مضى عام كامل على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بموجب اعلان نقل السلطة، ظل زخم السلام عاليا على نحو غير مسبوق، كأسمى اهداف المجلس، بدءا بوفاق داخلي بين كافة المكونات المناهضة للانقلاب التي انتقلت من مربع الصدامات المسلحة، الى حوارات بناءة من اجل انهاء المعاناة الإنسانية، واستعادة مؤسسات الدولة سلما او حربا.
في اول خطاب له باسم مجلس القيادة الرئاسي في الثامن من ابريل نيسان 2022، وعد الرئيس رشاد العليمي، الشعب اليمني بالعمل على انهاء الحرب، واحلال السلام، قائلا ان المجلس الوليد ” هو مجلس سلام، الا انه ايضا مجلس دفاع وقوة، ووحدة صف، مهمته الذود عن سيادة الوطن وحماية مواطنيه”.
وعملا بالعهد والوعد، قدم المجلس الرئاسي والحكومة مثالا فريدا في الانحياز لمصالح الناس، والتخفيف من معاناتهم في كافة انحاء البلاد، فكانت اطول هدنة انسانية منذ بداية الحرب.
كان الأمل وفقا لاجندة المجلس، تعظيم الفوائد بما في ذلك دفع رواتب جميع الموظفين وفقا لموازنة 2014، بموجب اتفاق ستوكهولم، وتوسيع وجهات السفر من مطار صنعاء الدولي داخليا وخارجيا، قبل ان تختار المليشيات الحوثية العودة الى خيار التصعيد، وهو خيار باء بالفشل مع ابقاء الهدنة سارية من طرف واحد، وباب الامل مفتوحا على مصراعيه امام جهود السلام العادل والمستدام، السلام المستند الى الارادة الشعبية، والاجماع الوطني..السلام الذي ينهي معاناة المحتجزين، والنازحين، واللاجئين، و يعزز قيم العدالة والمواطنة المتساوية، والحقوق والحريات.
•السير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني:
خلال 12 شهرا الماضية، حافظ مجلس القيادة الرئاسي على عقد اجتماعاته الحضورية او الافتراضية الدورية، عند مستواها الاعتيادي وبواقع اجتماع واحد أسبوعيا، رغم التحديات والعقبات، والمحاولات الفاشلة لاستهداف وحدته، وتماسك مكوناته واصطفافها حول هدف استعادة مؤسسات الدولة وانهاء الانقلاب.
و نجح المجلس في تجاوز تلك التحديات المرتبطة بطبيعة التحول غير المسبوق في بنية المؤسسة الرئاسية، وترسيخ حضورها في العاصمة المؤقتة عدن، واعادة بناء هياكلها المختلفة وممارسة مهامها القانونية والدستورية.
وفي هذا السياق استطاع مجلس القيادة الرئاسي الموائمة بين مهامه المتعلقة بتسيير شؤون الدولة، ورسم سياستها وتوجهاتها ووضع المعالجات المدروسة للاوضاع الاقتصادية والخدمية واتخاذ العديد من القرارات الصعبة بموجب قاعدة التوافق، دون اللجوء إلى خيار التصويت منذ ادائه اليمين الدستورية امام مجلس النواب في 19 ابريل من العام الماضي.
•اعادة بناء المؤسسات والعمل من الداخل:
استقر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة ومؤسساتها المعنية اطول فترة ممكنة في العمل من الداخل، مع استمرار الجهود لاستقرار كافة المؤسسات بعد استكمال ترتيب الاوضاع الأمنية، و اللوجستية التي يعمل عليها مجلس القيادة الرئاسي بدعم من الحلفاء الإقليميين والشركاء الدوليين.
وعلى هذا الصعيد، شرعت مؤسسة الرئاسة في اعادة تأهيل بناها التحتية والانشائية المدمرة ضمن مجمع معاشيق الرئاسي، والمقرات التابعة لها في العاصمة المؤقتة عدن.
وفي ذات السياق يجري استكمال نشاط عدد من الوزارات في عدن والمحافظات المحررة، والزام قياداتها ومعظم كوادرها الاستقرار في العمل من الداخل.
وبموجب التوجيهات عملت الحكومة على دعم هذا المسار باتخاذ العديد من الاجراءات والقرارات التنفيذية لاستكمال تأهيل وترميم وتجهيز المقرات الرئيسية للوزارات في العاصمة المؤقتة، واعتماد التمويلات والنفقات التشغيلية اللازمة لها.
وخلال العام الجاري سيتواصل استكمال نقل بقية المؤسسات الى عدن بوصفها حاضنة لقوى الحرية، ورمزا للنصر، وسياجا لمشروع المقاومة، والدولة الشرعية، كما يقول الرئيس العليمي.
ولعل تركيز المجلس منذ اليوم الاول على تفعيل دور السلطة القضائية، واعادة تنظيم القوات المسلحة والامن، يعكس الرؤية الثاقبة، والادراك العميق لأهمية العدالة، واجهزة انفاذ القانون، والقوة العسكرية الرادعة في استعادة هيبة الدولة وجلب السلام المفقود.
