أثارت فتوى نشرتها صحيفة مصرية مقربة من النظام العسكري الحاكم فتوى مثيرة للجدل عن مركز تابع للأزهر الشريف تحرم الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين، حالة من الجدل الفقهي والسياسي، كما أنها أثارت التكهنات حول حقيقة صدور تلك الفتوى عن مشيخة الأزهر.
وقالت صحيفة الوطن الاثنين، إنه ردا على سؤال لها "أجاب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في فتوى مكتوبة، بأن الانضمام لهذه الجماعة وغيرها من الجماعات الإرهابية محرم شرعا".
موقع "الوطن"، الذي نشر خبره تحت عنوان (لأول مرة.. "الأزهر" يفتي بحرمة الانضمام للإخوان: مفسدون يغرسون الفتنة)؛ نقلت عشرات الصحف والمواقع المصرية والعربية عنه تلك الفتوى معتبرة أنها الفتوى الأولى من الأزهر الشريف بحق جماعة الإخوان المسلمين، وأنها أول موقف واضح ومباشر ولا لبس فيه من قبل مشيخة الأزهر.
إلا أنه وبمراجعة موقع "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية"، في صفحته الرسمية عبر الإنترنت، وعبر موقع "فيسبوك"، لم يتم العثور على الفتوى.
ويعد المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية هو الدكتور أسامة هاشم الحديدي، فيما يشرف على قسم البحوث والتدريب الدكتور رضا محمود السعيد، فيما يعرف المركز نفسه عبر "فيسبوك"، بأنه "يهتم بنشر الفتاوى والإرشادات الفقهية على وسطية الإسلام ومنهج الأزهر الشريف".
وبمجرد نشر خبر الفتوى انهالت الفتاوى المؤيدة لها من قبل وزير الأوقاف مختار جمعة، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومجمع البحوث الإسلامية، مثمنين خطوة مركز فتاوى الأزهر بتحريم الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين.
"الفتوى تمثل الأزهر"
"عربي21"، توجهت إلى عضو "اللجنة العُليا للإفتاء" بالأزهر الشريف التي شكلها الشيخ أحمد الطيب، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، مفتي الجمهورية الأسبق، الدكتور نصر فريد واصل، الذي كشف أن "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، الذي صدرت عنه فتوى تحريم الانضمام لجماعة الإخوان يتبع مشيخة الأزهر".
عضو "هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف"، والقائم على مركز الفتوى بالأزهر، قال: "إننا في مشيخة الأزهر من نشرف على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية"، مؤكدا أنه "موقع رسمي يمثل الأزهر الشريف وشيخه الطيب".
وحول أسباب خروج الفتوى بهذه التخريجة عبر صحيفة الوطن وليس عبر فتوى مكتوبة واضحة مباشرة عن الشيخ الطيب، أوضح أن "موقع الوطن نقل عن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فعلا تلك الفتوى"، معلنا أنها "فتوى صحيحة وصادرة عن الأزهر وتمثل المشيخة".
وحول أسباب صمت شيخ الأزهر حول تلك الفتوى وعدم إعلانه نفي قبوله لها أو تأكيد موافقته عليها، قال: "لو كان لشيخ الأزهر موقف آخر لأعلنه صراحة"، وقال إن "الفتوى خرجت من تحت عباءتهم"، وكرر نص الفتوى بنفس نص الآيات والأحاديث المنشورة في صحيفة الوطن.
وفي رده على التساؤل "هل الفتوى بهذه الطريقة هي تخريجة لرفع الحرج عن الشيخ الطيب؟"، أوضح واصل أن "الشيخ الطيب في كل مؤتمراته يؤكد أن الخروج عن إجماع المسلمين حرام وإفساد في الأرض".
وتابع: "صحيح أنه لم يذكر اسم جماعة الإخوان المسلمين نصا في هذا الإطار ولكن الحديث ينطبق عليهم".
وقال رئيس "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح": "بل إن هذه الفتوى وغيرها لم تخرج إلا من خلال الأزهر، وهو يقرها، بل إن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، يتبع شيخ الأزهر، ومقر العاملين عليه داخل المشيخة".
