بعد ست سنوات من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، عززت حركة الحوثيين، المعروفة باسم أنصار الله، من قبضتها على شمال اليمن. وهي تحكم حالياً ما يقرب من 70٪ من سكان البلاد، حيث شنت في العام 2020 هجمات عسكرية جديدة في الجوف ومأرب والحديدة. وعلى الصعيد الداخلي، قامت الجماعة بقمع المُعارضة وظفرت بالسيطرة الكاملة على ما تبقى من الدولة اليمنية، وعينت الموالين في الهيئات المدنية والعسكرية، ونقلت السلطات من المؤسسات الحكومية إلى شبكة موازية من المشرفين الحوثيين. وقد قام جهاز أمني واسع، بُني على أنقاض أجهزة استخبارات عهد علي عبد الله صالح (انظر تقرير: فريق خبراء الأمم المتحدة، 27 يناير)، بالتركيز على حماية نظام الحوثيين ومراقبة تحركات الأعداء المشتبه بهم، بما في ذلك المنظمات الإنسانية.
ومن بين النجاحات التي يتباهى بها المسؤولون الحوثيون استعادة الأمن والاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والتي تختلف عن الفوضى التي تعاني منها المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دولياً وقوات التحالف المتحالفة معها (انظر لـ: وكالة الأنباء اليمنية، 21 ديسمبر 2019). (المسيرة، 21 يوليو 2020؛ وأنصار الله، 2 يناير 2021).
وعلى الرغم من هذه المساعي القمعية، لا تزال التوترات تتصاعد في شمال اليمن. من الانتفاضة الفاشلة التي حرض عليها الرئيس السابق وحليف الحوثيين السابق علي عبد الله صالح، إلى التمردات القبلية المتشتتة والاقتتال الداخلي داخل صفوف الحوثيين، لتتحول المقاومة المحلية لحكم الحوثيين إلى مقاومة عنيفة في عدة محافظات. وفي مواجهة اندلاع معارضة لهم، اتهم الحوثيون “قوات مسلحة أجنبية” بأنشطة إرهابية، واستخدموا العنف لإجبار المعارضين الداخليين على الخضوع. غير أن جذور هذه الوقائع ذات طبيعة محلية إلى حد كبير. فهي لا تسلط الضوء على الطبيعة غير المستقرة والعنيفة للحكم في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون فحسب، بل أن وقوعها يتحدى روح النظام السياسي في زمن الحرب القائم على رضوخ وتواطؤ القطاعات المجتمعية مع سلطات الدولة التي يهيمن عليها الحوثيون (انظر ستانلاند، 2012).
يعتمد هذا التقرير على بيانات (مشروع بيانات النزاع المسلح) لدراسة أنماط الاقتتال الداخلي والقمع في المناطق اليمنية التي يسيطر عليه الحوثيون منذ عام 2015 وحتى الآن. ويظهر انتشار الصراعات المحلية داخل حركة الحوثيين، وبين الحركة والقبائل، في جميع أنحاء الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين. يظهر انتشار هذه الصراعات خلف التصور المزعوم للوحدة في مواجهة “العدوان”، بيد أن هذا الانتشار الجغرافي لم يترجم إلى جبهة وحدوية ضد الحوثيين. ويعكس وجود مقاومة محلية لهيمنة الحوثيين وزحفهم على المناطق القبلية، والتي ما تلبث أن تتراجع أمام آلة القمع الحوثية.
الاقتتال الداخلي
على الرغم من تماسكها الظاهري، تتكون القوات المسلحة الموالية للحوثيين من تشكيلة من المسلحين والجنود المحترفين. وتتألف هذه القوات من حوالي 000 200 جندي، تم تجنيد ثلثيهم منذ بدء الحرب، وفقاً لتقرير حديث (انظر: موقع المصدر، 3 يناير 2021). وإلى جانب الجيش النظامي، تعمل وحدات عسكرية خاصة وميليشيات مسلحة تحت قيادة مسؤولين حوثيين رفيعي المستوى، وشيوخ قبائل مواليين لهم، وشخصيات بارزة أخرى قادرة على حشد الدعم محلياً. وفي حين يُتوقع أن يظهر القادة المحليون التزاماً إيديولوجياً بقضية الحوثيين، يتمتعون أيضاً باستقلال ذاتي نسبي، حيث يعملون كشبكة من الميليشيات التي تشارك في استخراج الجبايات وتجنيد المقاتلين لدعم المجهود الحربي (انظر: ديوان، 25 نوفمبر 2020).