لذلك كان تشكيل مجلس القضاء الاعلى من رجال العدالة المشهود لهم بالنزاهة، واللجنة العسكرية والامنية رسالة مبكرة بشان اسس بناء الدولة التي طال انتظارها في ظل مضي المليشيات الحوثية الإرهابية بنهجها الطائش على طريق الدمار والخراب.
وفتحت هذه الاصلاحات المؤسسية التي شملت نقل مقر وزارة الدفاع الى العاصمة المؤقتة عدن، الانتقال الى تعديلات وزارية وتغييرات في بعض قيادات السلطة المحلية والأمنية ضمن عدد من القرارات الرئاسية، التي استجابت ايضا لاستحقاقات هامة في قطاعات أخرى كالمالية العامة والبنك المركزي، والخدمات بما في ذلك العمل على تحسين كفاءة شركات ومؤسسات الخطوط الجوية اليمنية، والنفط والاتصالات، وادارة المعلومات والاحصاء.
كما افسحت الإصلاحات الهيكلية، الى تمكين مزيد النساء من صناعة القرار في مجالات ظلت حكرا على الذكور، خصوصا في مجالي القضاء والامن.
وافضت الإصلاحات المؤسسية، الى إجراءات شاملة في تصحيح سياسات الابتعاث التعليمي الخارجي، وتقييم ومراجعة أوضاع السلك الدبلوماسي، ليشمل إلغاء نحو 29 ملحقية فنية، وعدد من المحلقيات الثقافية، و الإعلامية والتجارية، والوظائف المساعدة، واستدعاء اكثر من 100 موظف في البعثات الدبلوماسية لانتهاء فترة عملهم، الى غير ذلك من القرارات المتسقة والجهود الرئاسية والحكومية لترشيد النفقات غير الضرورية.
•الاقتصاد وسبل العيش:
ظل الملف الاقتصادي، والمعيشي اولوية مستمرة على طاولة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وفي غضون منتصف العام كانت النتائج مدهشة على صعيد تقليص عجز الموازنة والوفاء ببعض الالتزامات الحتمية للمرة الاولى منذ اشعلت المليشات الحوثية حربها التي صنعت واحدة من اسوأ الازمات الإنسانية على وجه الكوكب.
وتبنى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اصلاحات اقتصادية ومالية، اتاحت تقدما في تيسير دعم الاشقاء المقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار، بما فيها وديعة سعودية اماراتية للبنك المركزي بمبلغ ملياري دولار، اضافة الى استقطاب تمويلات طارئة بقيمة 300 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي.
وساهمت هذه الاصلاحات بتحسن ملموس في مؤشرات الموازنة العامة مع ارتفاع اجمالي الايرادات الى 2 تريليون، و703 مليار ريال مقارنة بتريليون، و455 مليارا في العام 2021، رغم خروج قطاع النفط عن الامداد منذ اكتوبر الماضي، بسبب الهجمات الإرهابية الحوثية المدعومة من النظام الإيراني.
وانعكست هذه الزيادة في الايرادات العامة، المعززة بتفعيل الدور الرقابي والمحاسبي، ومكافحة الفساد على انتظام دفع مرتبات موظفي الخدمة العامة، والقوات المسلحة والامن والشهداء والجرحى، والمعاشات التقاعدية، ومستحقات البعثات الدبلوماسيّة، والطلاب الدارسين في الخارج للمرة الاولى منذ عام 2014.
كما قادت السياسات النقدية والمالية، الى الحفاظ على استقرار نسبي للعملة عند 1100-1200 ريالا للدولار مقارنة مع 1700 ريال في العام 2021 مع عدم اللجوء الى مصادر تضخمية لتمويل الموازنة العامة، رغم الاعتمادات المكلفة لتامين واردات السلع الأساسية المنقذة للحياة.
وافضت هذه السياسات الى تجسير العلاقة مع القطاع الخاص باعتباره قائدا، و شريكا اساسيا في التنمية، والاعمار، والجهود المشتركة لتخفيف المعاناة الإنسانية، وتحسين سبل العيش، وتوفير فرص العمل.
•البنية التحتية والخدمية والانمائية والتدخلات الانسانية:
حظي ملف تحسين الخدمات في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة، بجهود مكثفة على مختلف المستويات والقطاعات، بدعم من الاشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة والشركاء الإقليميين، والاصدقاء الدوليين.
ومثلت التدخلات السعودية عبر برنامج تنمية واعمار اليمن، ومركز الملك سلمان للاغاثة الانسانية، ومشروع مسام لنزع الالغام، مدخلا مهما لامكانية احداث الفارق، وانقاذ ملايين الارواح.
وبالاضافة الى مستشفى عدن العام الذي بدأ تقديم خدماته المجانية لنحو 500 الف شخص سنويا، هناك قائمة طويلة بالمشروعات التي تم الانتهاء من دراساتها استعدادا للشروع بتنفيذها خلال العام الجاري وباجمالي 400 مليون دولار عبر البرنامج السعودي لتنمية واعمار اليمن.
