صحافة مكبلة.. ميليشيات الحوثي تفرض قيوداً جديدة على حرية التعبير في اليمن
الاربعاء 29 مايو 2024 الساعة 18:22
متابعات

 

كتب/ إيمان الوراقي
 
 

في عالم ينبغي فيه للحقيقة أن تتوهج كالشمس في الظلام، يقاتل الصحفيون من أجل إيصال الحقيقة بلا عوائق، ولكن في اليمن تواجه الأصوات اليمنية المخلصة قيوداً قاسية تُكبت حرية التعبير وتعيق الوصول إلى المعرفة.  

تحت سيطرة ميليشيات الحوثي على أجزاء واسعة من اليمن، تواجه الصحافة المستقلة حملة من التضييقات والمضايقات، وتتعرض لتهديدات تُهدد حق الشعب اليمني في معرفة الحقيقة. 

أفادت مصادر مطلعة بفرض ميليشيا الحوثي قيوداً جديدة على وسائل الإعلام غير الموالية لها في مناطق سيطرتها، تشمل هذه القيود الحصول على تراخيص، ودفع أموال، وتقديم معلومات عن مصادر الدخل والتمويل والعاملين في تلك الوسائل، يأتي هذا في سياق مسعى الجماعة لتعزيز قبضتها على ما تبقى من أصوات إعلامية في مناطق سيطرتها. 

أكدت مصادر في صنعاء وفقا لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية أن قادة الميليشيا الحوثية فرضوا الحضور السريع إلى مقر وزارة الإعلام في الحكومة الحوثية خلال 45 يومًا للحصول على تراخيص مزاولة المهنة.

كما فرضت الميليشيا مبالغ مالية على كل تصريح صحفي يمنحه لوسيلة إعلامية، تحت مسمى "رسوم"، وذهبت هذه الأموال إلى جيوب قادة الميليشيا. 

واشترطت السلطات الإعلامية الحوثية عدم منح الترخيص لأي وسيلة إعلامية إلا بعد تقديم قوائم تحتوي على معلومات تفصيلية عن المالكين والعاملين فيها، بالإضافة إلى تفاصيل شخصية عنهم، وبررت الميليشيا هذه الإجراءات بضرورة توحيد الخطاب الإعلامي وكذلك السياسي. 

ووفقًا لمصادر، تهدد الميليشيا بشن حملة واسعة عقب انتهاء المدة المحددة لإغلاق ومصادرة وحظر الوسائل الإعلامية غير الملتزمة بالتعليمات، بما في ذلك القنوات والصحف والمواقع المستقلة. 

ويأتي هذا التوجه الحوثي ضد وسائل الإعلام في إطار معاناة مادية ومعيشية بالغة السوء يكابدها الصحفيون في مناطق سيطرة الجماعة بسبب سياسات التجويع.

وتفرض ميليشيات الحوثي رقابة صارمة على وسائل الإعلام، مُغلقة المواقع الإلكترونية ومصادرة الصحف المطبوعة، ما يحوّل اليمن إلى سجن كبير يُقيّد حرية الفكر والتعبير؛ فمنذ عام 2015 اعتُقل أكثر من 170 صحفياً من قبل ميليشيات الحوثي، واختُطف 20 آخرون، تاركين خلفهم عائلات محزونة وقلوب مكسورة. 

ولم تتوقف المأساة عند الاعتقالات، فقد تعرّض ما لا يقل عن 10 صحفيين للقتل بطريقة غير قانونية، ومصير 12 آخرين ما زال مجهولاً، مخلفين ذكريات مليئة بالخوف والترهيب. 

وتؤكد الإحصائيات الصادمة حجم المأساة التي تمر بها الصحافة اليمنية تحت حكم الميليشيات الحوثية، فوفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تعرّض ما لا يقل عن 100 صحفي يمني لانتهاكات جسيمة منذ عام 2019 حتى 2021. 

تقارير منظمة العفو الدولية تشير إلى أن ميليشيات الحوثي تمارس التعذيب الجسدي والنفسي على الصحفيين المعتقلين، وتخضعهم لظروف اعتقال قاسية تتجاهل أبسط حقوق الإنسان. 

رغم القمع، لا تزال هناك أصوات يمنية تصرخ بالحقيقة وتقاوم الظلم؛ عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، يواصل الصحفيون اليمنيون كشف انتهاكات ميليشيات الحوثي ودعوة المجتمع الدولي للتدخل لإنقاذ حرية الصحافة.

وأدانت منظمات حقوق الإنسان الدولية الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها ميليشيات الحوثي ضد الصحفيين، وطالبت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بوقف جميع الانتهاكات ضد حرية الصحافة في اليمن وضمان سلامة الصحفيين. 

كما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيقات دولية مستقلة في جرائم ميليشيات الحوثي ضد الصحفيين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. 