غير أن هذا الهيكل “الشبيه بالكارتلات” (انظر: شيبان، 4 ديسمبر 2020)، بقى عرضة لإذكاء التوترات داخل الحركة. ويقال إن الفصائل المتناحرة موجودة بين كبار المسؤولين الحوثيين الذين يتنافسون على الوصول إلى مواقع السلطة والسيطرة على الريع. وفي حين أن هذه المخاوف نادراً ما يتم الاعتراف بها علناً، إلا أن المخاوف بشأن موازنة التأثير النسبي على صنع القرار يحدد توزيع وظائف وموارد النظام (العربية، 19 يوليو 201؛ مأرب برس، 28 ديسمبر 2019). ففي مختلف أنحاء الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، نشأت توترات بين زعماء الجماعات الحوثية المحلية، والمعروفين بشكل ازدرائي متحوثين (ACAPS، 17 يونيو 2020)، وقادة الميليشيا الذين ينحدرون من المحافظات الشمالية لليمن، مهد أنصار الله. وقد ظهرت هذه الأعمال العدائية رداً على تعدي قادة المليشيا في اليمن الوسطى على حقوق النخب الحوثية المحلية (المتحوثين)، التي تواجه تهميشاً متزايداً في المؤسسات السياسية والأمنية.
وتكشف البيانات التي سجلها (مشروع بيانات النزاع المسلح) أن الاقتتال الداخلي داخل صفوف الحوثيين بلغ ذروة جديدة في عام 2020 (انظر الشكل أدناه). ففي عام 2020، سُجلت أكثر من 40 معركة واضحة بين قوات الحوثيين المتعارضة في 11 محافظة، مقارنة بـ 15 معركة وزعت على ست محافظات في عام 2018 و31 معركة في سبع محافظات في عام 2019. منذ عام 2015، شملت المواجهات مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة داخل معسكر الحوثيين، بما في ذلك قوات الجيش النظامي، وجنود الحرس الجمهوري الموالين لعلي عبد الله صالح وابن أخيه طارق (الذي يقود الآن القوات المناهضة للحوثيين على الجبهة الغربية)، والمشرفين الحوثيين المحليين (المشرفين). ومع الاستثناء الملحوظ للأحداث التي وقعت في ديسمبر 2017 – عندما ارتفع الاقتتال الداخلي كنتيجة مباشرة لانهيار تحالف الحوثيين وصالح، فإن الذي كان يحرك هذا العنف الضاري منذاك هو عدد من الصراعات المحلية بين عناصر نظام الحوثيين حول امتلاك الأراضي، والسيطرة على نقاط التفتيش، وجمع الضرائب.
الشكل 1-الاقتتال الداخلي في صفوف الحوثيين- أعداد المعارك
وعلى الرغم من الانخفاض النسبي عن المستوى القياسي الذي سجله عام 2019، لا تزال محافظة إب “بؤرة الاقتتال الداخلي” في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث سجلت ما يقرب من ربع إجمالي الأحداث التي سجلها (مشروع بيانات النزاع المسلح) في عام 2020(انظر الشكل أدناه). منذ عام 2017، تصاعدت التوترات بين مدير الأمن المحلي عبد الحافظ السقاف، الحليف السابق لصالح والميسر لتقدم الحوثيين في إب، وبين الفصيل الحوثي الموالي من صعدة، إلى اشتباكات عنيفة شملت شبكاتهم القبلية المتحالفة مهم وأغرقت المحافظة في حالة عدم الاستقرار (للمزيد، انظر تقرير “مشروع بيانات النزاع المسلح” حول الاقتتال الداخلي الحوثي في إب). في الواقع، هذه الاشتباكات هي شهادة على الاستياء المحلي القائم بين الجماعات التي كانت قد حرضّت على استيلاء الحوثيين على السلطة في وسط وشمال اليمن في العامين 2014 و2015، أو دعمت ذلك بنشاط، وتم التخلص منها لاحقاً من قبل الموالين للحوثيين. وفي الآونة الأخيرة، تواصل اندلاع موجات متفرقة من العنف بين فصائل الحوثيين المتناحرة خلال النصف الأول من عام 2020، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص بين يناير ويوليو.
