لماذا تفشل مكافحة التدخين في العالم العربي
الميثاق نيوز - إذا كان إدمان التبغ أكثر أسباب الوفاة التي يمكن تجنبها، فلماذا لا يتم التعامل معه على أنه آفة تهدد صحة البشر؟ فهو بالفعل آفة بلا حدود، مثل تغير المناخ تماما، ومع ذلك لا نلحظ محاولات جدية للحد من أضرار التدخين خاصة في المنطقة العربية.
تعتبر بعض مناطق العالم أكثر عدلا من غيرها عندما يتعلق الأمر بالوقاية من بقع النيكوتين الرئوية. فقد انخفضت مبيعات التبغ في أوروبا بنسبة لا تقل عن 38 بالمئة خلال العشرين عاما الماضية نتيجة لحملات التوعية وتدابير مكافحة التبغ. وتبدو هذه المبيعات متجهة إلى المزيد من الانخفاض.
لا يمكننا قول الشيء نفسه عن أفريقيا والشرق الأوسط؛ ففي هاتين المنطقتين، من المتوقع أن يبلغ عدد المدخنين 180 مليون فرد بحلول 2025، أي ضعف عددهم في أوائل القرن الحادي والعشرين. كما قالت منظمة الصحة العالمية إنها تتوقع أن ترتفع نسبة المدخنين الأفارقة إلى 40 بالمئة في عام 2025 مقارنة بالنسبة التي سجلت سنة 2010. ويرتبط جلّ هذا الوضع المأساوي بنقص الوعي الاجتماعي وغياب الإرادة السياسية، إذ يخلق هذان العاملان سياسات غير كافية في هذا المجال في المناطق العربية والأفريقية تحديدا.
تهاون الحكومات
تشير مجموعة كاملة من الأدلة إلى التهاون المستمر من قبل حكومات هذه المناطق. حتى من دون إحصاءات علمية أو استطلاعات مكلفة، تظهر الأدلة القصصية حقيقة محبطة وكئيبة.
وتحمل المجتمعات مفاهيم خاطئة إلى حد لا يصدق عن آفة التدخين. سيقول لك بعض الشباب العربي إن التدخين “يمسح الرئتين”، بينما تتشبث الشابات بفكرة أن السجائر “الخفيفة” أنثوية وليست ضارة، كما أصبح العديد من النساء المدخنات يتناولن الشيشة.
تنتشر هذه الممارسة في منطقة شمال أفريقيا بنفس الطريقة التي اكتسحت بها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الماضية. لطالما أوضحت إحصائيات السرطان في لبنان والأردن وسوريا الوضع الصحي الخطير، إذ أن القبول المتزايد لتدخين الشيشة بين النساء في المغرب الكبير يعرض الأسر، بما في ذلك الأطفال، إلى التدخين غير المباشر.
يبدو المسؤولون في المنطقة العربية طامعين في إيرادات الضرائب التي يحصلون عليها من تجارة التبغ، فهم يخشون أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى الحد من الإيرادات أو دفع المستهلكين إلى قطاع غير رسمي للحصول على مبتغاهم
وعلى صعيد سياسي يبدو جليا فشل الحكومات العربية في إقناع مدمني التدخين بضرورة الإقلاع عنه للحفاظ على صحة جيدة. وقد وقع إصدار قوانين وأنظمة في العديد من الدول بالعالم العربي لتقييد التدخين أو حظره، غير أنه لم تكن هناك إرادة سياسية كبيرة لفرضها.
وعلى الرغم من آثارها الضارة على الصحة والتكاليف التي تتحملها الدولة، من حيث الفواتير الطبية وغياب آليات التعامل مع بعض الأمراض الناتجة عن هذه العادة، لا ينظر معظم السياسيين إلى المشكلة كأولوية ملحّة.
