يبدو أن اليمن اليوم بات يعاني أكثر من أي وقت مضى من ظاهرة “عدم المساواة بين الجنسين” في مجالات عدة، أهمها التعليم.
وكل يوم تتوارى أحلام ومستقبل الملايين من اليمنيات، اللواتي وقعن تحت مقصلة الحرمان من التعليم، لاعتبارات تتعلق بالنظرة تجاه المرأة والعادات والتقاليد والتشدد الديني، وظروف أخرى أشد تعاني منها البلاد.
إضافة إلى ذلك، فإن أرباب الأسر من الذكور الذين تتملكهم الأفكار التقليدية، يرفضون تلقي بناتهم وأخواتهم وبنات أخواتهم وبنات إخوانهم التعليم على أيدي معلمين من الذكور، ما يعمق من الفجوة بين المتعلمين من الجنسين في اليمن، ناهيك عن معوقات ثقافية ومالية تحول دون التحاقهن بالمدارس، منها نقص المعلمات.
تروي أميرة محمد، من مديرية الجبين في محافظة ريمة، قصتها المؤلمة مع حرمان أسرتها لها من التعليم بقولها: “أخرجتني أسرتي من المدرسة عندما وصلت إلى الصف السادس أساسي، لاعتبارات تتعلق بعادات اجتماعية تحظر على الفتاة اختلاطها بالطلاب في صف واحد، ولأنه لا يوجد فصول تعليمية خاصة بالفتيات أيضاً”.
وبعد أن كبرت أميرة، شعرت أنها بحاجه للقراءة والكتابة، غير أن الظروف لم تسمح لها بذلك، وتوضح أن “غالبية الشعب اليمني ينجبون كثيراً، ما أدى إلى ارتفاع نسبة المواليد، ولهذا بات من الصعب توفير احتياجات ولوازم الدراسة، لهذا يكون خيار تعليم الذكر أهم من الفتاة”.
أرقام مفزعة
في المقابل، تظهر إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية لعام 2017، أن نسبة الإناث في المرحلة الأساسية بلغت 42 في المئة، مقابل 16 في المئة في المرحلة الثانوية، ما يؤكد أن الأسر تمنع بناتها من مواصلة التعليم.
وبالنسبة إلى التعليم الجامعي، تقدّر نسبة الفتيات 7.5 في المئة مقابل 18 في المئة من الذكور، وتكشف هذه الأرقام تمييزاً على أساس الجنس في التعليم.
ويؤكد ذلك ما كشفه تقرير لمنظمة “اليونيسيف” من أن عشرات الآلاف من اليمنيات، اللواتي كن أصلاً ملتحقات في المدارس، حرمن من حقهن في التعليم خلال العامين 2018 و2019، بسبب عجز أسرهن عن توفير أبسط احتياجاتهن المتمثلة في وجبة الإفطار، وعدم قدرتهم على توفير المستلزمات المدرسية.
استثناء الفتيات
تؤكد ميسون علي، وهي معلمة في أحد أرياف العاصمة صنعاء، أن هناك فئة من الناس تشجع أولادها على التعليم، وتستثني الإناث اللواتي تكتفي أسرهن بتعليمهن القراءة والكتابة فقط في المراحل الدراسية الأولى.
وتعدد ميسون أهم التحديات التي تحول دون مواصلة الفتيات تعليمهن، والتي تتمثل في الجهل بأهمية التعليم من قبل الأهالي، أو التلاميذ أنفسهم، والفقر الذي جعل الأسر ترى التعليم في أدنى سلم أولوياتها مقابل البقاء على قيد الحياة في ظل الظروف المعيشية الصعبة واستمرار الحرب، وتنصل الحكومات عن القيام بواجباتها في مجانية التعليم للجميع، ونشر الوعي وحث الفتيات على مواصلته.
مسؤولية المجتمع
من جهة ثانية، توضح الأستاذة نجاة الفضلي، وهي مديرة مدرسة الجيل الجديد بصنعاء، أن تدني التعليم في أوساط الفتيات، يعود بدرجة رئيسة إلى المجتمع الذي لا يمتلك أي وسائل تشجيع للفتاة، فالأسر هي من ينبغي عليها تشجيع أبنائها ومساعدتهم على ذلك.
تقول الفضلي، إن دور الدولة منعدم لظروف الحرب، بل تسعى إلى عدم التعليم، لأغراض تخدمها، كالتوجه للقتال من فئة الشباب بخاصة، ليضاف هذا إلى تحديات اقتصادية ومعيشية صعبة تواجه الأسر اليمنية، تمنعهم من دفع بناتهم إلى المدارس، وتعزز نظرة قبلية ومستقبلاً غير مشجع وحالاً غير مستقرة حتى للواتي أكملن تعليمهن وفضلن الزواج على العمل من دون راتب.
إلا أنها تستدرك بقولها، إن تعليم الفتيات في المدن أفضل من الريف، بفعل توفر الوعي والمدارس والجامعات، واحتكاك الفتيات بنظيراتهن المتعلمات، وهو ما يوفر بيئة مشجعة ومحفزة لهن لمواصلة تعليمهن، مقارنة مع الريف الذي لا تتعدى فيه الفتاة في أحسن الأحوال المرحلة الأساسية.
مجتمع ذكوري
إجمالاً فإن اليمن غالباً ما يقبع في المراكز المتأخرة في التصنيفات الدولية لحقوق المرأة، إذ يلتحق نصف عدد الإناث فقط بالمدرسة الابتدائية، بينما اثنتين من كل ثلاث نساء في البلاد يعتبرن أميات، وفقاً لإحصاءات “اليونيسيف”، كما اعتبر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي للفجوة بين الجنسين، اليمن أحد أسوأ البلدان التي يمكن للمرأة أن تعيش فيها ضمن 136 بلداً شملها التقرير.
وأدت الصور النمطية السلبية بشأن أدوار النوع الاجتماعي والمواقف الذكورية، والنظام القانوني التمييزي، وانعدام المساواة الاقتصادية، إلى مفاقمة الوضع الهش للمرأة في ما يخص فرصها في التعليم، والحصول على بقية الحقوق السياسية والاقتصادية، إضافة إلى أن النساء يواجهن محدودية الحركة، بسبب المعايير الثقافية السائدة بين الجنسين، التي تحظر على المرأة التحرك بمفردها من دون رجل من أقاربها.
انهيار التعليم
وفي العام 2019، كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، في تقرير لها بشأن وضع التعليم في اليمن، أن نحو 500 ألف طفل يمني انقطعوا عن الدراسة منذ تصاعد الصراع أخيراً، ليضافوا إلى مليوني طفل يمني أصبحوا خارج المنظومة التعليمية منذ بدء الحرب في البلاد عام2015 .
ووفقاً للتقرير، فإن أكثر من 2500 مدرسة لا تعمل في اليمن، إذ دُمر نحو 66 في المئة منها بسبب العنف المباشر، فيما أُغلق 27 في المئة، ويُستخدم 7 في المئة في أغراض عسكرية أو أماكن إيواء للنازحين.
وذكرت” اليونيسيف”، أن المنظومة التعليمية في اليمن تأثرت بشكل كبير بسبب عوامل عدة، منها التوقف عن صرف رواتب الكوادر التعليمية العاملة في ثلاثة أرباع المدارس الحكومية منذ أكثر من سنة، ما جعل تعليم قرابة 4.5 ملايين طالب على المحك.