الشكل 2- الاضطرابات القبيلية والقمع الحوثي في شمال اليمن 2015-2020
وشهدت محافظات أخرى زيادة ملحوظة في أعمال العنف الداخلي في عام 2020. وفي البيضاء، شهدت مدينة رداع، التي كانت قد وقعت تحت سيطرة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في عام 2012 (موقع فان فين، 29 يناير 2014)، عدد من المواجهات العنيفة بين فصائل حوثية متنافسة مرتبطة بالشبكات القبلية المحلية لـ (ريام) و(قيفة الجوف) (موقع حفريات، 12 يناير 2020، وموقع المصدر، 19 يوليو 2020). ويجمع النزاع بين المظالم القبلية على النزاعات على الأراضي والقتل الثأر والأعمال العدائية الفصائلية بين زعماء الحوثيين في رداع. وفي الحديدة، اندلعت اشتباكات في المديريتين الجنوبيتين “التحيتة” و”حيس” بسبب توزيع الجبايات بين القادة الحوثيين المحليين، مما أثار تأليب القادة المحليين المتحوثين من سهول تهامة ضد المشرفين الحوثيين من عمران فيما بينهم البين (قناة العربية، 12 فبراير 2020، وصحيفة الأيام، 28 نوفمبر 2020). كما أُبلغ عن وقوع حوادث مماثلة شمال صنعاء (موقع وكالة الخبر، 19 أكتوبر 2020)، وفي تعز (يمن شباب، 28 آذار/مارس 2020)، وفي مأرب حيث بدت ملحوظة بشكل خاص بسبب تورط قائد المنطقة العسكرية الثالثة مبارك المشن الزيدي (موقع المشهد اليمني، 26 مارس 2020).
ويعكس هذا التسلسل المتفاوت للأحداث عبر الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون التوترات التي تُحدث بين مركز الحركة وأطرافها. وفي بعض الأراضي، تواجه مركزية السلطة في أيدي دائرة داخلية من الموالين للحوثيين معارضة من الفصائل المحلية التي تتعرض لخطر فقدان السلطة. وفي بعض الأحيان، اندمج الاقتتال الداخلي بين الفصائل مع النزاعات الطائفية، مما دفع زعماء الحوثيين المحليين إلى حشد مؤيديهم القبليين (المشهد اليمني، 13 يناير 2020). وفي الواقع، فإن العلاقات بين الحوثيين والقبائل ازدادت توتراً بشكل أكثر في معظم شمال اليمن، مع ارتفاع مستويات المقاومة القبلية والقمع الحوثي.
الاضطرابات القبلية
منذ العام 2015، قادت القبائل الحملة العسكرية ضد الحوثيين في العديد من جبهات القتال في جميع أنحاء اليمن، على الرغم من أن الدعم المتقطع أو غير الكافي من القوات المسلحة للحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية، كان سبباً متكرراً للإحباط. خلال العام الماضي، شنت قبيلة مراد مقاومة شرسة ضد هجوم الحوثيين في مأرب، وسط فشل ذريع من الجيش في تنسيق وقيادة القتال (ناجي، 29 سبتمبر 2020). وبالمثل، تم تجنيد مقاتلين وشيوخ قبليين للانضمام إلى الألوية المرتبطة بالحكومة والتحالف، مثل اللواء ثاني عمالقة القوي المنتشر على الجبهة الغربية، والذي تشكل قبيلة الصبيحة السواد الأعظم فيه (موقع المصدر، 3 يناير 2021). وإلى جانب القتال، نجحت الوساطة القبلية أيضاً في تحقيق عدد من عمليات مبادلة السجناء بين الحكومة والحوثيين، وغالباً ما تفوقت على جهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة (موقع المصدر، 9 ديسمبر 2019؛ الدوسري، 10 نوفمبر 2020).
