في لفتة رمزية عميقة الأبعاد، قام فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الأربعاء، بوضع إكليل من الزهور على ضريح الجندي المجهول في حديقة الكسندر بالقرب من الساحة الحمراء في موسكو، في إطار زيارته الرسمية إلى روسيا الاتحادية.
هذا الموقف الذي ترافق مع عرض رمزى لحرس الشرف وعزف السلام الوطني اليمني، يعكس تكريم اليمن لتضحيات الشعب الروسي في معركته التاريخية ضد النازية، ويُرسخ جسور التفاهم بين البلدين في ظل التحديات المعاصرة.
اللقاء مع التاريخ: تكريم التضحيات في قلب موسكو
استهل الرئيس العليمي زيارته بزيارة النصب التذكاري للجندي المجهول، الذي أُنشئ في أواخر ستينيات القرن الماضي ليصبح رمزاً وطنياً يجسد "صمود الشعب الروسي وانتصاره العظيم على النازية". وبينما استسلم الصمت لدقيقة تأمل، وضع فخامة الرئيس إكليلاً من الزهور أمام الضريح الذي يحتضن رفات جنود سوفيت سقطوا في معركة موسكو عام 1941، ونقلت رفاتهم لاحقاً من ليننغراد (سان بطرسبيرغ حالياً) إلى محيط الجدار الغربي للكرملين، حيث تُخلد تضحياتهم عبر الأجيال.
هذه المبادرة، التي تأتي في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، تحمل دلالة رمزية تتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية، إذ تُظهر اعتراف اليمن بدور روسيا الاستثنائي في صياغة التاريخ الحديث، وتجدد الالتزام المشترك بمواجهة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله.
مزيج من الاحترام والتعاون
عقب مراسم وضع الزهور، شهد الرئيس العليمي عرضاً رمزياً لحرس الشرف الروسي، حيث استعرضت الفرقة الموسيقية العسكرية العزف الرسمي للسلام الوطني اليمني.
هذه اللحظة التي تلتقي فيها الأعلام والأنغام، تُعد تعبيراً عن العلاقات الدافئة بين البلدين، والتي تسعى القيادة اليمنية إلى تعزيزها في المجالات الأمنية والتشريعية والتنموية، كما أكّد خلالها الجانبان على أهمية تجنيب المنطقة مخاطر التصعيد والانقسام.
الضريح كرمز: حكاية صمود تُلهم الحاضر
يُعتبر نصب الجندي المجهول أحد أبرز معالم الذاكرة الوطنية الروسية، حيث يمثل تضحيات الملايين من الجنود الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية دون أن تُعرف أسماؤهم.
وبزيارة هذا الموقع، يُعيد الرئيس العليمي تأكيد أن القيم الإنسانية المشتركة؛ مثل التضحية من أجل السلام والحرية؛ لا ترتبط بحدود جغرافية، بل تُشكل جسراً لتعزيز التعاون بين الدول في مواجهة التحديات المعقدة، خصوصاً في ظل الصراعات التي تشهدها اليمن وسوريا وأوكرانيا وغيرها من المناطق الساخنة.
تنوّع يعكس الأولويات الوطنية
رافق الرئيس خلال الزيارة وفد حكومي رفيع المستوى يضم الدكتور شائع الزنداني، وزير الخارجية، ومستشاري الرئيس للدفاع والأمن والتنمية والشؤون الثقافية، إلى جانب سفير اليمن في موسكو أحمد الوحيشي.
هذا التنوع في التمثيل يعكس حرص القيادة اليمنية على بناء شراكة متكاملة مع روسيا، تشمل دعم المؤسسات الشرعية، وتعزيز الاستقرار الأمني، ودفع عجلة الإعمار، وتطوير التعاون الثقافي.
زيارة الرئيس العليمي إلى ضريح الجندي المجهول ليست مجرد إجراء بروتوكولي، بل رسالة سياسية وثقافية تؤكد أن اليمن، رغم أزماتها الداخلية، تُقدّر التضحيات الإنسانية الكبرى، وتعمل على بناء شراكات استراتيجية تُرسي السلام العادل في العالم.
ومع تصاعد التحديات، تبقى مثل هذه المبادرات نموذجاً للدبلوماسية التي تجمع بين الاحترام التاريخي وبناء المستقبل المشترك.