د.عبدالرحمن الشامي
الدبلوماسية الشعبية الأمريكية في عصر ترامب
الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 الساعة 13:31

تتعدد وسائل التواصل الهادفة إلى إشاعة التفاهم والتقارب بين الشعوب، وتجاوز الخلافات بين البلدان، وتعمل الكثير من الدول على تطوير قنوات التواصل المتاحة، وابتكار وسائل أخرى جديدة، وتعتبر الدبلوماسية الشعبية إحدى هذه الوسائل التي شقت طريقها مؤخرا في هذا المجال، وأحرزت نجاحات يعتد بها. بعيدا عن الخوض في التعريفات الأكاديمية المتعددة والمتشعبة لمصطلح الدبلوماسية الشعبية أو العامة، فالواضح من هذا المسمى بأنها نشاط غير رسمي، يقوم به الأفراد والمواطنون من شتى فئات المجتمع، فهي صناعة شعبية في المقام الأول، تتجاوز قنوات الديبلوماسية التقليدية، وهذا لا يمنع من قيام بعض الدول بتبني برامج هذا النوع من الدبلوماسية، والترويج لها، وتوفير الدعم والتمويل اللازمين لها.

وتتعدد أوجه ممارسة الدبلوماسية، كما تتنوع تجلياتها، فمنها ما يتم بواسطة السائحين، والبعثات الدراسية، والزيارات الميدانية، والوفود والزيارات غير الرسمية.. وغيرها من أوجه النشاط التي تتمخض عن الحط والترحال بين الشعوب، وانتقال الأفراد بين البلدان. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من البلدان التي نشطت –ولا تزال- في مجال الدبلوماسية الشعبية منذ وقت مبكر من حقبة السبعينيات من القرن الماضي، وتعددت أنشطتها في هذا الإطار، مما دعا بعض الدولة المعنية بتحسين صورتها الذهنية أو الترويج لها في الخارج إلى التأسي بأمريكا في هذا المجال، ومحاكاة بعض البرامج التي تصب في خانة الدبلوماسية الشعبية، وربما ابتكرت برامج أخرى جديدة، أو طورت القائم من هذه البرامج.

 

 

برامج على غرار: فولبرايت، وهمفري، وفورد، والزائر الدولي، والبرامج العلمية الأخرى القصيرة المدى والمتوسطة أو الطويلة، تعتبر من البرامج الأمريكية الرائدة في مجال الدبلوماسية الشعبية، وعائداتها مزدوجة، سواء بالنسبة للملتحقين بها من مختلف بلدان العالم، أو للمؤسسات والهيئات الأمريكية المستضيفة للملتحقين بهذه البرامج؛ ناهيك عن أمريكا كبلد، وثقافة بوجه عام. فهذه البرامج توفر للملتحقين بها فرصة للتعرف على الثقافة الأمريكية، واكتساب معارف علمية، ومهارات متخصصة، وفي المقابل؛ تساعد على تحسين الصورة الذهنية لأمريكا في الخارج، حيث يصبح الملتحقون بهذه البرامج، وبعد عودتهم إلى بلدانهم بمثابة سفراء غير رسمين أو شعبين للترويج للثقافة والقيم الأمريكيتين، كقيم الحرية والديمقراطية، والعدالة، والمواطنة المتساوية، وسيادة دولة النظام والقانون.. وغيرها من القيم الأخرى الجيدة، بما لا يتنكر للدولة الوطنية، والخصوصيات الثقافية.

 

 

فشلت أمريكا في عهد "ترامب" بالاحتفاظ بأصدقائها القدامى، فضلا عن كسب أصدقاء جدد، مما يعني أن الصورة الذهنية لأمريكا ستشهد خلال السنوات القادمة مزيدا من التدهور بين الأوساط الشعبية بعدد من البلدان

وإذا كانت أمريكا قد حققت تقدما ملحوظا في عالم الدبلوماسية الشعبية، باستهدافها خلال ما لا يقل عن أربعة عقود مضت عددا من العناصر البشرية المتميزة والفاعلة من مختلف بلدان العالم، وقادة الرأي المؤثرين–باختلاف مستويات هذا النوع من القيادة- مما جلب لها كثيرا من العائدات المعنوية، وربما المادية، ففي تقديري بأن دورها في هذا المجال قد بدأ يتراجع منذ تولى الرئيس الحالي، "ترامب" دفة الحكم، والذي قام بمجرد دخوله "البيت الأبيض" بحرمان مواطني سبع دول –قلصت لاحقا إلى خمس دول- من دخول الأراضي الأمريكية، بذرائع مختلفة، مما يعني قطعا حرمان مواطني هذه البلدان من الالتحاق بالبرامج الأمريكية التي تقع ضمن أنشطة الدبلوماسية الشعبية.

 

في الوقت الذي تبرز فيه الحاجة الأمريكية الماسة إلى هذا النوع من الديبلوماسية في هذه البلدان على نحو خاص، جراء الصورة الذهنية البالغة السلبية لأمريكا بين مواطني هذه الدول، ومن ثم تصبح خسارة أمريكا في مجال الديبلوماسية الشعبية مضاعفة، فهي لم تستطع المحافظة على "السفراء" القدامى، ناهيك عن كسب "سفراء" جدد، بل قد يكون الأمر أبعد من ذلك، حين يفقد هؤلاء الأشخاص –على الأقل- حيادهم نحو أمريكا كبلد وثقافة، وليس كحكومة وسياسة، ومنهم من قد يتحول إلى النقيض تماما.

 

وبذا تكون أمريكا في عهد "ترامب" قد فشلت في الاحتفاظ بأصدقائها القدامى، فضلا عن كسب أصدقاء جدد، مما يعني أن الصورة الذهنية لأمريكا ستشهد خلال السنوات القادمة مزيدا من التدهور بين الأوساط الشعبية في عدد من البلدان، وبخاصة منها العربية والإسلامية، طالما بقيت النزعة العنصرية، والطابع الشعبوي غالبين على السياسة الأمريكية في ظل القيادة الأمريكية الحالية.