مصطفى غليس
رواتبكم في كرش الحوثي
الثلاثاء 28 اكتوبر 2025 الساعة 20:16

 

 

منذ انقلاب عصابة الحوثي على الدولة اليمنية في الحادي والعشرين من سبتمبر عام 2014 دخل اليمن نفقًا مظلمًا لم يعرف له نهاية حتى اليوم إذ مثّل ذلك الانقلاب جريمة مكتملة الأركان أنهت وجود الدولة ومؤسساتها الشرعية.

 

 لقد فتح انقلاب العصابة الحوثية على الدولة الباب أمام الفوضى والنهب وتجريف مقدرات الشعب وتحويلها إلى غنائم بيد العصابة التي استبدلت مؤسسات الدولة بأذرع طائفية وجبائية تعمل تحت شعارات كاذبة لتكريس سلطتها وابتزاز المواطنين.

 

في 2016 أوقفت عصابة الحوثي صرف رواتب موظفي الدولة، ومنذ ذلك الحين يعيش أكثر من مليون موظف يمني مأساة إنسانية غير مسبوقة فقد تحولت حياة الأسر إلى صراع يومي من أجل البقاء في ظل الغلاء وانعدام الخدمات بينما تزداد أرصدة قادة العصابة ثراء من أموال الشعب المسروقة.

 

 وفق تقارير الأمم المتحدة فإن أكثر من ثلثي سكان اليمن أي ما يزيد عن واحد وعشرين مليون إنسان بحاجة إلى مساعدات إنسانية فيما يعيش أكثر من خمسة وثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر وهو ما يجعل جريمة قطع الرواتب واحدة من أبرز أسباب الكارثة الإنسانية التي حلت باليمن.

 

تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن الفقر المتعدد الأبعاد في اليمن بلغ نسبة تتجاوز اثنين وثمانين في المئة وأن الاقتصاد فقد أكثر من نصف قدرته الإنتاجية منذ بدء الحرب نتيجة سيطرة العصابة على مؤسسات الدولة ونهبها للإيرادات العامة.

 

وفيما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 17 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر بسبب الحوثي، تؤكد تقارير المنظمات الدولية أن الموظف اليمني فقد ما يعادل سبعين في المئة من قوته الشرائية بسبب توقف الرواتب وتدهور العملة ما جعل الغالبية عاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء والتعليم.

 

عصابة الحوثي لم تكتف بقطع الرواتب بل حولت الوظيفة العامة إلى وسيلة إذلال فمن لا يرضخ لتوجيهاتها يُفصل من عمله أو يُحرم من نصف راتب هزيل يُصرف كل بضعة أشهر بينما تتدفق الأموال على مشرفي العصابة وأتباعها ومجالسها الطائفية.

 

 رصدت تقارير اقتصادية محلية أن العصابة الحوثية تجبي من الضرائب والجمارك والاتصالات والموانئ ما يتجاوز ستمئة مليار ريال سنويًا ومع ذلك لا تذهب هذه الأموال لخدمة المواطن بل تُنقل إلى حسابات قياداتها وتُصرف على ما تسميه المجهود الحربي وعلى بناء القصور والمزارع الخاصة.

 

في موازاة ذلك فرضت العصابة على المواطنين والتجار جبايات تحت مسميات الزكاة والخُمس ودعم الجبهات وهي ضرائب غير قانونية تحولت إلى مصدر ثراء فاحش لقادة الحوثيين بينما ينحدر الشعب إلى القاع ويزداد الجوع والبطالة والمرض حتى إن تقارير منظمات الإغاثة تشير إلى أن ملايين من الأطفال مهددون بسوء التغذية الحاد.

 

انقطاع الرواتب دمّر حياة الناس في اليمن وجعل الموظفين رهائن لسلطة العصابة التي تستخدم حاجتهم وسيلة للابتزاز فالمعلم لا يجد قوت يومه والطبيب يترك عمله ليبيع الماء أو الوقود كي يطعم أسرته والموظف الحكومي صار أسير إذلال ممنهج بينما يتفاخر قادة الحوثيين بسياراتهم الفارهة ومنازلهم الجديدة التي شُيّدت من عرق الموظفين وجوع أطفالهم.

 

لقد امتدت آثار هذه الجريمة إلى كل بيت يمني فكل أسرة تضررت من قطع الرواتب وحملت وجعها بصمت بينما العصابة تسرق أقوات الناس وتكدّس الأموال في منازل قياداتها وتحرم الأطفال من التعليم لأن آباءهم لم يعودوا قادرين على دفع الرسوم أو شراء الكتب أو حتى المواصلات وقد وثّقت منظمات محلية ودولية أن أكثر من مليون ونصف فتاة خارج المدارس وأن مئات الآلاف من الأطفال اضطروا إلى ترك التعليم بحثًا عن لقمة العيش.

 

ما تفعله عصابة الحوثي ليس مجرد سرقة رواتب بل هو اغتيال للكرامة وسلب لحق الحياة وتحويل الإنسان اليمني إلى متسوّل على أبواب الإغاثة بعد أن كان منتجًا بعرق جبينه فهذه الجريمة لا تستهدف الجيوب فقط بل تستهدف الوعي والكرامة وتطمح إلى كسر إرادة اليمنيين وتحويلهم إلى مجتمع خاضع لمليشيا فاسدة لا تعرف سوى النهب والجباية والتجويع.

 

وهكذا حولت عصابة الحوثي اليمن من دولة كانت تسعى للنهوض إلى ساحة خراب ودمار فحيثما حلت هذه العصابة حل الفقر والجوع وانطفأت حياة الناس وانتهى الأمل في مستقبل كريم فالموظفون بلا رواتب والأسر بلا غذاء والطلاب بلا مدارس والوطن بأكمله يعيش رهينة عصابة سرقت الخبز من أفواه الجياع لتشيد القصور وتطيل بقاءها على جثث اليمنيين.

مصطفى غليس