قراءة في صحة خطبة طارق بن زياد من عدمها
الميثاق نيوز – متابعات - كثر الجدل بين العديد من المؤرخين والنسّابين ؛ القدامى منهم والمحدثين حول هوية طارق بن زياد القائد الشهير بفتح الأندلس سنة 92 ه/711 م ؛ بين من يعود به إلى أصول بربرية/أمازيغية تنحدر من قبيلة نفزا غرب الجزائر بشمال إفريقيا كالإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " ، وبين من يصفه بذات البشرة الداكنة كباقي جنوده .. كما جاء بدلالات عنصرية في القصيدة الفرنسية الشهيرة "أنشودة رولان" Rolan song ، وبين آخرين يزعمون انحداره من أصول فارسية ويستدلون باسمه الذي لا يمت بصلة إلى الأسماء البربرية آنذاك ، بينما ذهب مؤرخون إسبان إلى أنه كان عبدا مملوكا لم يلبث أن لقي حريته على يد أحد المقربين من الحاكم العربي موسى بن نصير .
الخطب العسكرية العربية
لم يحتفظ لنا تاريخ التراث العربي إلا بنتف قليلة من عادات الحروب التي عرفها العرب خلال الفتوحات الإسلامية ، فقد كانت تتصدرها كلمات تحميسية للرفع من معنويات الجنود وتقوية استبسالهم واستماتتهم أمام ملاقاة العدو ، وعادة ما كانت بلغة عربية بليغة تستهل عادة بآيات قرآنية للتحريض على الجهاد مثل الآية (( ... اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) ، أو أبيات شعرية حماسية ، وبين أيدينا نماذج منها كخطبة زيد بن الحارثة بوقعة مؤتة ، وخطبة خالد بن الوليد بمعركة اليرموك ، وخطبة صلاح الدين الأيوبي بموقعة حطّين .. وخطبة الحجاج بن يوسف الثقفي في أهل الكوفة لما بلغه تناوشهم وسعيهم في الكيد لبني أمية ، على أن بنية الخطبة عادة ما ترتكز على قوائم ثلاثة : الاستهلال بالآيات القرآنية للتحريض على القتال ، ثم كلمة مباشرة إلى الجند بالاستفتاحية المشهورة "ياأيها الناس" على غرار ما جاء به القرآن .. وتذكيرهم بأمجادهم وما بذله أسلافهم من بلاء ، وأخيرا مآل المؤمنين المجاهدين والشهداء ..
تحليل خطبة "البحر من ورائكم والعدو أمامكم .."
هناك مقاطع يجمل التوقف عند أبرزها :
* "أين المفر" .. وأنتم أمام هذا المأزق ؛
* "الصبر" .. وقطوفه " الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدرر والمرجان والحلل المنسوجة بالعقيان .. المقصورات في قصور الملوك ذي التيجان ..." ؛
* "انتخبكم أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك من الأبطال عربانا ورضيكم لهؤلاء الملوك أصهارا وأختانا "
* إظهار دين الإسلام على الجزيرة ؛
* "مغانمها خالصة لكم " ؛
الخطبة ؛ كما أوردها المقري في كتابه "نفح الطيب" ؛ تشتمل بالتقريب على 290 كلمة بلغة بليغة ذات مجاز في كثير من جملها ، وبمضامين عميقة ، كلها إصرار على النصر والاستمتاع بالحور القاصرات في بلاطات وقصور الملوك بالأندلس ؛ كما تنص الخطبة على أمر أمير المؤمنين وانتخابه لهم ليكونوا أهلا لهذا "الفتح المبين" ، وما سيدر عليهم من غنائم خالصة لهم .. إلى أن يختم بالشهادة في سبيل الله إن هو قتل على يد ملك القوط لوذريق ، وسيكون قتله أهون لوجود من يخلفه في الاستبسال واستكمال الفتح .
صحة الخطبة من عدمها
وقوف جيوش طارق بصخرته التي حملت إسمه فيما بعد وحتى الآن "جبل طارق" لا مراء فيه بإجماع المؤرخين ، كما أن اقتحامها لأراضي الأندلس قد عمل على تيسيرها وجود حصون على ضفة البحر ؛ قيل إنها كانت لموسى بن نصير ، أما إقدامه على إحراق سفن جنده كحيلة لاستماتته في المعركة وحمله على فقدان الأمل في الحياة كما تصرخ به عباراته الشهيرة : "البحر من ورائكم والعدو أمامكم .." فقد بقي غامضا تحوم حوله شكوك كثيرة ، حتى إن الوثائق البريطانية والإسبانية تكاد تخلو من ملحمة بهذا الحجم "إحراق السفن والتحام الجيوش العربية بالجيوش القوطية" .
أما نص الخطبة البليغة ، فهناك تساؤلات في صحة أو عدم صحة نسبها إلى طارق بن زياد ، باعتبار حداثة عهده بالإسلام أولا وأصوله البربرية التي ينحدر منها معظم كتائب جيوشه . هل كان الأولى به أن يخاطبهم بلغتهم الأم ، أم أن العربية هي اللغة التي كان يجري تداولها في تبادل الرسائل والوصايا رغبة في انتشار الديانة الإسلامية التي كانت تتخذ من الكتاب والسنة مَعينا لها ؟ على أن هناك رأيا آخر يرجح فرضية وجود الخطبة جاهزة قبل أن تطأ سنابك خيوله مشارف الأندلس ، أو أنها كتبت له أو حملها له موفد من موسى بن نصير الحاكم على شمال إفريقيا ، والحال أن العرب كانوا دوما يحتفظون لأنفسهم بالفتوحات وينسبون لهم كل مصادر الفخر والاعتزاز ولا يمكن بحال أن يقبلوا باحتكارها من جنس آخر ، وهو ما يمكن الاستدلال به على تدهور علاقته بقائده موسى بن نصير والغموض الذي لف حياته ومماته من قبل بطانة أمراء وجنود بني أمية .