حشد العلويون عشرات الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد صلوات الله عليه بطريقة بائسة لتكوين سلطتهم الروحية، واعتبارهم جزءًا من النبوة التي نصّبت علي بن أبي طالب “وليًا للعهد”!، وأطاحت بصفة النبي لتلبسه تاجًا ملكيًا مُذهبًا، وصولجانًا وبلاطًا يفوق ما خسره أسلافهم في بلاط ” كسرى”، مخالفة بذلك القرآن، وروح النبوة، وسمو الرسالة، ومتجاوزة المنطق والعقل، ومضادة لمعايير تصحيح الأحاديث، من ذلك:
“أهل بيتي أمان لأهل الأرض، والنجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتي أهل الأرض ما يوعدون”، وفي أهل بيتي عدول ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من تقدمون في دينكم وصلاتكم”!
وأيضًا: “إن الله أنزل قطعة من نور، فأسكنها في صلب آدم، فساقها حتى قسمها جزءين، فجعل جزءًا في صلب عبدالله وجزءًا في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيا، وأخرج عليًا وصيا”!
في هذه القيود الدينية براءة اختراع هاشمية مطلقة، أضافت إلى علي بن أبي طالب منصبًا جديدًا، وهو الوصاية على عرش الإسلام باعتباره دولة لا دينًا، وأضافت تكوينًا وظيفيًا مُشعًا في أجساد الهاشميين العلويين، وهو “قطعة النور” التي لم يكتشفها علماء التشريح حتى هذه اللحظة، لكنها وفقًا لمجد الدين المؤيدي حقيقة طبية لم يلحظها أحٌد سواه، حتى أنه أخرجها على لسان النبي لتصبح من المسلمات الطبية التي لا يجوز البحث عنها أو التشكيك بها.
وأسس الهاشميون على يد رجل الدين السفاح “يحيى حسين قاسم طباطبا” الشهير بـ “الهادي” في 898م شروطًا سُلالية لمن يتولى حُكم اليمن، وهي أن يكون: مُسلمًا أولًا، ثم علويًا ثانيًا -أي من سُلالة علي بن أبي طالب- وعاقلًا ، بالغًا، ذكرًا ، حُرًا، حسن التدبير، عدلًا ورعًا، سليم الحواس والأطراف، شجاعًا، قوي البدن، كريمًا، مجتهدًا، سليمًا مما ينفر الناس منه.
وهذه الشروط العجيبة ألغت الشرط الواجب ذكره قبل أي شيء وهو أن يكون الحاكم يمنيًا أولًا، وذلك ما قضت به مدافع ثوار 26 سبتمبر 1962م التي أنهت حُكم الإمامة، وأعلنت الزعيم عبدالله السلال حاكمًا لليمن، وهو أول حاكم من أصول يمنية على بلاده منذ 1400 سنه. وفي العام 1990م أصدر رجال دين هاشميون ينتسبون إلى الزيدية وهم “محمد المنصور” و”حمود عباس المؤيد” و”أحمد محمد الشامي” و”قاسم الكبسي” بيانًا قالوا فيه: “إنّ الولاية العامة حقٌ لكل مُسلم كفء تختاره الأمة”.
وقد كانت مجاملة منزوعة الحقيقة، بانت ملامحها في العام 2014م حين ظهر حمود عباس المؤيد داعيًا لإمامة عبدالملك بدرالدين الحوثي، وموصيًا زوّاره بالسلام على “سيده عبدالملك”، كما أن أحفاد “محمد المنصور” شاركوا في حروب الحوثيين وقتل منهم ثلاثة في معارك متقاربة زمنيًا ، فيما تولى أخوة الشامي وعيال عمومته هيكلة الجيش اليمني وإفراغه من الداخل وضربه ببعضه.
عندما صدر بيان المجاملة الزيدية بعد مرور 28 عامًا على قيام ثورة 26 سبتمبر لم تعلُ الدهشة وجه الرئيس علي عبدالله صالح، ولم يسألهم عن ما مضى من الرئاسات السابقة: هل كانوا يعترفون بها؟ فقد اُشيع أنه تنفس الصعداء فرحًا بذلك البيان الذي لم يركز في ألفاظه على أن يكون الرئيس يمنيًا أولًا قبل أي شيء، بل حدد الماكرون هوية دينية وهي أن يكون “مسلمًا كفؤًا”، والكفاءة في الميزان الهاشمي تُشير اليهم دون غيرهم، وذلك ما أعلنه “مرتضى المحطوري” و”محمد عبدالعظيم الحوثي” في رئاسة الرئيس عبدربه منصور هادي.
بمعنى آخر كان البيان التفافًا على شروط الهادوية الأربعة عشر ومتلاعبًا بالألفاظ والمقاصد، أريد به تجاوز قانون إنشاء الأحزاب الجديد الذي أقرته دولة الوحدة اليمنية، ويحرم إنشاء أحزاب مذهبية على أساس عرقي، وقد ساهم البيان في قبول السلطات بفكرة إنشاء حزب الحق اتحاد القوى الشعبية القائمين على المذهبية الزيدية الهادوية بشقيها الناعم والمتطرف، وإنها إحدى أخطاء جاهلية الحُكام، وركونهم إلى البيانات الملساء. فقد ساهم حزب الحق تحديدًا في إنعاش الهاشمية السياسية بصورة خطيرة، وتمكنت ليبرالية اتحاد القوى الشعبية من التنظير الفلسفي للقضايا المنسية كالإمامة وإعادتها إلى الطاولة مرة أخرى باسم حرية الرأي والتعبير.
وبهذا تمكن الهاشميون من إصدار ثلاث صحف مهمة دفعة واحدة “الأمة” و”الشورى” و”البلاغ”، واستخدمت هذه المنابر الصحفية لأول مرة في عهد الجمهورية للترويج الحاذق للإمامة الزيدية، وأعاد حزب الحق الذي ضم غُلاة الزيدية وحرسهم القديم تشكيل فتيته في جماعات مذهبية سُمّيت بـ”الشباب المؤمن” – تحولوا إلى أنصار الله- وقد تحججوا في إنشائها لدى الرئيس صالح أن لحزب التجمع اليمني للإصلاح جماعات كشفية، ومدارس داخلية تُدرس كُتب حسن البنا وسيد قطب!