لقد جمع هذا الوباء الخطير المسمى (كورونا) تحت سيطرته المخيفة بين أغنى دولة في العالم، كالولايات المتحدة، وأفقر الشعوب، وأخضع الجميع لسلطات الفزع. والأغرب ما تتناقله بعض الأنباء عن مقدرة بعض الشعوب الأكثر فقرًا والأقل معرفة على اختراع علاجات مضادة للأوبئة المستحكمة في الدول الكبرى قبل الصغرى.
وما يبعث على الدهشة والحيرة معًا أن يظهر رئيس الولايات المتحدة في مؤتمراته العامة ليعلن إفلاسه وعجزه عن مواجهة الوباء الخطير، وكأن معامل تلك الدولة العظمى لم تعد قادرة على متابعة الأبحاث العلمية والوصول إلى نتائج مناسبة تعيد الطمأنينة إلى شعوب العالم الأول التي كانت، إلى وقت قريب، في منأى عن كل ما يزعج الشعوب الأفقر والأقل معرفة وخبرة.
والسؤال هنا: هل هذا الامتحان العسير درسٌ من السماء تتلقاه الأرض، مشكلاً لطمةً في وجه الحداثة والتحديث؟ وللإجابة على سؤال كهذا لابد أن نطيل الوقوف والتأمل بالأسباب التي اخترقت كل الحسابات العلمية، ووحدت بين إمكانات الشعوب كافة.
لقد شهد العالم في سنوات مضت أكثر من مأساة، ولكنها لم تكن بالحجم ولا بالأثر الذي شهده العالم في هذه التجربة المختلفة والفريدة. واللافت كما تشير بعض الإحصائيات أن الإصابات التي تُسَجَّل في العالم المتقدم -والنموذج الأبرز منه أمريكا وأوروبا– أكثر بكثير من الإصابات التي تُسَجَّل في العالم الثالث أو المتخلف بالتعبير الأوضح.
ولو فتحنا باب التساؤلات على مصراعيه لاتسعت الدائرة وزادت الحلول غيابًا وهروبًا، ولكننا سنحاول في حدود الممكن أن نطرح بعض الحلول، ومنها –على سبيل المثال لا الحصر– أن يشعر العالم بأنه صار كتلةً واحدة، وأن على علمائه أن يوحّدوا جهودهم، ويناضلوا جميعًا من أجل وضع حدٍّ لهذا التوسع غير المتوقع لهذا الوباء.
لا شك أن في مقدور العلماء أن يقدموا حلولاً عاجلة وآجلة، وأن يسارعوا إلى إنقاذ هذا العالم المتردي من المخاطر الداهمة والتي تأخذ في كل وقت شكلاً ومستوى. وكما نجح العلماء في حل المشكلات المرافقة لظهور الوباء فقد ينجحون في وضع حد له. وقد قيل من الكلام الكثير عن اقتدار العالم في وضعه الحالي على إنجاز حلول لا تقلل من مخاوفه فحسب، بل وتنهي هذه المخاوف، وإذا كان العالم قديمًا ينتظر الحلول من الدول العظمى فإنه بات ينتظر الحلول من العالم كله، كما ينتظر المشاركة الجادة من الشعوب التي كانت الأفقر والأقل إدراكًا للمخاطر المشار إليها، ولعل هذا الإسهام من جانب هذه الشعوب يخلق نوعًا من التحدي والإحساس بأنه لا يقف أمام الإنسان عائق، سواء من تلك العوائق الصادرة عن الإنسان نفسه أو القادمة إليه، أو الهاجمة عليه من خارجه.
وبعض ممن يتابعون حالة العالم الأن يدركون بوضوح أنه صار قادرًا بوحدته، ووحدة صف علمائه، على إنجاز ما ينتظره الناس من حلول استثنائية تواجه بكل قوة الحالة الاستثنائية التي برزت من ظهور الأوبئة المستجدة وانتشارها في العالم دون تفريق، وإذا كانت المحنة قد هيّأت لما ندعوه وحدة المصالح بين الشعوب فإنها ستكون حافزًا فعليًّا للخلاص، وكما كان التفرق وتبدد الاهتمامات سببًا في تأجيل الحسم فإن الخوف الذي بات يحكم الجميع قادر على إيجاد الرؤيا الواحدة والانطلاق منها إلى واقع جديد، وليس ذلك بمستنكَر أو مستكبَر على الإنسان الذي يمتلك العقل، وصار قادرًا به على مواجهة كل التحديات، بغض النظر إن كان ينتمي إلى عالم متقدم متطور، أو كان ما يزال مقيدًا بأغلال التخلف والرؤى المتناقضة.