تعز تنتفض: آلاف المتظاهرين يطالبون بالعدالة لدماء أفتهان المشهري
الأحد 21 سبتمبر 2025 الساعة 21:29
الميثاق نيوز، تقرير خاص

 

لم تكن شوارع تعز اليوم الاحد، سوى مرآة عاكسة لانفجار جماهيري غير مسبوق، حيث اكتظت الطرقات بآلاف بالسيارات والمشاة القادمين من الحجريةوارياف  تعز، مطالبين بالعدالة لدماء أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين التي اغتيلت برصاصات غادرة الخميس الماضي في يوم عمل روتيني اثناء بمروها في جولة سنان بمديرية القاهرة، لتصبح جريمتها شرارة أشعلت فتيل احتجاجات واسعة تجاوزت حدود المدينة إلى أرجاء المحافظة كلها.

فالمدينة التي دفع سكانها ثمنا باهظا للحرب والصراعات، لم تعد تتحمل المزيد من الإهمال الأمني، خاصة بعد أن تحولت جريمة أفتهان إلى رمز لفقدان الثقة بين الشارع والأجهزة الرسمية.


 ازدحمت الطرق المؤدية إلى مركز تعز بالسيارات التي علا منها هتافات غاضبة، بينما رفع المتظاهرون والمتظاهرات لافتات تحمل صور الشهيدة وعبارات لا تخلو من إدانة لاذعة: "دم أفتهان أمانة"، "من تعز صرخة قوية.. ارحلوا يابلطجية"، "العصابة العصابة كلها في كلابة"و"السُكوت خيانة". لم تكن هذه المسيرة مجرد تعبير عن الحزن، بل رسالة واضحة إلى السلطات المحلية: "لن نسمح بإهدار دماء أبنائنا ثانية".

 

 

الغضب يتحول إلى مطالبة بالرحيل
لم تقتصر المظاهرة على الإعراب عن الرفض لجريمة الاغتيال، بل تحولت إلى ساحات تُطالب برحيل المحافظ نبيل شمسان والقيادات الأمنية وقادة الالوية العسكرية، الذين وجهت لهم انتقادات لاذعة من الحشود التي رأت في استمرارهم "خيانة لتضحيات المدينة".
 تجمع آلاف المواطنين أمام مبنى المحافظة وإدارة الأمن، مُرددين شعارات ترفض "التسويف والمماطلة"، وتطالب بكشف الحقيقة دون مواربة.
 وسط هذه الأجواء المشحونة، وقف والد الشهيدة  بعد قدومه من تركيا، ليقف مكلوما أمام الجماهير التي استقبلته بدموع وصيحات تُنادي: "أفتهان شهيدة تعز".
 في كلمته المؤثرة، قال الأب: "جئتُ محمولا بألم الفقد، ولم أكن أتصور أن أعود لأجد دم ابنتي يُراق وسط مدينتها التي أحبتها وخدمت أهلها. 
دمها أمانة في أعناقكم جميعا، ولن أتنازل عن حقها حتى يُحاسَب القتلة ومن وفر لهم الحماية". كلمات أشعلت الحشود هتافات أكثر حدة، رافضة أي تسويف في مسار العدالة.

"كابوس وطني" يُهدد هيبة المدينة
في بيان أثار زخما واسعا، وصف المحافظ السابق لتعز حمود خالد الصوفي جريمة الاغتيال بـ"الكابوس الوطني" الذي يُجسد خيانة لتاريخ المدينة الصامدة. 
وكتب الصوفي: "الحياة حلم قصير نصحو منه بصفعة الموت… لكن أن نستيقظ على رصاصة تغتال زهرة مثل أفتهان، فذلك كابوس لا يليق بتعز ولا بتاريخها".
 لم يكتفِ البيان بالإدانة، بل انتقد سنوات التساهل مع الانفلات الأمني تحت دعوى "الأولويات السياسية"، مؤكدا أن تهاون السلطات حول المدينة إلى ساحة للاعتداء على أمن المدنيين. 
ودعا الصوفي إلى "الوقوف الجماعي" من قِبل السلطات وأحزاب المعارضة والمجتمع المدني، لاستبدال ثقافة الإفلات من العقاب بمسار قضائي صارم، مذكرا بأن "السلام ليس غياب العنف، بل وجود العدالة"، في إشارة إلى مقولة مانديلا الشهيرة.

شرعب تعلن براءتها من القتلة 
لم تقتصر المطالبات بالعدالة على الشارع والسياسيين، بل امتدت إلى قيادات محلية تُجسد جذور المدينة الثقافية. شيخ مشائخ شرعب السلام حميد علي عبده سرحان أصدر بيانا شديد اللهجة، أكد فيه أن "جريمة اغتيال أفتهان تخطت كل المفاهيم الإجرامية، واستهدفت القيم الإنسانية جمعاء". 
وتبرأ كبير مشائخ شرعب ممن وصفهم "أصحاب النفوس المريضة" الذين قال انهم يحاولون استغلال الحادثة لزرع الفتنة المناطقية، داعيا إلى "الإسراع في ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة"، ليكونوا "عبرة لكل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة مماثلة". 

 

 


وشدد على أن مثل هذه الأفعال "دخيلة على مجتمعنا كيمنيين، وكعرب، وكمسلمين"، مذكرا بأن "الموت والرعونة والتوحش ليست خيارات لبشر أصحاب ضمير".

إنذار قبل الانفجار
في ظل هذا الغليان الشعبي، تحولت التظاهرات إلى إنذار قوي للسلطات المحلية والحكومة الشرعية على حد سواء.
 مراقبون يرون أن تكرار جرائم الاغتيال بحق مسؤولين مدنيين في تعز، التي كانت يوما "عاصمة الثقافة اليمنية"، بات يهدد بانزلاق الأوضاع إلى موجات غضب أعنف، قد تخرج عن السيطرة.

فالمدينة التي دفع سكانها ثمنا باهظا للحرب والصراعات، لم تعد تتحمل المزيد من الإهمال الأمني، خاصة بعد أن تحولت جريمة أفتهان إلى رمز لفقدان الثقة بين الشارع والأجهزة الرسمية.

ويحذر ناشطون من أن أي تأخير في كشف ملابسات الجريمة سيزيد من تفاقم الاحتقان، مذكرين بأن "العدالة لأفتهان هي عدالة لكل تعز"، وأن دماءها لن تذهب هدرا ما دام الآلاف يصرخون: "نريد مدينة آمنة تحكمها المؤسسات، لا الفوضى".

تعز تُناشد العالم: هل سنظل ننتظر؟
بين الهتافات الغاضبة والدموع المسكوبة على صور الشهيدة، تظل تعز مدينة تناشد العالم أن يسمع صرختها. صرخة لا تطلب ثأرا، بل تطالب بحق بسيط: العيش في أمان.
 ففي لحظات كهذه، تذوب الفوارق بين المكونات السياسية والاجتماعية، ليظهر الوجه الإنساني للمدينة التي رفضت أن تكون ساحة للدمار. وها هي اليوم ترفع راية العدالة، مُذكرة الجميع بأن "السلام ليس ضعفا، بل هو القوة التي تحفظ إنسانها"، كما قال الصوفي. 
السؤال الذي يتردد في كل زقاق بتعز: هل ستكون جريمة أفتهان نقطة تحول نحو مستقبل تُحترم فيه دماء المدنيين، أم ستُضاف إلى سلسلة الجرائم التي لم تُحسم بعد؟ الجواب، كما يبدو، بين أيدي من يحملون أمانة حماية هذه المدينة… وأمانة دم أفتهان.

متعلقات