الخمس، لدى الحوثيين، مسألة دِين ونصوص قطعية لا تحتمل "النفاق" ولا المجاملات، ولا سبيل لإرضاء الذائقة العامة، مثلاً، بالتنازل عنها..
لا يستطيع الحوثيون أن لا يكونوا عنصريين، فهم مثقلون بميراث فقهي لايمكن أبدا أن يسمح لهم بالانتماء إلى "الإنسانية" المعاصرة أو إلى أي مفهوم من مفاهيم المساواة والعدالة:
أولاً في السياسة:
الحاكم يجب أن يكون هاشمياً، ولايمكن للجماعة، حتى لو أدركها الفناء، أن تتخلى عن فكرة الأحقية الحصرية لـ"الهاشميين" في الحكم والولاية، ذلك أن الولاية "العلوية الفاطمية" محل إجماع أئمة الزيدية، ومن تبنى من هؤلاء الأئمة وجهة نظر مختلفة وقال بجواز الإمامة في "سائر الناس" فقد قال ذلك انطلاقاً من مبدأ عنصري هو "جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل" وهي عبارة فقهية عنصرية بالغة الوقاحة ولكنها تكاد تكون مقولة يومية عادية في التراث الذي ينتمي إليه الحوثيون، ومعناها أنه يجوز ان يتولى الإمامة مَن هو "أدنى" نسبًا مع وجود الهاشمي الأفضل نسبًا إذا اقتضت الضرورة ذلك!.
ثانيا في الاقتصاد:
لا يستحق الهاشميون خمس غنائم الحرب، أو معادن ما تحت الأرض فقط، ففي كتاب "الأزهار في فقه الأئمة الأطهار" (القرن التاسع الهجري) وهو المرجع الرسمي والنهائي في فقه الزيدية، فإن الخمس يجب في كل شيء حتى في الحطب وحشائش الأرض والعسل والعنبر و ... الخ (ربما سيتطور الأمر لدى الحوثيين لاحقا ليصبح الخمس مفروضا حتى على المرتب الشهري للمواطن، كما هو الحال لدى مرجعيات الشيعة الاثني عشرية).
ثالثاً في المسائل الاجتماعية:
لا يجوز لهاشمي أو هاشمية الزواج من خارج عرقهما، وكتاب"الأزهار" ينص على "الكفاءة في النسب" كشرطٍ لصحة النكاح، أي أنك إذا كنتَ، أوكنتِ، غير هاشمي، أو غير هاشمية، فإن نسبكَ، نسبكِ، لا يكافئ نسب الهاشمي أو الهاشمية لذلك لا صحة للزواج بينكما.
وحين يحاول الإمام ابن المرتضى (مؤلف "الأزهار") تلطيف المسألة قليلا فإنه يقول إن مثل هذا الزواج يصح فقط إذا وافق صاحب "النسب الأعلى".. هكذا بالنص.. ويعني إذا وافق الهاشمي أو الهاشمية على الزواج من غير الهاشمي أو غير الهاشمية فإن ذلك يجعل النكاح صحيحا ما دام أن صاحب "العرق" الأعلى موافق!!.
ولكن ابن المرتضى يفتح خط رجعة داخل هذا التنازل العنصري الخطير فيقول بالنص "قيل: إلا الفاطمية" والمعنى أن بعض مراجع ابن المرتضى يسمحون بزواج الأعلى في المرتبة العرقية بالأدنى منه إلا "الفاطمية" فلا يجوز لها أن تتزوج إلا بفاطمي!!!
ثالثا: حتى في مسائل الإيمان والتعبد فإن المرجعية في كل الأمور يجب أن تكون "هاشمية" ابتداءاً، ثم في بعض التفاصيل:
-صلاة الجمعة غير واجبة إلا بوجود إمام "هاشمي"، وبدون وجوده لا وجوب لها ولا يُفترض أن تُؤدى.
-المساجد التي يُفَضَّل أن يصلي فيها الناس ينبغي أن تكون من المساجد التي "شرُف عامرها" أي التي يكون بانيها من نسب هاشمي "شريف".
-وفي صلاة الجماعة فإن النص في "الأزهار" وغيره يعطي الأفضلية في إمامة الصلاة لصاحب النسب الهاشمي.
هذه كلها نصوص موجودة ومصانة ومقدسة وتتلقى كل الرعاية من المؤمنين بها، فعلى من نكذب؟؟
ليس هذا هجوما على الزيدية، كما تتعمد آلة التضليل الحوثية تصوير الأمر، فالزيدية، بنظري ونظر كل باحث منصف، مثلها مثل الإسلام داخلها مذاهب وآراء عديدة، المشكلة هنا أن الحوثيين ينتمون الى أسوأ نسخ الزيدية راديكالية وتطرفا خصوصا على المستوى العرقي، ونظرة إحصائية واحدة لحجم تعييناتهم السلالية في مناصب الحركة ومناصب الدولة معاً تكشف عمق مأزقهم، فضلاً بالطبع عن إقرارهم لكارثة الخمس؛ الكارثة الفارقة في قصة اليمنيين المؤلمة مع هذه الجماعة.
مثلما يحتاج اليمنيون إلى وقفة جادة أمام عنصرية الحوثيين، فإن عقلاء الحوثيين ومثقفيهم، أو براغماتييهم وانتفاعييهم على الأقل، يحتاجون إلى وقفة جادة أمام المقولات العنصرية داخل تراثهم. فالوعي العنصري لدى الجماعة بقدر ما يحول اليمن الى معتقل عرقي كبير فإنه يمهد الطريق أمام العالم للتعامل مع جماعتهم بنفس الطريقة التي تعامل بها مع النازية والأبرتايد ومقولات تفوّق العرق الأبيض وسواها.
لو كان لدى اليمنيين حركة مدنية، متحررة عن توجهات أطراف الصراع وعن الحوثية والشرعية والتحالف والسعودية والإمارات، لتمكنوا من إدانة وعزل الحوثيين عالميا عبر الاكتفاء بوثيقة الخمس، الوثيقة الأكثر تعبيرا عن العنصرية في عالم الناس الحديث كله، مثلها مثل وثائق الأبرتايد والنازية والوثائق المؤسسة لـ "الصهيونية" بالضبط وبالحرف.