تسبب الحوثيون خلال الأشهر الماضية بتحدّيات كثيرة للأميركيين وللتجارة الدولية، ويعتبر الأميركيون الآن أن خطر الحوثي هو خطر متحوّل في مواجهة القوة الأميركية.
ما شغل الأميركيين خلال الأسبوعين الماضيين أن الحوثيين عادوا، وبكثافة، إلى توجيه الصواريخ الباليستية والمسيرات باتجاه البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
التقديرات الأولى للأميركيين أن الغارات الجوية التي شنّتها قواتهم على ثلاث دفعات منذ بداية العام، كانت كافية لردع الحوثيين وأن ضرب محطات الرادار ومراكز القيادة والسيطرة سيضعف قدراتهم، كما أن الأميركيين عمدوا إلى نشر مسيرات استطلاع في أجواء مناطق الحوثيين، وكانوا قادرين في أوائل هذا الشهر على ضرب الصواريخ الحوثية عندما يضعها الحوثيون على المنصات، وبالتالي أفشل الأميركيون عشرات الهجمات بتوجيه ضربات استباقية.
حتى إن الحوثيين امتنعوا عن توجيه أي ضربات في بعض الأيام، واعتبر الأميركيون أنهم سيطروا على الأجواء وتسببوا بضرب قدرات الحوثيين.
لكن الحوثيين تمكنوا من العودة إلى قصف السفن وحققوا إصابات، ووصفت مصادر عسكرية أميركية ما فعله الحوثيون بالقول لـ"العربية" و"الحدث" إن العناصر الحوثية لجأت إلى خطط تمويه، مثل نشر شاحنات تبدو وكأنها تحمل صواريخ لكنها في الحقيقة فارغة، ويتسبب ذلك في إلهاء الرقابة الجوية الأميركية، فيما تقوم خلية حوثية أخرى بتحميل صاروخ على قاعدة إطلاق في مكان آخر وتطلقه.
كما عمد الحوثيون إلى وضع الصواريخ والشاحنات في أبنية غير مشبوهة، وعند إعدادها للإطلاق تخرج من المبنى وتعمد إلى إطلاق الهجوم، ثم تعود إلى مخبأها في وقت قصير يصعب على الاستطلاع الجوّي الأميركي تحديده.
مصادر خاصة بـ"العربية" و"الحدث" أكدت أن إدارة الرئيس الأميركي مصرّة على "مواجهة" الهجمات الحوثية، وقالت إن الضربة الجوية الرابعة التي قامت بها القوات التابعة للقيادة المركزية نهاية الأسبوع الماضي، تشير إلى إصرار الرئيس الأميركي جو بايدن ووزارة الدفاع الأميركية على متابعة ضرب الحوثيين وصولاً إلى شلّ قدراتهم على تهديد الملاحة الدولية والقوات الأميركية المنتشرة في المنطقة.
هذا وتقرّ وزارة الدفاع الأميركية بأن لدى الحوثيين الكثير من الصواريخ والمسيرات الجوية والبحرية وأن ضرب قدرات الحوثيين لن يكون في جولة واحدة أو في مدة قصيرة.
أحد المتحدثين، ولدى سؤاله عن كميات الأسلحة التي بحوزة الحوثيين، نظر وقال لـ"العربية" و"الحدث": "هل تذكر ما قاله وزير الدفاع؟"، وتابع مذكّراً أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قال في مؤتمر صحافي: "لديّ عتاد وأسلحة أكثر بكثير".
يشعر المستمع إلى الأميركيين، وهم يتحدّثون عن مواجهة الحوثيين، بشيء من الإصرار على ضرب قدراتهم والقول إن الحوثيين هذه المرة إنما يواجهون الردّ من قوة ضخمة وعالية القدرات التقنية والخبرات الميدانية، ويشدّد المتحدثون إلى "العربية" و"الحدث" على أن الأميركيين يتوقعون الانخراط في هذه المواجهة إلى أمد طويل.
أخطر ما قاله أحد المتحدثين إلى "العربية" و"الحدث" هو أن الأميركيين مستعدّون أيضاً للتصعيد ضد الحوثيين، وقال: "لو قام الحوثيون بالقصف سنضربهم، ولو تابعوا القصف سنضرب مراكزهم والرادارات والقيادة والسيطرة، ولو تابعوا سنفعل بهم ما فعلنا بالعراق وسنلاحق قياداتهم".
هذا التهديد له معنى خاص في إطار العمليات العسكرية الأميركية في اليمن، فقد تعمّد الأميركيون حتى الآن تحاشي إسقاط خسائر بشرية في صفوف الحوثيين، لكنهم يتحدّثون الآن عن أن التصعيد سيصل إلى قصف المشغّلين من جماعة الحوثي، وبعد ذلك، ضرب قيادات في هذه الجماعة تكون مسؤولة عن تسيير الهجمات أو تتعامل مع الإيرانيين في التسليح والتدريب.
لا يجب أن نفهم من هذه التصريحات أن الأميركيين يريدون هذه المواجهة، فهم لا يريدونها على الإطلاق، ويريدون من الحوثيين التوقف عن تهديد الملاحة والقوات الأميركية في المنطقة، كما يريدون من الإيرانيين أن يوجّهوا الحوثيين ويطلبوا منهم وقف الهجمات، وعندها تتوقف الضربات الأميركية ويتحاشى الطرفان التصعيد المنتظر.
حتى الآن لا يبدي الحوثيون أية نية لوقف العمليات، بل يشعرون بتعاظم التأييد لهم. في المقابل، لا يشعر الأميركيون أن هذه المعركة ستتوقف في المدى القريب، وما تريده واشنطن من الأطراف الدولية والإقليمية هو انخراط أكثر في مواجهة مخاطر الحوثيين.
أحد التحذيرات الدائمة هو أن الأميركيين يصابون بشيء من التعب عندما تطول المعركة، وعندما يشعرون أنهم وحدهم في الميدان، ويحمون مصالح الآخرين من دون مساهمات واضحة من الأطراف المعنية دولياً وإقليمياً، يبدأ الأميركيون في نقاشات الجدوى، كما يحدث الآن في أوكرانيا.