بقلم د/ محمد علي مفتاح
في الذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيس المؤتمر الشعبي العام، يطلّ علينا التاريخ السياسي لليمن بوجهه الأصيل، مستدعياً ذاكرة وطنية مثقلة بالأحداث الجسام، ومحملة بإنجازات ومواقف جسدت إرادة الدولة، وعمّدت مشروعها الجمهوري بعرق وجهد الرجال المخلصين. ففي الرابع والعشرين من أغسطس عام 1982، أعلن الزعيم علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية آنذاك، ميلاد المؤتمر الشعبي العام كإطار وطني جامع، أُنشئ ليكون بوتقة تصهر التوجهات الوطنية المختلفة، وقاعدة سياسية متينة تحافظ على وحدة الصف، وتدير شؤون الدولة بروح توافقية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. ومنذ ذلك التاريخ، ارتبط اسم المؤتمر بمفاصل العمل الوطني، حيث صاغ الميثاق الوطني كمرجعية فكرية وسياسية، وأدار الحياة العامة على مدى عقود بحنكة سياسية، وقراءة دقيقة لمتغيرات الإقليم والعالم.
لقد شكّل المؤتمر الشعبي العام، بقيادة الزعيم علي عبدالله صالح، العمود الفقري للنظام الجمهوري، والمدافع الأول عن مكتسبات الثورة اليمنية (26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963)، حاملاً على عاتقه مسؤولية بناء الدولة الحديثة، فامتدت مشاريعه التنموية من صعدة شمالاً إلى المهرة شرقاً، مروراً بكل جغرافيا اليمن. وفي محطات تاريخية فارقة، واجه الحزب، ومعه مؤسسوه ورجاله، تحديات أمنية وسياسية وعسكرية جسيمة، لعلّ أخطرها كان تمدد المليشيات الحوثية ذات المشروع الإمامي السلالي، التي سعت، منذ حروب صعدة الأولى عام 2004، إلى تقويض النظام الجمهوري، والانقضاض على مؤسسات الدولة.
وفي خضم هذه المعركة الوطنية، برز موقف الزعيم علي عبدالله صالح، ومعه الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام الشهيد عارف عوض الزوكا، كموقف وطني أصيل متجذر في رفض الانقلاب، ورفض الارتهان للخارج. فعندما بلغت المؤامرة ذروتها، وأحكمت مليشيات الحوثي قبضتها على صنعاء في سبتمبر 2014، حاولت بكل الوسائل تفكيك المؤتمر وإخضاعه لإرادتها، إلا أنّ صالح والزوكا أدارا الصراع السياسي والعسكري بحكمة المتمرسين، وصبر الاستراتيجيين، حتى جاءت لحظة الانفجار في ديسمبر 2017، حين دعا الزعيم أبناء اليمن إلى الانتفاض في وجه الكهنوت الحوثي، وإعادة الجمهورية إلى مسارها الصحيح، ليدفع حياته، ومعه الزوكا، ثمناً لموقف مبدئي لا يقبل المساومة، ويخلده التاريخ كصفحة ناصعة في سجل المقاومة الوطنية.
منذ اللحظة الأولى لانقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية، كان موقف المؤتمر الشعبي العام ثابتاً لا يتزعزع، وقد برز ذلك بشكل واضح في محافظة مأرب، تحت قيادة الشيخ عبدالواحد القبلي نمران، الذي حمل لواء الدفاع عن الجمهورية بكل شجاعة وإصرار، محافظاً على تماسك الصف المؤتمري، وجاعلاً من مأرب قلعة صلبة في وجه الهجمات الحوثية، ومنطلقاً سياسياً وعسكرياً لاستعادة الدولة. لقد تمكن الشيخ عبدالواحد القبلي من الموازنة بذكاء بين إدارة المعركة الميدانية والحفاظ على الحضور السياسي للمؤتمر، مؤكدًا أن الحزب، رغم الجراح والتضحيات، ما زال رقماً صعباً في المعادلة اليمنية، وأن مبادئ الميثاق الوطني لم تُمحَ بغياب الزعيم، بل زادتها الدماء الطاهرة رسوخاً وتجذراً، لتبقى مأرب رمزاً للصمود والوفاء للثوابت الوطنية.
إن قراءة المسار التاريخي للمؤتمر الشعبي العام تكشف أن الحزب لم يكن مجرد تنظيم سياسي تقليدي، بل كان مشروع دولة متكامل، عرف كيف يتعامل مع المتغيرات منذ تأسيسه في مطلع ثمانينيات القرن العشرين، مروراً بمحطة الوحدة اليمنية عام 1990، وإدارته للاستفتاء على الدستور الجديد، ومجابهته للتحديات الانفصالية في حرب صيف 1994، وصولاً إلى أزماته مع موجات الربيع العربي 2011، وما تلاها من أحداث جسام، حتى لحظة المواجهة المسلحة مع الحوثيين. وفي كل تلك المنعطفات، كان المؤتمر مدرسة في البراغماتية الوطنية، قادرة على المناورة السياسية دون التفريط بالثوابت الكبرى.
وفي الذكرى الـ34، يقف المؤتمر الشعبي العام أمام تاريخه العريض وإرثه النضالي، مستحضراً أسماء رجاله الأوفياء؛ من علي عبدالله صالح، الذي أرسى دعائم الحزب والدولة، إلى عارف الزوكا، الذي جسد الوفاء للميثاق الوطني حتى اللحظة الأخيرة، مروراً بالقادة الميدانيين والسياسيين في الداخل والخارج، الذين حافظوا على خط الحزب في وجه محاولات الاختراق والتفكيك. كما يقف ليحيي مواقف قياداته في الجبهات، وفي مقدمتهم الشيخ عبدالواحد القبلي نمران، الذي جعل من مأرب نموذجاً للصمود المؤتمري، وحلقة وصل بين تاريخ الحزب ومهمته الراهنة في استعادة الدولة وإنهاء المشروع الحوثي الإرهابي.
وهكذا، فإن الذكرى الرابعة والثلاثين للمؤتمر الشعبي العام ليست مجرد مناسبة احتفالية، بل هي محطة لإعادة التأكيد على أن الحزب، برمزيته التاريخية، وبحاضره المقاوم، ما يزال يمثل العمود الفقري للشرعية الجمهورية، وأن تضحيات زعمائه وقياداته وجماهيره، على امتداد الوطن، هي الضمانة لبقاء اليمن جمهورية حرة، عصية على الكهنوت والمشاريع الضيقة. ومن مأرب إلى كل شبر من أرض اليمن، يتردد صدى الميثاق الوطني، شاهداً على أن المؤتمر، وإن فقد قائده المؤسس، لم يفقد بوصلة الجمهورية، وأن دماء صالح والزوكا وكل الشهداء، ستظل لعنة تلاحق المليشيات الحوثية حتى زوالها، وعهداً يلتزم به المؤتمريون جيلاً بعد جيل.
#الذكرى_43_لتاسيس_الموتمر
#فرع_الموتمر_الشعبي_مارب