وقد يجادل بعض السياسيين، الذين لا ينظرون إلى المستقبل، بأنه من الأفضل ألّا تفرض ضغوط إضافية على الشباب الذين يشعرون بالإحباط بسبب غياب فرص العمل عبر جملة من القيود المفروضة على بيع السجائر واستهلاكها، كانت لهجتهم كما لو أن السماح للشباب بتعريض أنفسهم للإصابة بسرطان الرئة يمكن أن يحسن امكانياتهم المهنية.
ويرى آخرون أن بعض الحكومات تمتلك الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المناسبين، وللمحافظة على هذا الاستقرار يستجيب صانعو القرار لأصحاب المطاعم من الذين يعارضون فرض قيود على التدخين، لذلك يغضون النظر عن التدخين وأضراره، بما أنه يحقق السعادة لمستهلكيه وينعش الدورة الاقتصادية أيضا.
سياسات التسويق
نجد كذلك جملة من سياسات التسويق القائمة على أساس جغرافي لشركات التبغ المتعددة الجنسيات، والواقعة في بلدان غارقة في ثقافة مكافحة التبغ. خذ سويسرا على سبيل المثال، حيث أظهر تحقيق أجراه معهد سويسري أن السجائر التي تصدّرها سويسرا إلى المغرب ودول أفريقية أخرى هي “أكثر إدمانا وأكثر سمّية من تلك التي تباع في سويسرا أو فرنسا”. وتصدر حوالي 75 بالمئة من السجائر التي تنتجها الشركات المصنعة السويسرية، وتولد مثل هذه الصادرات فوائد مماثلة لمنتجات رئيسية مثل الجبن والشوكولاتة.
وأظهرت الأبحاث التي أجرتها الشركة أن بعض ماركات التبغ المصنعة في سويسرا والتي تباع في المغرب تحتوي على نسبة نيكوتين تفوق 80 بالمئة النسبة الموجودة في السجائر التي تباع في سويسرا. ويبقى المشرعون السويسريون والأوروبيون غير مسؤولين عن صحة المدخنين الأفارقة والعرب، إذ أن ما يهم هذه الشركات هو جني كل الأرباح التي يمكنها الحصول عليها خارج حدود بلادها.
وتقيم المنطقة العربية خياراتها بخصوص الحد من التدخين لكنها مترددة في الحد من أضراره عبر فرض المزيد من الضرائب، إذ أن المسؤولين في هذه المنطقة لا يريدون ترك العوائد المالية التي يجنونها من تجارة التبغ.
وتحدّ زيادة الضرائب على منتجات التبغ من القدرة على تحمل تكلفة السجائر واستهلاكها. وبالتالي، تنقذ هذه الخطوة عددا من الأرواح البشرية. ولكن، يبدو المسؤولون في المنطقة العربية طامعين في إيرادات الضرائب التي يحصلون عليها من التبغ، فهم يخشون أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى الحد من الإيرادات أو دفع المستهلكين إلى قطاع غير رسمي للحصول على مبتغاهم.
وأمام تواصل استفحال ظاهرة التدخين في العالم العربي التي تهدد بموت كل من يدمن عليه يجب صياغة حلول جدية للحد من أخطاره، إذ يجب أن تكون مكافحة إدمان التبغ جديرة بالاهتمام وذات أولويّة مثل أولوية مكافحة تغير المناخ. وهو ما يقتضي بذل جهود عالمية، بما في ذلك اعتماد قواعد في التصنيع والتصدير وتبادل طرق نشر الوعي، من جهة ثانية فإن الشركات متعددة الجنسيات مطالبة بأن تدفع لبرامج الوقاية من التبغ بدلا من الاكتفاء بتمويل مبادرات تحفزها العلاقات العامة.
ويمكن أيضا وضع قوائم سوداء للبلدان والشركات التي تتحدى قواعد الصحة العامة في أي جزء من العالم. ولكن قبل أي شيء آخر، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية أكبر لتنظيف الهواء الذي نتنفسه من آثار السجائر والشيشة. ولا يجب أن نسمح بأن يبقى العالم العربي وأفريقيا ضحية هذه الآفة الخطرة.