منشورات متعددة لقيادات وأبواق حوثية على الفيسبوك، وتغريدات متعددة على تويتر، كلها تدعو سكان الحديدة للبقاء في مدينتهم، وعدم النزوح منها، والمبرر أن بقاءهم سيمنع التحالف من استهداف الأحياء التي يتمترس فيها مقاتلو الحوثي، لأنه لن يتحمل كلفة الضحايا المدنيين، كما صرح أحدهم من حساب يضع اسمه باللغة الروسية وليس باللغة العربية.
ببساطة شديدة ووقاحة غير معهودة، يوجهون الدعوة لأبناء الحديدة للبقاء فيها لاستخدامهم كدروع بشرية، تحمي مسلحي الجماعة من غارات التحالف وقصف القوات المشتركة، ولم يقدم أحد منهم إجابة على السؤال:
لماذا يجب على أبناء الحديدة البقاء فيها لحماية مقاتلين ورطوا المدينة والبلد برمته في حرب مدمرة للبشر والحجر؟!
حرب نشبت ضد أبناء اليمن لأن رجلاً يدعي أنه أحق بحكم البلاد دون انتخابات ولا منافسة ولا شراكة لأنه من نسل النبي، بغض النظر عن صحة انتمائه إليه من عدمها، وقبل أيام قال أحد المذيعين التابعين له إن الانتخابات والدستور (على جزمته)، فماذا يحترم هؤلاء إذن؟!
مئات النازحين في مدرسة أبوبكر الصديق بمنطقة عصر وصلوا من الحديدة بتكاليف باهظة وظروف قاهرة وبائسة، لكن أحد قادة الحوثيين قال بأن المنظمات الدولية لم تتحمل مسؤوليتها تجاههم، فهو يريد القول إن جماعته غير مسؤولة وإن المنظمات التي تهاجمها الجماعة وتبتزها كل يوم هي المسؤولة وحدها، وأيضاً يريد تخويف النازحين بأن لا أحد سيساعدهم هم وأطفالهم في حال مغادرتهم الحديدة.
تحولت الحديدة إلى خنادق ومتارس وحواجز خرسانية وفي بعض الشوارع تم وضع حاويات عملاقة لإغلاقها، ولا يستبعد حشوها بالمتفجرات، وفي أحياء مثل غليل تم نقل مدفع للجماعة من حارة إلى الحارة المجاورة بعد خروج الأهالي ضدهم، لقد تحولت المدينة إلى ثكنة عسكرية مفخخة، وكل يوم يمضي ترتفع وتيرة تفخيخ المدينة، فما الذي يدعو المواطنين للبقاء في مدينة مفخخة؟!!
قتلت قذيفة الحوثيين 6 مدنيين دفعة واحدة في حي سكني، فما الذي يجعل القادرين على مغادرة المدينة يبقون فيها، ومن سيحمي العاجزين عن النزوح مرتفع الكلفة في حال بقائهم داخل المدينة؟!
كل يوم يرتفع عدد المختطفين من أبناء الحديدة على أيدي مسلحي الجماعة، أي أن الوضع البائس والمرعب للمدنيين لا يتوقف على انتظار قذائف الموت من جماعة الموت، أو من القصف الذي يمكن أن ترد به القوات المشتركة على مصادر استهدافها من داخل الأحياء السكنية، بل يمتد إلى ترقب الوقوع في يد جماعة لا ترحم ولا تعقل ولا تحترم أحداً حتى نفسها، وخلال العام 2016 كانت الحديدة أكبر مدينة يتعرض أبناؤها للاعتقال على يد الحوثيين، قبل العاصمة صنعاء ذاتها، وهذا مؤشر واضح على طبيعة تعامل الحوثيين مع أبناء الحديدة منذ وصولهم إليها.
مدينة مطلة على البحر وترقد دون مياه، فقد قام الحوثيون بقطع المياه عن معظم أحيائها بما يقومون به من حفر للخنادق وتدمير لمواسير مشروع المياه الخدمة الوحيدة التي كانت مستمرة فيها.
مدينة تقع فيها إحدى محطات توليد الكهرباء الإسعافية، لكن تم قطع الكهرباء عن أبنائها وفي نفس الوقت بيعها بأسعار غير مسبوقة لمن يستطيع الدفع، لدرجة أن مستشفيات المدينة تتوقف أحياناً لأن الوقود الخاص بمولدات الكهرباء ينفد منها، بينما الفنادق التي لا يدخلها أبناء الحديدة تتمتع بالكهرباء العامة بأسعار مرتفعة جداً، تعود فواتيرها إلى جيوب مشرفي الحوثي، وفوق هذه الكارثة التي صنعتها الجماعة لا زالت أبواقها تتحدث عن الوضع الإنساني ومخاوفه.
ليس هذا فحسب، بل إن الجماعة منعت منظمات إغاثية محلية عملياً من إيصال المواد الغذائية لأبناء بعض مديريات الحديدة، وصادرت المعونات، وفي أحسن الأحوال سمحت بالتوزيع بعد أن أخذت نصيب الأسد منها لتوزعه على أتباعها، أو تبيعه في السوق السوداء لمصلحة مشرفيها، وكل ما يمكن أن تسببه الحرب من بؤس وأزمات إنسانية لأبناء الحديدة لن يصل إلى الوضع الذي يمكن أن تصل إليه في ظل استمرار سيطرة الحوثيين عليها.
كانت الحديدة مصدراً للمال الذي تحصده الجماعة من الميناء أو الأراضي أو نهب التجار وغيره من الطرق، وأصبحت اليوم درعاً بشرياً عملاقاً يريد مقاتلو الجماعة ومجرموها أن يحتموا به من الجزاء الذي ينتظرهم حتماً مهما تأخر وقته، ومهما بلغت تكلفته.
عندما يقول إعلام جماعة الموت إن الحرب توقفت، وأنهم استعادوا مناطق سيطرت عليها القوات المشتركة فإنهم فقط يكذبون على أتباعهم للتوجه إلى المحرقة، وعلى أبناء المدينة لكي يبقوا فيها، فيصبحون أداة لابتزاز العالم بدعوى سقوط الضحايا المدنيين، وأيضاً كأداة للحد من قدرة التحالف والقوات المشتركة من استهداف رؤوس الجماعة ومصادر قذائفها، لكن ذلك رغم كونه جريمة حرب بكل المقاييس لن يحمي الجماعة من مصيرها المحتوم.