داخل الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، كان التعايش القبلي مع أنصار الله مختلطاً. وتحت مظلة هيئة الشؤون القبلية، مكّن التحالف مع علي عبد الله صالح الحوثيين من تأمين دعم، أو على الأقل رضوخ، المشايخ القبليين الذين اختارهم الرئيس السابق (ACAPS، 13 أغسطس 2020). وقد عُرض على المشايخ مناصب في المؤسسات الحكومية الوطنية والمحلية، وكانت لهم أهمية أساسية في الحفاظ على استقرار التحالف بينهما على المستوى المحلي. في ديسمبر 2017، فشل صالح في تعبئة شبكته القبلية بعد انفصاله عن أنصار الله، مما يشير إلى أن بعض القبائل قد تحولت بشكل عملي نحو الحوثيين. ومنذ ذلك الحين، ازدادت علامات الفوضى القبلية في وسط وشمال اليمن. وقد يعكس ذلك قدرة صالح على تماسك “شبكة واسعة من التحالفات القبلية العابرة للطائفية” (الدين، أبريل 2019/ كارينجي) امتدت إلى ما هو أبعد من المناطق الجغرافية والطائفية التقليدية للنفوذ الحوثي، وفي غيابه ظهر عدم الارتياح من هيمنة الحوثيين.
ويبدو أن البيانات التي جمعها مشروع بيانات النزاعات المسلحة بشأن الاضطرابات القبلية تؤكد هذه الاتجاهات. ومن أجل تحديد مفهوم الاضطرابات القبلية، لا تشمل هذه البيانات سوى أحداث عنف منظمة تحدث في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، ولا تتطرق لاستهداف المجتمعات القبلية والمواجهات مع القبائل المدعومة من الحكومة أو التحالف على طول جبهة القتال. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يُظهر الشكل أدناه أن المواجهات العنيفة بين قوات الحوثيين والقبائل المسلحة بلغت ذروتها في عام 2019، حيث زادت ثلاثة أضعاف عن العام السابق، وتراجعت قليلاً في عام 2020. ومع ذلك، كانت هذه الزيادة قد بدأت بالفعل في عام 2018، بعد الانقسام بين صالح والحوثيين. ويكشف هذا الرقم أيضاً أن العنف الذي يستهدف أبناء القبائل والجماعات الأهلية غير المسلحة قد ازداد بشكل كبير خلال العامين الماضيين، وهو ما يعكس تزايد القمع الحوثي.
الاضطرابات القبيلية والقمع الحوثي في شمال اليمن 2015-2020
انتشرت الاضطرابات والقمع في المناطق القبلية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بين عامي 2015 و2020، على الرغم من أن هذا العنف يغلب عليه الطابع المحلي (انظر الشكل أدناه). وقد ظهرت مقاومة هيمنة الحوثيين استجابة لدعوة صالح إلى الانتفـاضة ضد حلفائه السابقين في حجة (البيان، 9 ديسمبر 2017) ومحافظات صنعاء (الوطن، 12 ديسمبر 2017) تضامناً مع القبائل الأخرى التي تواجه قمعاً عنيفاً من الحوثيين (المصدر، فبراير 2019)، وبالترابط مع النزاعات المحلية المتعلقة بأراضي وأعراف القبائل. في الواقع، أدى إنفاذ أحكام تعتبرها القبائل غير شرعية، فضلاً عن الاعتقال القسري لأفراد القبائل، إلى حمل السكان المحليين السلاح ضد الحوثيين في عدة محافظات شمالية (قناة العربية، 2 يناير 2018؛ والشرق الأوسط، 13 نوفمبر 2018؛ قناة العربية، 13 ديسمبر 2020؛ والمشهد اليمني، 28 ديسمبر 2020). ويظهر التوجه الذي تم تسليط الضوء عليه في البيانات المذكورة أعلاه وأدناه باستخدام العنف الذي يستهدف الجماعات القبلية لتسوية النزاعات، أو كشكل من أشكال الانتقام لمعاقبة المقاومة ضد الحوثيين. وقد زادت بشكل كبير على مدار العامين الماضيين التقارير التي تفيد باستهداف المجتمعات بالقصف العشوائي، وكذلك رجال القبائل وزعماء القبائل الذين قتلهم أو اختطفهم المشرفون الحوثيون، بعد رفضهم دفع الضرائب أو الانضمام إلى جبهة القتال.
