يرستين النهمي:
تشتبك صنعاءُ مع بعضها، تتداخل الاحتفالات بها، ما بين خُضرة الأضواء واصفرارها أعينٌ مبتهجةٌ وحزينة. ذكرى نكبةٍ اسموها ثورة،وذكرى مولدٍ اعطوه قداسة وضرورة دينية ـ دنيوية..
لا مراء في التضادية في السؤال حول مشروعية الاحتفال من عدمه،من شاء فعل..ومن شاء ترك،ذلك حقٌ تكفله الشرائع والقوانين. وما الخلاف إلّا حول مظهريته وتحوله لأداةٍ سلطوية،سيف منصوب فوق الرقاب والأعناق،فرض على الكُلِّ،شريعة قائمة بذاتها،لهُ مشروعيةٌ أزلية،لكأنَّهُ ضرورةٌ وجب القيام بتأديتها. أو إنَّهُ ركُنٌ أخضر مُخضر في هيكلية النظام،ربيعٌ نابتٌ في جمهورية شتوية،يابسة،قاحلة،جرداء من دواخلها. الظاهر معكوس الباطن،فقداسة النبي محمد عليه الصلاة والسلام مجمعٌ عليها،وقداسة إشباع البطون الجائعة مجمعٌ عليها،وانعكاس أشعة الشمس في المرآة مُثبتٌ نظريًا،وانكسار الشعب حقيقةٌ واقعية،آتى نبينا لإشباع الجوعى،وإزالة الفوضى،ومناصرة الضعفاء،وردع الأقوياء،كاسرًا لشوكتهم كما تفعل المرآة بالأشعة؛ إمّا انكسارٌ وسقوطٌ أبدي وإمّا انكسارٌ لأنفتهم كي يعود لصوابية الأعمال والأفعال وفقًا لرسالته التي جعلت الناس سواسية. كانت رسالته واحدية في ظاهرها وباطنها. كان عظيمًا،رحمةً للناسِ،مُبلغًا كريمًا،يحث على الإيمان،ويشجع على الثورة ضد التسلط المتغطرس،يأمر بعبادة الواحد،وينهى عن الإشراك،يُردد "ما أنا إلا رجلٌ مثلكم أخطئُ وأصيب"،و"كانت أمي تأكل القديد بمكة"،لا يشعرنَّ أحدٌ منكم بالأفضلية،ولا يراني ذو قداسةٍ أو قدسية،"ما أنا إلا عبدُ اللّه ورسوله"،«وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل...ومَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا..» (آل عمران: 144).
كان من ضُعفاء القوم وناصرهم بغية تحقيق العدالة الاجتماعية،فعل ذلك إرضاءّ لربِّهِ،وتنفيذًا لأوامره،لا من أجل أن يزيح الطبقة المتغطرسة الكافرة،ليحل مكانها متغطرسًا متجبرًا يسعى في الفساد.
لمَّا كان أعظم محررًا في تاريخ الإنسانية؛ حُق لهُ أن يكون بقلوبنا ذو مكانةٍ عظيمة.
نفتخر بهِ ونتبع ما جاء بهِ؛ تــاركــــًا لنا شريعة وحياة،أدى دوره ورحل!.
فذكرى مولده وموته،تفرِضُ مراجعة الأنفس لماهيتها،هل هي على نهجه أم انحرفت عنه؟
روحانيتها عتاب ومراجعة أقل منها فرحة وسرور. وليكُن الفرح إعمالاً،ولا نقمع أحدًا من الاحتفال بصفته وذاته وعلى حسابه،بنفس طريقته ـ أي نبينا ـ في الاحتفالات،من تفقدٍ للجيران،وإيصال للأرحام،وشكر للرحمن. لا جمهرة وحشود واستعراض وتجويع وإذلال وقهر وظلم وطغيان. وإنَّهُ لو عاد لأنكر سماع قوقعة البطون الجائعة،ودعى لثورة شاملة جامعة،وتبرأ من مظهرية ما يُقام بإسمه ولأجله؛ صارخًا بصوت العدالة والمساواة،وجامعًا للشتات والتفرق والتمزق والانقسام يجمعنَّ الناس على مبادئ البيعة،لا على بيعة الحشود والجماهير التي تُقام..
يُثبت موروث رسالتهُ نكُران ما يُفعل يوم مولده بغطاء أيديولوجي سياسي مُغرض!
لم يرضَ قداسته،ورفض الملك والمال والسلطة والجاه وجميلات العرب،قائلاً: "ما لهذا جمعتكم.."،فكيف سيرضى بقداسة يوم مولده،كيف يرضى بالتبذير؟ كيف ينقلب على المبادئ التي أتى بها؟ وكيف يفرض تخضير الشوارع والأحياء بقيمة لقيمات الفقراء؟
قطعًا،لا يرضى،يرفض،يتذمر،لا يقبل بأن يكون شعارًا لجني الثروات،ولا شعارًا لإبراز العضلات،ولا شعارًا لسلطوية سارقي الأقوات. فإذا كان رافضًا للتسلط والظلم،ورافضًا الملك..كيف لهُ أن يقبل ثروية ـ ثراء ـ من يدعون النسب إليه،وهو القائل :"اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا"،دعى بألا تكون سلطةً ولا ثروةً لآله،ولم يدعو لهم بالحاكمية ولا القيادة ولا الغناء ولا الثراء.
كم أنت بريءٌ منهم..فهُم يكرهونك وأن أظهروا حبهم لك ظاهريًا،وأنكروا قولي بكراهيتهم لك،فهُم كذلك لأنهم كرهوا من أحببت،وفعلوا ما كرهت،وهذا دليلٌ على بغضهم وكراهيتهم لك يا نبينا. إذْ لو أحبوك حقًا ما نقموا على أحفاد من ناصروك،واستخدموهم واستخدموك كدعايةٍ أمام الأمم،وقولهم: صامدون،واحتفالنا لا يزيدنا إلا تعاليًا وشرفًا. أرأيت كيف الصمود والجوعى على وشك الرقود ـ الرقود الذي لا صحو بعده أبدًا. وهُم وحدهم من يتلذذون بأكل أموال الناس باطلاً وزورًا،ويرون أن ما يفعلونه ضرورةً ثروية بدواع قداسة الاحتفال بالمولد النبوي.
* يرستين النهمي الأمين العام المساعد لحقوق الانسان في ائتلاف القوى الديموقراطية للسلام والوئام