عندما نتتبع الظروف التي نشاء فيا المؤتمر الشعبي العام قبل 40 عاما وقراءة ذلك بموضوعية، فإننا لابد من تتبع المحددات السياسية لتلك الفترة التي اعتلى فيها الزعيم علي عبد الله صالح سدة الحكم لبلد لايزال يعيش تحت وطأة التشطير، الامر الذي جعله يتصرف بواقعية وفق رؤى جديدة تسير نحو التغيير والخروج من الواقع المتخلف الذي تتجاذبه تيارات سياسية وايديولوجيا متضادة قائمة على الغاء الاخر، الامر الذي افرز العديد من الانقسامات الحادة في صفوف المجتمع اليمني والذي عانى ويلات التمزق والفرقة.
حينها كان على مؤسس المؤتمر الشعبي العام الزعيم علي عبدالله صالح ان يتعامل بذكاء لإزالة كل الكوابح والمعيقات المتناثرة في طريقه نحو التغيير، والذي واجه اول انقلاب عليه في أكتوبر 1978 م، وكان عليه الاستعداد لما بعد هذه المرحلة لمواجهة المخاطر المحتملة الناجمة عن الموروث العدائي الممتد منذ قيام الثورة، والتي افرزت ما سمى حينها حرب المناطق الوسطى والتي امتدت للفترة من 79-82 م وبعد اغلاق هذا الملف الناجم عن التباينات الحزبية والإيدلوجيا شمالا وجنوبا حينها، ادرك الزعيم صالح بان الحوار هو الوسيلة المثلى للقضاء على هذه الكوابح والسير باليمن نحو افاق رحبة من الاستقرار والتنمية، ولأجل سير عجلة ألبناء كان عليه ان يجد وسائل جديدة للتعامل مع الأطر الحزبية، فكان قرار تشكيل (لجنة الحوار الوطني ) والتي ضمت في عضويتها عدد من الرموز الحزبية وقادة التيارات الفكرية والذي وصل عددهم حينها في اللجنة الى خمسون عضوا، ونتج عن ذلك انشاء المؤتمر الشعبي العام كتنظيم وحيد مسموح له بالعمل السياسي بعيدا عن الفكر الشمولي والعقيدة الصارمة التي كانت سمة الحزب الواحد والراي الواحد في العديد من البلدان العربية حينها.
وبإعلان نشاءة المؤتمر الشعبي العام وجدت النخب السياسية المختلفة ما يحفزها للظهور العلني والعمل بحرية بعيدا عن الغرف المغلقة، وقد تجلى ذلك بوضوح بعد قيام الوحدة اليمنية في مايو 1990، حيث شهدت البلاد نشوء العديد من الأحزاب الدينية والقومية والفكرية، بعد خروجها من المؤتمر الشعبي العام لتنخرط في مشاريعها الحزبية الجديدة وفقا لمبادئها التي تأسست عليها وبشكل مغاير عن الفكر الوسطى الذي بنى عليه المؤتمر الشعبي العام واستمر عليه منذ ولادته قبل أربعون عاما.
ان المؤتمر الشعبي العام ومن خلال قيادته السياسية ادرك جيدا وبوضوح أهمية بل وضرورة العمل عل إيجاد إصلاحات شاملة في الشقين السياسي والاقتصادي، وبشكل لا يقبل التأخير، وذلك بغية تأهيل اليمن للاندماج مع متطلبات النظام العالمي الجديد والذي شهد حينها بروز المناخ الديمقراطي الرأسمالي كنتاج طبيعي لانتهاء الحرب الباردة بين القطبين العالميين آنذاك بتفكك الاتحاد السوفيتي، وقد تجلى ذلك بالمبادرة التي قدمها المؤتمر الشعبي العام لعقد اجتماع مع قيادة الحزب الاشتراكي في أواخر الثمانينات والذي احتضنته مدينة تعز حيث كان ابرز سمات تلك المبادرة المحسوبة لقيادة المؤتمر الشعبي العام الذي تبنى خيار الحكم الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والذي طرحه المؤتمر في أول اجتماع للجنة التنظيم السياسي المكونة من قيادتي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي في تعز أواخر أكتوبر 1989م ، مع الأخذ بعين الاعتبار ان ذلك الاجتماع تم بمبادرة من المؤتمر الشعبي العام أيضا.
هذا اللقاء وما أسفر عنه من تفاهمات وسد الفجوات توج بمشروع الوحدة الذي طرحه الزعيم صالح في زيارته لعدن بعد شهر من اجتماع تعز، وقد نجح المشروع الوطني الوحدوي في لملمة اليمن والقضاء على الانقسامات من خلال إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في مايو 1990م كأعظم إنجازات المؤتمر الشعبي العام الذي شق لنفسه طريقا مغايرا وفقا لرؤية وطنية عملت على إعادة البناء السياسي وإعادة صياغته والسير نحو التعددية الحزبية والاحتكام الى صناديق الاقتراع والعمل وفق قاعدة الشعب مصدر السلطات.