقة المختلفة هذه، وبدلا من ذلك السماح لك بتسجيل الدخول إلى التطبيقات والمواقع المختلفة باستخدام القفل الآمن لهاتفك الجوال فقط.
ولم تقدم مايكروسوفت وآبل وغوغل أي تفاصيل حول موعد بدء تقديم وتطبيق هذه التقنية، ولكن نأمل ألا نضطر إلى الانتظار طويلا. فهل سنتمكن قريبا من قول وداعا لكلمات السر والمرور للأبد؟”الجزيرة”