وجزم بأنه "لا يخرج عن المركز أية فتاوى إلا بعد مراجعتها وموافقة كبار العلماء بالمشيخة عليها، وبل إن المركز تحت إشراف جميع الجهات بالأزهر الشريف، وهو ذو أهمية كبيرة حيث إنه لا يخاطب مصر فقط، بل يخاطب المسلمين في كل بلدان العالم".
وحول اعتبار أن هذه هي الفتوى الأولى الصريحة من الأزهر بحق جماعة الإخوان المسلمين، شدد عضو "اللجنة العُليا للإفتاء بالأزهر الشريف"، على أن "موقف الأزهر معروف وثابت وليس بجديد".
ولفت إلى أنه "رفض أي عمل إرهابي سابق ولاحق، وما قامت به جماعة الإخوان المسلمين إبان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، ولمدة عام بعد فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة يندرج تحت هذا الأمر".
وأكد أنه "لذلك فإن الفتوى، ونحن في الأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء، نحذر الشباب من الانضمام للجماعة لهذه الأسباب للحفاظ عليهم، وحتى لا يقوموا بأفعال الجماعة، وأي أحد ينضم إليها ويقبل فعلها تنطبق عليه الفتوى".
وألمح إلى أن "علماء الأزهر دعموا الإخوان وقت حكم البلاد، واعترفوا بهم حكومة شرعية، بل كنا في موقف داعم لهم، وقلوبنا معهم، وتمنينا أن يكون حكمهم في صالح تطبيق الإسلام؛ ولكن عندما خرج عليهم الشعب سقطت شرعيتهم، وكان واجب عليهم الانصياع لقرار الشعب الذي خرج عليهم".
"ضغوط على الأزهر"
الأزهر الشريف كان قد تعرض خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، لضغوط إعلامية من النظام العسكري الحاكم بمصر مطالبة شيخه أحمد الطيب بإصدار بيان رسمي يصنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
تلك المطالبات والضغوط على الأزهر جاءت إثر إصدار "هيئة كبار العلماء بالسعودية"، في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، و"مجلس الإمارات للإفتاء" في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، بيانات تصنف جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية".
وتزايدت تلك الضغوط بعد إشادة وزير الأوقاف مختار جمعة، ومفتي مصر شوقي علام ودار الإفتاء المصرية، ببيان "علماء السعودية"، وتأييدهم العلني له.
وفي رده على ما ورد بفتوى "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية" وعلى ما قاله الدكتور نصر فريد واصل، قال الداعية الإسلامي المقرب من جماعة الإخوان المسلمين ومستشار وزير الأوقاف الأسبق الشيخ سلامة عبد القوي: "بالفعل المركز يتبع الأزهر الشريف".
عبد القوي، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه حقيقة والمشرف العام عليه هو الدكتور نصر فريد واصل بنفسه، رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، التي أسسها نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس خيرت الشاطر، إبان عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي".
وحول مضمون الفتوى، قال إن "الفتوى جاءت ردا على سؤال لموقع الوطن، وجه للمركز، ونحن نعرف أن (الوطن) أحد أذرع النظام العسكري الإعلامية، وبالتالي فالسؤال إن وجه بالفعل فهو مقصود والسائل وضع السؤال والإجابة معا".
وأكد أن "الجهة العسكرية المخابراتية هي التي صنعت السؤال، وهي التي أجابت عليه، ووجهت السؤال والإجابة لمركز الأزهر على خلاف المعتاد من صدور الفتوى عن دار الإفتاء التي لم تقصر طوال السنوات الماضية في نحت فتاوى سياسية عسكرية بامتياز وأوصاف لا علاقة لها بدين".
ويعتقد الشيخ عبد القوي، أن "العسكري الذي يدير هذا الملف أحب أن ينوع بخروج الفتوى من الأزهر بدلا من الإفتاء، لأن الشعب والمثقفين والعلماء فقدوا الثقة بها؛ ولذلك بحث عن جهة أخرى تكون ربما ما زالت تحظى بشيء من المصداقية، وأراد أن تكون الفتوى ممهورة بختم الأزهر".
وأضاف: "أضع هنا علامة تعجب واستفهام؛ لماذا لم تخرج الفتوى ممهورة باسم شيخ الأزهر؟ وهذا يؤكد أنه يرفض الفتوى شكلا وموضوعا، ولهذا وحسب منهج الشيخ الطيب، في قاعدة أخف الضررين خرجت الفتوى باسم المركز التابع للأزهر، وهذا من حيث الشكل".