الشكل – الاضطرابات القبيلية والقمع الحوثي في شمال اليمن 2015-2020
واشتدت وتيرة الاضطراب القبلي بشكل أكثر حدة في حجة والبيضاء، حيث وقعت انتفاضتان أطلقتهما قبيلتا حجور وآل عواض في 2018 و2020. وعلى الرغم من أنهما ذات طابع محلي، فإن دينامييات الانتفاضتين تتشاركان قواسم مشتركة بارزة. وقد انحاز شيوخ القبائل في كل من حجور وآل عواض، وإن كان ذلك بشكل غير مريح، إلى جانب الحوثيين في أعقاب التدخل الذي قادته السعودية في عام 2015 (موقع اليمن العربي، 18 يناير 2017؛ والمشهد اليمني، 11 مارس 2019). ومع ذلك، فبعد مقتل علي عبد الله صالح، استغل السخط من عمليات التوغل المتكررة في الأراضي القبلية وانتهاك التقاليد القبلية، لتعبئة المجتمعات القبلية ضد الحوثيين (الأيام، 19 فبراير 2019؛ وأكابس 13 أغسطس 2020). ورداً على ذلك، اتهم الحوثيون زعماء القبائل ذوي النفوذ المتحالفين مع المؤتمر الشعبي العام، بمن فيهم الشيخ فهد دهشوش وياسر العوضي، بالتحريض على الفتنة والتواطؤ مع القوات الأجنبية، موجهين ضربة قوية لجهود الوساطة المحلية لمنع تصعيد النزاع (أنصار الله، 1 ديسمبر 2019؛ العربي، 17 يونيو 2020). ونظراً لعدم وجود أي دعم عسكري كبير من الحكومة والتحالف، فإن التعبئة القبلية لم تتكافأ مع القدرات العسكرية الأكبر للحوثيين، التي نجحت في نهاية المطاف في عزل القبائل وسحق الانتفاضات (موقع المصدر، 29 أبريل 2020 ؛ الدوسري، 22 يونيو 2020). وبالإضافة إلى خوض القتال مع القبائل، أفادت التقارير أيضاً أن قوات الحوثيين قامت بنهب القرى القبلية وقصفتها بشكل عشوائي.
وهناك عنصر آخر مشترك بين الانتفاضتين، وهو ما تردد عن تدمير الحوثيين لمنازل القبائل. فوفقاً للأعراف القبلية، فإن المنازل أماكن مقدسة، ويجب تعويض أي انتهاك أو إهانة لمكانتها (أكابس، 13 أغسطس 2020). ومع ذلك، فإن تدمير أي منزل يمثل إذلالاً مادياً ورمزياً، يمكن أن يحرم الشيخ القبلي من السلطة والاحترام وسط مجتمعه وخارجه. ففي فبراير 2014، فجر الحوثيون منزل عائلة الأحمر في عمران، وهي علامة تحذير لمشايخ قبليين آخرين يخططون لمعارضة تقدم الحوثيين في أراضي حاشد (الدوسري، 17 فبراير 2020). لم يكن هذا الحدث الأخير، فقد اشتد استخدام هذه التكتيكات في الواقع طوال فترة الحرب: فالبيانات التي جمعها مشروع بيانات النزاع المسلح تكشف عن أن الحوثيين فجروا أو أحرقوا أو قصفوا منازل تابعة لزعماء قبليين ومجتمعيين وحزبيين في ما لا يقل عن 51 منطقة في 17 محافظة (انظر الشكل أدناه)، وقد حدث التدمير المتعمد للمنازل القبلية عادة رداً على ظهور المعارضة المحلية لحكم الحوثيين، وكان الهدف منها إخضاع المنتفضين وترهيب المنشقين المحتملين (ذي ناشنال 13 فبراير 2019، ورايتس رادار، يونيو 2019؛ ويمن ويندو، 20 يوليو 2019).
