(الجارديان البريطانية) تحتفي بالصحفي فتحي بن لزرق.. "الرجل الذي صار محكمة اليمن الأخيرة"
الخميس 14 أغسطس 2025 الساعة 20:55
الميثاق نيوز، متابعة خاصة

 

في شوارع عدن المحطَّمة، حيث تتحوّل الحواجز العسكرية إلى عصابات ابتزاز، وحيث تُغلق عيادة طبيبة لأنها تجرأت على تنظيم مؤتمر طبي دون "رضا" مسؤول صغير... هنا فقط تدرك لماذا ينتظر المئات أمام مكتب متواضع. 
إنهم لا يطرقون باب المحكمة أو الوزارة، بل يطرقون باب فتحي بن لزرق.
هكذا احتفت صحيفة الجارديان البريطانية بالصحفي في تقرير أعده الزميل سعيد البطاطي

تقول الصحيفة: ذلك الرجل النحيل، الذي فقد عينه اليمنى بقذيفة حربية ذات يوم، صار سلاحه هاتف ذكي وصفحة فيسبوك تضم 600 ألف متابع. 
حين احتجزت ميليشيات مسلحة 50 صهريج غاز عند مدخل عدن، مطالبين رشوة خيالية (30 مليون ريال يمني)، لم يذهب السائقون إلى الشرطة. حملوا شكواهم إليه.
 فما كان منه إلا أن نشر تفاصيل الفضيحة. قبل أن تغيب الشمس، كان هاتف بن لزرق يرن: رئيس الوزراء شخصياً في الطرف الآخر، يعد بحل الأزمة. وفي ساعات، عبرت الصهاريج.
"شير الصحيفة إلى ان "ضعف مؤسسات الدولة جعل الناس يبحثون عن أي صوت يصرخ بمظلمتهم"، يقول بن لزرق بينما يتفحص كومة من الوثائق في مكتبه. 
وراءه صور تذكارية لسجناء أُطلق سراحهم بعد تحقيقاته، وأخرى لمخابز خفضت أسعار الخبز بضغط حملاته. 
هنا، في غرفة لا يتجاوز حجمها عشرات الأمتار، تدور معارك لا تقل شراسة عن جبهات القتال: طبيبة تئن من ظلم مسؤول، أسر تتضور جوعاً، تجار يُنهبون عند حواجز طرق مهترئة.
لكن بن لزرق ليس ساذجاً. 
يعرف أن بعض الشكاوى قد تكون فخاً. لذا يشترط أن يأتي صاحب المظلمة شخصياً، حاملاً أدلته ووثائقه وشهوده.
 "لا أتحرك بوشاية مجهولة"، يقول بصرامة. 
هذه القاعدة جعلت صفحته منصة لا تُهزم. حتى أن مسؤولين سابقين حاولوا تشويه سمعته بحسابات فيسبوك وهمية، ففضحهم أمام متابعيه.
تضيف الصحيفة؛ عشر سنوات وهو في قلب العاصفة.
 منذ أن غزت الحوثيون عدن عام 2015، وحتى اليوم حيث تتقاتل الفصائل التي طردتهم. لم يغادر. 
أسس "مؤسسة عدن الغد الإعلامية": موقع إلكتروني، إذاعة، صحيفة ورقية، ومنظمة حقوقية. كلها منصات لرصد انتهاكات جميع الأطراف. "أحرص أن أظهر محايداً"، يقول. 
"كل الفصائل ارتكبت أخطاءً ونجاحات، وكلها وليدة الحرب".
الثمن؟ في 2017، سُجن وتعذّب لأنه كشف فساداً يمس كباراً. 
مجهولون هاجموا مكتبه بالرشاشات. 
لكن الرجل الذي يرفض التنقل بحراس شخصية يعلق: "لو أرادوا قتلي، لن تنقذني الحراسة. الأمن الحقيقي هو صوت الناس".
حين سالته الصحيفة عن سر صموده، يبتسم مبتعداً عن الكاميرا: "كل أربعة أشهر، أهرب إلى مصر. عشر أيام لا أفعل شيئاً سوى النوم 20 ساعة يومياً.
 أستيقظ فقط لأكل أو استحمام". وعندما تغلق المطارات، يختفي في منزله الجبلي في أبين، يطفئ هاتفه كي لا يسمع رنينه الذي لا يتوقف: مظلوم هنا، جائع هناك، مسؤول غاضب يحاول تهديده.
"تحرير سجين، استعادة حق، إنقاذ عيادة... هذه لحظات تشحنني كبطارية"، يقول الرجل الذي حوّل الإعلام إلى سلاح لا يُقهَر. رسالته للعالم؟
"ثلاثون مليون يمني يعيشون في جحيم بلا دولة.
لا تدعوا حروباً أخرى تنسيكم أننا نحترق هنا منذ عقد كامل.
الحرب يجب أن تتوقف... لكن حتى ذلك اليوم، تذكروا أن قلم صحفي واحد قد يكون آخر ما تمسك به هذه الأمة من أمل".
ففي بلد مزّقته الرصاصات، صارت "فيسبوك" محكمة الشعب الوحيدة،
وصحفي بلا حراس - بقلمه وشجاعته - هو قاضيها الأعظم.

متعلقات