وتابع: "ومن حيث الشكل أيضا فالفتوى تأتي بعد فتوى هيئة كبار علماء السعودية ومجلس حكماء الإمارات، وطبيعي أن يغزل الكل على منوال حرمة الانضمام للجماعات المتطرفة".
وأوضح الداعية المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، أنه "من حيث المضمون، فالفتوى التي أخرجها العسكر وفرضوها على الأزهر عند نقاشها من الناحية العلمية لن نجد فيها أي كلام عن جماعة الإخوان المسلمين، رغم ذكرهم للجماعة في السياق".
وأكد أن "الأصل في أي سؤال يطلب الفتوى حول الانضمام لجماعة معينة أن يأتي الرد مؤصلا لعدة أمور أولها خطورة هذه الجماعة، ثم سرد بعض العقائد أو الاعتقادات أو الأدبيات أو الوقائع كدليل على ما نصل إليه بالفتوى".
وأشار إلى أنه "يجب أن يقال إن جماعة الإخوان المسلمين تحمل فكرا يخالف العقيدة الإسلامية كما ورد في كتابهم كذا وصفحة كذا مثلا، أو أنها تنكر أصلا معلوما من الدين بالضرورة كما جاء في كتاب قائدهم فلان أو خطاب زعيمهم فلان، أي أنه لا بد ذكر الوقائع".
وتساءل الشيخ عبد القوي: "الأزهر الآن يقول إن الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين حرام؛ فما السبب؟ وهو سؤال يطرحه المسلم العادي، والشباب الذين يحذرهم من الانضمام للجماعة".
وأضاف: "هل هذه الجماعة في فكرها ومعتقدها تخالف الكتاب والسنة؟ الإجابة لا؛ وإلا فلماذا كنت تعمل معهم يا دكتور واصل؟ ولماذا كنت تعمل معهم يا دكتور أحمد الطيب؟".
وواصل الشيخ تساؤلاته: "هل هذا الفكر يخالف الكتاب والسنة؟ بالطبع لا، ولكنه يخالف العسكر، الإجابة: نعم، إذن هنا الفتوى خرجت عن سياقها العلمي والشرعي إلى سياق عسكري سياسي".
مستشار وزير الأوقاف الأسبق، خاطب الشيخ واصل وشيخ الأزهر بقوله: "يا شيخنا هل هذه الجماعة تطالب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وموالاة الصهاينة؟ الإجابة: لا، وكان أولى بمؤسسة عريقة كالأزهر، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف، أو هيئة كبار علماء السعودية، وحكماء الإمارات، أن يصدروا فتوى عن حكم التطبيع مع الكيان الصهيوني".
وأكد الشيخ أنه "في المجمل: الفتوى من حيث الشكل سياسية عسكرية، ومن حيث المضمون ليست شرعية أو علمية يمكن أن توضع بكتب الفتاوى يوما، ولكن توضع بسياق الفتاوى التي خرجت قديما بعهد الرئيس جمال عبد الناصر، عندما وضع الأزهر بقيادة الشيخ عبد الرحمن تاج، وقتها فتوى تحرم الانضمام للإخوان وتصفهم بالخوارج".
وأضاف: "التساؤلات وعلامة التعجب تزول بتذكر أن من يحكم مصر عسكري لا يرضى أن يكون هناك صوت إلا صوته، وللأسف أن التاريخ العسكري يعيد نفسه ولن يتغير، والعقلية الأزهرية المنبطحة تحت القيادة العسكرية تتمدد وتتطور ولن تتغير".
وجزم الشيخ بأن "الحكم الشرعي أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة من المسلمين، عقيدتها صحيحة كعقيدة أهل السنة، ومنهجها سليم وصحيح مبني على الكتاب والسنة، وحب الصحابة، وتقدير سنة الرسول الكريم".
وقال إن "فكرتها مبنية على محاربة الكيان الصهيوني؛ ولذلك لا يجب أبدا أن نفصل هذه الفتوى من حيث توقيت ظهورها عن الوقت السائد الآن، لأنه بعدما تم القضاء على جماعة الإخوان بدأت موجات التطبيع وكأن السعودية والإمارات ومصر السودان، وأوروبا وأمريكا، انتظرت ذلك حتى يتم التطبيع".