أصبحت العلاقات بين الحوثيين والقبائل متوترة بشكل متزايد منذ القتل العنيف لـ علي عبد الله صالح. بدون أن يكون الرئيس السابق حياً يشرف على شبكة مناصرته ويهدئ المخاوف القبلية بشأن نوايا حلفائه، قطعت بعض القبائل في وسط وشمال اليمن علاقاتها مع الحوثيين، مما أثار تمردات قصيرة الأجل. وقد رد الحوثيون على المعارضة القبلية المتصاعدة بقمع شديد، مما أدى إلى ارتفاع مستويات العنف التي تستهدف المدنيين وتولد المزيد من التوتر بين القبائل.
الختام
وفي حين اتسمت معظم مناطق جنوب اليمن بالتشرذم والتمرد (للمزيد، انظر سلسلة تحليلات مشروع بيانات النزاعات المسلحة: خارطة مجموعات مسلحة غير معروفة في اليمن، فضلاً عن تقريرنا الأخير عن التحول في زمن الحرب في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية)، يشكل الاقتتال الداخلي والقمع مصدرين رئيسيين لعدم الاستقرار في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وتحدياً محتملاً لبقاء نظام الحوثيين في السنوات المقبلة. وداخل أنصار الله، أدى الاقتتال الداخلي بين الفصائل إلى تأليب القادة الحوثيين المحليين ضد الموالين الذين ينحدرون من المحافظات الشمالية، مما يعكس الاستياء من الاتجاهات المركزية التي ترعاها قيادة الحركة. ومع ذلك، أدى اختيار المشايخ القبليين كمسؤولين أمنيين أو سياسيين في هياكل الحكم المحلي، إلى نشوء نزاعات طائفية حول عمليات القتل ثأراً أو ممتلكات الأراضي داخل الحركة نفسها. وبشكل عام، ساءت العلاقات بين الحوثيين والقبائل بشكل كبير منذ اغتيال علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017، مما أشعل دورة من الانتفاضات والقمع.
ومع ذلك، لم يتصاعد هذا الاضطراب الواسع الانتشار على المستوى المحلي إلى انشقاقات جماعية عن النظام. وقد سمحت استراتيجيات “فرق تسد”، التي تجسدت في الاختيار الانتقائي للمشايخ القبليين في هياكل الحكم، إلى جانب الاعتبارات البرغماتية للقبائل التي تُحرِك عدائهم لجماعة أنصار الله، لتحجيم زخم هذه الاضطرابات. وبدون الدعم الخارجي للجماعات المحلية أو انتفاضة جماعية ضد حكم الحوثيين، وكلاهما غير محتمل في السياق الحالي لحرب استنزاف طويلة الأمد، هناك فرصة ضئيلة من أن تتحول هذه الانتفاضات إلى تحدٍ أوسع للنظام. والأرجح أن يستمر الاقتتال الداخلي والقمع في خلخلة العلاقات بين الحوثيين والجماعات الأخرى على المستوى المحلي.
—————–
أندريه كربوني باحث رئيسي في قسم الشرق الأوسط لدى مشروع بيانات النزاعات المسلحة.
نشر هذا التقرير في موقع “مشروع بيانات النزاع المسلح – “ACLE