وتقع المشروعات الموجهة لقطاع الطاقة في الصدارة بمبلغ 133.440.00 مليون دولار تشمل انشاء محطة غازية لتوليد الكهرباء في محافظة عدن، بقيمة 100 مليون دولار، اضافة الى انشاء شبكات الجهد المتوسط والمنخفض في المحافظة بقيمة 33 مليون و440 الف دولار.
وضمن مصفوفة مشاريع قطاع المياه والبيئة، سيتم تنفيذ محطة تحلية مياه البحر لمدينة عدن، ومشروع تعزيز مصادر المياه باستخدام الطاقة النظيفة باجمالي 45.500.000 دولار، اضافة الى مشروعات تطوير مطارعدن وانظمته الملاحية بمبلغ 26 مليون و58 الف دولار.
وفي قطاع الطرق، يجري الاستعداد لتنفيذ الطريق البحري والتقاطعات المرتبطة به، ومنظومات الانارة بالطاقة الشمسية بمبلغ 64 مليون و531 الف دولار، بينما بدا العمل في مشروع طريق تعز الكدحة المخا بمبلغ 8 ملايين و600 الف دولار، وكذا مشروع طريق هيجة العبد الحيوي الرابط بين تعز والعاصمة المؤقتة عدن، إضافة الى عدد كبير من مشروعات الطرق والتحسين التي تنفذها الجهات المعنية في الحكومة.
كما تم تسليم الدراسات للشروع بإنشاء مساحات رياضية للشباب في مدينة عدن ومركز لتأهيل الاطفال المعاقين في المحافظة باجمالي 11 مليون، و 409 الاف دولار.
وفي المنطقة الشرقية سيتم انشاء وتجهيز المستشفى الجامعي ومركز السرطان بجامعة حضرموت بمبلغ 75 مليون دولار، في حين تمضي الاجراءات لانشاء مركز الأورام، وتجهيز كلية الطب في محافظة تعز بمبلغ 15.800.00 دولار، و25 مليون دولار على التوالي.
وفي السياق فإن التدخلات الاماراتية الإنمائية بانشاء سد حسان الاستراتيجي في محافظة ابين، البالغ تكلفة مرحلته الاولى 78 مليون دولار، من شانها احداث نقلة نوعية في القطاع الزراعي، و رفع منسوب المياه الجوفية في المحافظة، والعاصمة المؤقتة عدن.
كما ينظر الى انشاء منظومة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمية بقدرة 120 ميجاوات بتمويل اماراتي، كواحد من المشروعات الحيوية الاسعافية في مدينة عدن.
وفي محافظة المهرة يجري العمل بوتيرة عالية في انشاء مدينة الملك سلمان الطبية والتعليمية كأكبر المشاريع الخدمية من نوعها في اليمن.
وعلى امتداد المحافظات المحررة بما في ذلك سقطرى وشبوة وابين ومارب، وتعز تستمر التدخلات الإنمائية في قطاعات الطاقة، والنقل، والتعليم، والثروة السمكية، والزراعية، والى غير ذلك من المعونات في مختلف المجالات.
كما تدعم التدخلات الشقيقة برنامجا لبناء القدرات المؤسسية بمبلغ 40 مليون دولار، الى جانب تنفيذ برنامج للاصلاح المالي والنقدي بالشراكة مع صندوق النقد العربي.
وقد سمح المناخ والزخم الايجابي الذي جاء مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بالمحافظة على تعهدات معقولة لخطة الاستجابة الإنسانية، رغم انشغال العالم بالتوترات المرتبطة بالحرب الاوكرانية، بل ان تدخلات بعض المانحين الدوليين زادت عن مستوياتها السابقة الى اكثر من مليار دولار للمرة الاولى بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن عودة التنامي في تمويلات دول الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة، إضافة الى استئناف الدعم لقوات خفر السواحل، وجهود مكافحة الإرهاب، والتهريب والجريمة المنظمة.
•السياسة الخارجية والتضامن الدولي:
في العام الاول من تشكيله، حافظ مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة على وحدة المجتمع الدولي حول القضية اليمنية، التي حملها رئيس وأعضاء المجلس الى كافة المحافل والتكتلات الاقليمية والدولية.
وفي سبيل ذلك اجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي نحو 8 جولات خارجية التقى خلالها عشرات القادة والزعماء ورؤساء الحكومات حول العالم، في مسعى لتصحيح الصورة المشوهة بشأن سرديات القضية اليمنية والدور المشرف لدول تحالف دعم الشرعية الى جانب الشعب اليمني، وحرصها على احلال السلام والاستقرار في البلاد.
وقد تبين اثر النشاط الدبلوماسي الرئاسي والحكومي، في الاستجابات الدولية الفورية بمواقف التضامن ازاء مختلف التطورات الوطنية، وعلى وجه الخصوص ادانة تصعيد المليشيات الحوثية وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، وزعزعة امن واستقرار اليمن والمنطقة كما تجلى ذلك على نحو غير مسبوق في تقرير لجنة العقوبات التابع لمجلس الامن الدولي.