[اليمن: نقابة الصحفيين تدعو إلى إيقاف خطوات تقييد حرية الصحافة في عدن - يمن فيوتشر]

معاناة إعلامي يمني

في زمن تجتاحه الظلمة وتتعاظم فيه أصداء القيود، تُسجن الصحافة في يمنٍ يعاني الحرمان والحرب، وتُخنق أصوات تسعى لنشر ضوء الحقيقة في متاهات الظلام، هكذا يراودني الشعور بالوحدة والتشويش.

في تصريحاتها لـ"جسور بوست" روت الإعلامية اليمنية عهد ياسين معاناتها مع ما يحدث في اليمن فتقول: أنا، كصحفية يمنية، أواجه تضييقات قمعية مفرطة من ميليشيات الحوثي، وغيري يقتل ويسجن، أواجه صعوبات تجعلني أعاني كل لحظة بين أضلع هذا الوطن الذي أحبه، أعاني كلما أمسك قلمي لأرسم بأحرفي صورة الواقع، تجتاحني موجات من الخوف والقلق، خوف على سلامتي وسلامة عائلتي، وقلق على مصير حرية الصحافة والتعبير في بلادي، فلا يمر يوم إلا وأشعر بالهمس الحاد والتهديد الصامت، يتجلى في أشكال مختلفة من التنكيل والترهيب. 

عهد ياسين 

وتتابع في أسى: يُغلق باب الحرية أمامي وتُخمد شرارة الأمل في صدري عندما أحاول أن أنقل الصورة الحقيقية لمعاناة شعبي، وأن أنقل صوت الصامتين الذين يعانون في ظل الحرب والجوع والمرض، تتسع الفجوة بين الحقيقة والوهم، بينما يعمّ الكذب والتضليل أرجاء البلاد، يُغلقون أبواب الحقيقة ويفتحون أبواب الباطل، فأتحايل على الظلم وأستدرج الأمل من بين خيوط اليأس، أحاول أن أبقى واثقة من قدرتي على رسم لوحة الحقيقة رغم الصعوبات والعوائق. 

وتستكمل: أدرك تماماً أن التحدّيات كبيرة والمخاطر عديدة، لكنني أرفع رأسي بفخر كصحفية يمنية، أستمد قوتي من إيماني بقضية الحرية والعدالة وحق الشعب في التعبير عن آرائه ومعاناته، فأنا هنا أناجي الحبر والورق، أنادي الحقيقة والعدالة، في محاولةٍ مستميتة لأن تصل أصوات الضعفاء والمظلومين إلى آذان العالم. 

وأتمت: إن كانت الطريق طويلة وشائكة، فإن رسالتي للعالم تبقى واضحة كصوت الناقوس في الصحراء: إننا نريد الحرية، وسنظل نصارع من أجلها حتى النهاية.

تضييق يقتل الحقيقة

وبدورها علقت المحامية الأردنية والبرلمانية السابقة، نسرين زريقات بقولها: في ظل الصراع المستمر في اليمن وتورط العديد من الفرق السياسية والعسكرية، يتعرض الصحفيون في هذا البلد العربي الفقير إلى تحديات هائلة وتضييقات كبيرة على حريتهم المهنية، تتصدر هذه التحديات التضييقات والقيود التي تفرضها ميليشيات الحوثي، التي تسعى جاهدةً لفرض سيطرتها على السلطة والمجتمع، ما يشكل ضغطا خانقا وقاتلا للصحفيين بالمعنى الحرفي للكلمة.

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على أجزاء كبيرة من اليمن، تشهد الصحافة المستقلة في هذا البلد سلسلة من التضييقات والانتهاكات التي تستهدف بشكل مباشر الصحفيين غير الموالين للحوثيين، تتضمن هذه التضييقات على سبيل المثال لا الحصر الاعتقال التعسفي، إذ يتعرض الصحفيون للاعتقال التعسفي من قبل ميليشيات الحوثي، حيث يتم اعتقالهم دون مبرر قانوني وإخضاعهم لظروف اعتقال قاسية ومذلة، كذلك يتعرض الصحافيون وعائلاتهم للتهديد المستمر والترهيب، سواء بالقتل أو بالإصابة أو بالتشهير العلني، كوسيلة لترهيبهم ومنعهم من ممارسة مهنتهم بحرية.

واسترسلت: تفرض ميليشيات الحوثي قيودًا صارمة على حرية التعبير وحرية الصحافة، حيث يتم حظر الصحف المستقلة وتقييد نشر المواد الصحفية التي تنتقدها، وتحث المنظمات الحقوقية الدولية المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فورية لوقف التضييقات على الصحفيين في اليمن والضغط على ميليشيات الحوثي للامتناع عن انتهاكات حقوق الإنسان، كما تطالب هذه المنظمات بإجراء تحقيقات دولية مستقلة في الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها. 

نسرين زريقات

وأتمت: التضييق على الصحافة في اليمن يمثل انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير وحقوق الإنسان الأساسية، ويجب أن يتوقف فورًا.. يجب على المجتمع الدولي أن يقف بجانب الصحفيين في اليمن ويدعمهم في مواجهة التحديات التي يواجهونها، من أجل الحفاظ على دورهم الأساسي في نقل الحقيقة والمعلومات إلى العالم.

متعلقات