اليوم تتشابك الأزمات كخيوطٍ معقودة على بعضها، وتتداخل فيه الولاءات، وتحتدم فيه المعارك السياسية والعسكرية والإعلامية، يصبح من الضروري أن نعيد ترتيب البوصلة، وأن نتحدث بصراحة المسؤول، لا بحماسة الغاضب… بوعي رجل الدولة، لا بانفعال المتحزب،
ولأن اليمن لم تعد تحتمل مزيداً من الضجيج، ولأن المؤتمر الشعبي العام ما يزال مكوّناً رئيسياً في الوعي الوطني مهما اختلفت الظروف فإن هذا المقال موجَّه لكل مؤتمري، ولكل يمني يريد لوطنه أن ينهض من ركام السنوات، لماذا يشعر البعض من المؤتمريين أن المؤتمر مُهمَّش؟
الحديث عن "تهميش المؤتمر" أصبح مادة يومية على السوشيال ميديا وفي المجالس. لكن الحقيقة بعيداً عن العاطفة والصوت المرتفع أعمق من ذلك بكثير، المشهد اليوم أوسع من حزب، وأعقد من ائتلاف، وأخطر من حسابات صغيرة، الدولة نفسها تتنفس بصعوبة، والرئاسة لم تعد سلطة مركزية متجانسة كما كانت لسنوات طويلة، بل مجلس رئاسي يجمع أطرافاً متباعدة، يحمل كل طرفٍ فيه رؤيته وإرثه وامتداداته، وفي هذا التوازن الدقيق، يصبح ميلان الكفة لحزب واحد أيّاً كان هذا الحزب تهديداً لمعادلة هشة أصلاً، وهنا نشأت قراءة خاطئة لدى البعض:
التحوّل من “الدولة-الحزب” إلى “الدولة-التوافق” لم يكن تهميشاً… بل ضرورة سياسية لإنقاذ الحد الأدنى من الاستقرار،ثم إن المؤتمر نفسه لم يعد جسماً موحداً، انقسام الجغرافيا، اختلاف القيادات، تباعد القرار… جعل التعامل معه ككتلة واحدة أمراً شبه مستحيل، وحزب لا يتحدث بصوت واحد، من الطبيعي أن يُعامل كأطراف متعددة، لا كأغلبية صلبة، ما الذي يجب أن يفعله المؤتمر الآن؟
الحزب الكبير لا يُلغى… لكنه قد يغيب إذا غاب عن دوره، واليوم، المؤتمر أمام مفترق طرق الا وهي:
_توحيد مسار الحزب
لا شراكة بلا وحدة، ولا حضور بلا صوت واحد،
على المؤتمر أن يعيد هيكلة قراره، وينهي الانقسامات التي استهلكت طاقته ونفوذه،
_ الانتقال من ردّ الفعل إلى الفعل
العتاب لا يصنع نفوذاً،
والتفاعل في وسائل التواصل لا يصنع مكانة سياسية،
من يريد أن يكون شريكاً، فليقدم أوراق عمل حقيقية، ومبادرات عملية، ورؤية وطنية واضحة،
_ تأهيل كوادره وترميم صورته العامة
هذا زمن رجال الدولة… لا رجال الشعارات،
مطلوب خطاب عقلاني، محترم، وهادئ، يعكس حجم الحزب ومسؤوليته، لا خطاب تشكيك واتهامات،
_ تقديم مبادرات وطنية لا مطالب حزبية
حين يقدم المؤتمر رؤية وطنية جامعة، سيجد أبواب الدولة مفتوحة،
أما إذا دخل المشهد بخطاب "نحن أو لا أحد، فسيخسر الجميع أولهم الحزب نفسه،
_ قراءة واقعية في علاقة المؤتمر بالرئاسة
الرئيس رشاد العليمي يقود مرحلة لا تشبه أي مرحلة سابقة،
ظروف الحرب، التدخلات، التوازنات العسكرية والسياسية، ضغوط الداخل والخارج…
كلها تجعل إدارة الدولة كالسير على جسر معلق فوق وادٍ مضطرب،
الرئيس اليوم لا يستطيع أن يحكم بطريقة أحادية ولا أن يمنح حزباً واحداً سلطة فوق سلطة الدولة… لأن ذلك سيُفجّر التوازن الذي بالكاد يجري التحكم به،
وهنا تكمن الحقيقة التي يغفل عنها البعض،
ان ما يبدو تهميشاً… هو في العمق محاولة لضبط توازن يمنع الانهيار،
لا استهدافاً للحزب ولا انتقاصاً من تاريخه،
رسالة لأعضاء المؤتمر:
يا أبناء المؤتمر…
يا من صغتم جزءاً كبيراً من ذاكرة الدولة…
اليوم عليكم واجب جديد
لا أن تبحثوا عمّا أخذه الآخرون… بل عمّا يمكنكم أن تقدموه أنتم،
كونوا قوة تهدئة…
لا قوة اشتعال،
كونوا جسراً…
لا حاجزاً،
كونوا حزباً للدولة…
لا حزباً ضد الدولة،
ارفعوا مستوى الخطاب، واهجروا لغة الغضب، وعودوا إلى لغة الرؤية،
فمن يمتلك الرؤية… يقود المسار،
رسالة إلى غير المؤتمريين:
هذه ليست لحظة شماتة، ولا لحظة انتصار حزب على آخر،
اليمن لا تملك رفاهية الخلاف، ولا ترف المزايدات،
نحن جميعاً في سفينة واحدة، فإن غرقت… غرقنا جميعاً،
الوعي الآن مسؤولية مشتركة، ليس حكراً على حزب ولا حكراً على نخبة،
اليوم السؤال الحقيقي ليس:
لماذا المؤتمر مُهمّش؟
بل:
كيف يعود المؤتمر إلى دوره الوطني الحقيقي؟
وليس:
لماذا الرئيس لم يمنح الحزب ما يريد؟
بل:
هل قدّم الحزب ما يجعل الدولة قادرة على منحه ما يستحق؟
السياسة لا تعرف الفراغ… ومن ينسحب بوعيه، يملأ غيره مكانه بوعيه أو بغير وعي،
والوطن الآن لا يحتاج حزباً كبيراً في عدد أنصاره…
بل حزباً كبيراً في نضجه ورؤيته ومسؤوليته،
ومن امتلك هذه الثلاث… امتلك الحاضر والمستقبل معاً .