عبد القوي الشميري
المؤتمر الشعبي العام في ذكرى تأسيسه الـ٤٣
الأحد 24 أغسطس 2025 الساعة 15:54

يستذكر اليمنيون ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام عام ١٩٨٢، والذي لم يكن مجرد تنظيم سياسي عابر، بل كان مشروعاً وطنياً جامعاً انطلق من مبادرة رائدة للرئيس الشهيد علي عبد الله صالح. ففي تلك المرحلة، التي لم تكن الحياة الحزبية والتعددية السياسية قد أُقرّت حينها رسمياً، كان الرئيس صالح يعلم بوجود العديد من التنظيمات السياسية التي تعمل في السر، ورغم أنه كان رجلاً عسكرياً، إلا أنه كان قريباً من القوى السياسية، ولذا فقد دعا إلى حوار وطني شامل.
لم تكن هذه الدعوة مجرد فكرة عابرة، بل سبقتها خطوات إجرائية وسياسية هامة، حيث دعا الرئيس في عام ١٩٨٠ إلى صياغة ميثاق وطني يجمع مختلف القوى والفئات اليمنية حول ثوابت وطنية مشتركة. ولتحقيق ذلك، تم تشكيل لجنة وطنية ضمّت ممثلين عن مختلف التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية، من علماء دين ومفكرين وعسكريين وأكاديميين وشيوخ قبائل ومستقلين، لإعداد مسودة "الميثاق الوطني".
بعد إعداد المسودة، تم عرضها على الشعب من خلال حوار مجتمعي ونقاشات وندوات في جميع المحافظات، وشارك ملايين المواطنين في تقديم الملاحظات والمقترحات. وفي خطوة غير مسبوقة، تم عرض الميثاق على استفتاء شعبي عام في مايو ١٩٨٢، حيث أُقِرّ بأغلبية ساحقة، مما منحه شرعية شعبية كأساس للتنظيم الوطني الجامع. وبعد إقرار الميثاق، بدأت اللجنة التحضيرية العمل على إنشاء كيان تنظيمي يترجم مبادئ الميثاق إلى برنامج عمل سياسي، ليُعلن رسمياً عن تأسيس المؤتمر الشعبي العام في صنعاء في ٢٤ أغسطس ١٩٨٢.
لم يُؤسَّس المؤتمر كحزب سياسي بالمفهوم التقليدي، بل كتنظيم جامع يضم مختلف أطياف المجتمع، بهدف بناء قاعدة سياسية عريضة تستوعب المكونات الاجتماعية والفكرية، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. كما أخذ في الاعتبار أهمية وجود كيان سياسي في الشمال للتفاوض مع الحزب الاشتراكي في الجنوب، لاستكمال خطوات تحقيق الوحدة اليمنية.
وقد كان المؤتمر الشعبي العام، إلى جانب الحزب الاشتراكي اليمني، شريكاً أساسياً في صناعة الحدث الأبرز في تاريخ اليمن الحديث: إعادة تحقيق الوحدة في ٢٢ مايو ١٩٩٠. وجاء إعلان الوحدة بالتزامن مع إقرار التعددية السياسية والحزبية، لتدخل البلاد عهداً جديداً من العمل السياسي المنظّم. وعلى مدى عقود، لعب المؤتمر دوراً محورياً في إدارة الدولة، والمساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي، وإنجاز مشاريع التنمية. كما أسهم في بناء مؤسسات الدولة، وتعزيز الأمن والدفاع، وتوسيع البنية التحتية، وساهم في ترسيخ مفاهيم الدولة المدنية والتداول السلمي للسلطة.
واجه المؤتمر الشعبي العام العديد من التحديات المفصلية، أبرزها ما حدث بعد العام ٢٠١١، حيث تعرّض لاستهداف ممنهج ومحاولات إقصاء من المشهد السياسي. ولكنه ظل ثابتاً على مواقفه الوطنية، وقدّم تضحيات جسيمة في سبيل الحفاظ على الجمهورية ومؤسسات الدولة. وفي ديسمبر ٢٠١٧، وقف المؤتمر وقفة وطنية حاسمة في وجه المشروع الحوثي، وأعلن رفضه القاطع للانقلاب، وعلى إثر ذلك ارتقى عدد من قياداته شهداء، وفي مقدمتهم الزعيم المؤسس علي عبد الله صالح، والأمين العام عارف الزوكا رحمهما الله، الذين سطّروا بدمائهم صفحة ناصعة في تاريخ النضال من أجل بقاء الدولة.
بعد تلك المحطة المفصلية، واجه المؤتمر محاولات تفكيك وإقصاء من قبل قوى الانقلاب وأطراف أخرى، أدّت إلى بروز بعض التباينات بين قيادته في الداخل والخارج. ورغم ذلك، تلاشت هذه التباينات بعد أن وصل الجميع إلى الحقيقة، وظل المؤتمر الشعبي العام رقماً صعباً في المعادلة الوطنية، بفضل تنظيمه المتماسك وقاعدته الجماهيرية الممتدة، وإيمانه الراسخ بالحلول السياسية، ورفضه لمشاريع الفوضى والانقلابات، ومحاولات فرض واقع جديد على شعبنا لا ينسجم مع فكره وتطلعاته، بل يحاول فرض واقع وثقافات غير أخلاقية على مجتمعنا.
إن المرحلة الراهنة تستدعي من المؤتمر، وكل القوى السياسية، أن تعزّز من تماسكها، وتوحّد قرارها السياسي، بما يعزّز من دورها المحوري في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب وتحقيق السلام وحماية النظام الجمهوري، والمساهمة في بناء مشروع وطني جامع لمواجهة التحديات الراهنة، وعلى رأسها الانقلاب الحوثي وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وهنا نؤكد أن المؤتمر الشعبي العام لم يكن يوماً من الأيام تنظيماً عابراً، بل كان ولا يزال أحد الأعمدة الوطنية الراسخة، وسيبقى قادراً على أداء دوره التاريخي في إنقاذ اليمن واستعادة دولة كل اليمنيين وتحقيق تطلعات أبنائه.
المجد والخلود للشهداء، والرحمة للزعيم المؤسس ورفاقه، والنصر لليمن الجمهوري الحر.