في ذكرى تأسيس حزب الوطن.. طه الهمداني يستعرض التحديات التي رافقت مسيرة المؤتمر الشعبي العام
الاربعاء 24 أغسطس 2022 الساعة 12:33
متابعات

 

 
 
 

مضت أربعة عقود على انطلاق المؤتمر الشعبي العام، التنظيم السياسي الرائد في اليمن. ورغم اتساع مساحة الحديث عن كل ما تحقق في عهد المؤتمر، سوف نركز على أبرز المحطات السياسية.

أولها: انتهاج الحوار طريقاً وأسلوباً لتحقيق المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي والتنمية، ومن نتائجها توقف الحرب في المناطق الوسطى وتحقيق الأمن والاستقرار.

ثانياً: تشكل المؤتمر الشعبي العام من مختلف القوى والاتجاهات السياسية وتم إنجاز الميثاق الوطني والاستفتاء عليه شعبياً لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وتنمية الثقافة السياسية، وتحول الأحزاب من العمل السري إلى العمل العلني تحت مظلة المؤتمر الشعبي.

ثالثاً: النهضة التنموية التي شهدها البلد من خلال بسط سيادة الدولة على كامل التراب اليمني، بعد أن كان نفوذ وسلطة الدولة محصورة على عدد من المحافظات؛ وهو ما ساعد على استخراج الثروة النفطية، وكذلك إعادة بناء سد مأرب العظيم، ووضع قواعد صلبة لجيش وطني قوي، وتكريس استقلال القرار السياسي وبناء علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة.

وأسهمت هذه السياسة الوطنية في إرساء إنجازات ومشاريع في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية.

رابعاً: إجراء انتخابات: محلية وبرلمانية كانت بداية لتأسيس برلمان منتخب من الشعب بصورة ديمقراطية حرة ونزيهة.

خامساً: أتاح للمنظمات الجماهيرية، من اتحادات طلابية وعمالية وجمعيات تعاونية ومنظمات نسوية، حرية التشكل والتكوين

والنشاط بحرية، في إطار نظرية العمل السياسي الميثاق الوطني وبرنامجه السياسي، وباتت منظمات المجتمع المدني سمة بارزة للمشاركة في التنمية الشاملة والعمل الوطني.

 أما المحطة الهامة والرئيسة، فهي الانتقال من حالة الصراع والاحتراب مع الشطر الجنوبي من الوطن إلى مرحلة الحوار والشراكة ورعاية المصالح المشتركة، والتي تزامنت مع إعادة تحقيق وحدة الوطن، وقيام الجمهورية اليمنية في مايو 1990.

لقد حرص المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، كحزبين حاكمين في ذلك الوقت، على إصدار القوانين المنظمة لذلك؛ لتهيئة البيئة المناسبة للتمكين ومشاركة المجتمع المدني، بما فيها الاهتمام بمشاركة المرأة في العمل السياسي والحزبي والجماهيري.

وأسهمت الأحزاب والمنظمات في الاهتمام بقضايا التنمية بمختلف أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد. 

وتوسيعاً لقاعدة المشاركة، فقد أتاح الانفتاح الديمقراطي ازدهار حرية الصحافة والفكر والإعلام وإنشاء القنوات الفضائية والإعلامية الخاصة، ناهيك عن مئات الصحف والمجلات التي صدرت بعد قيام الجمهورية. كما جرت إصلاحات دستورية وقانونية هدفت للفصل النسبي بين السلطات، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية والمالية ومنح السلطات المحلية صلاحيات واسعة في الحكم وإجراء انتخاب المجالس المحلية. وتزامن ذلك مع تحديث الخدمة المدنية وتبني عديد الاستراتيجيات في مجال الخدمة والأجور والمرتبات وإصلاح التعليم والقضاء، وتبني منظومة للرقابة، ومنها هيئة مكافحة الفساد واللجان العليا للرقابة على المناقصات.

كما تمكن المؤتمر الشعبي العام، في فترة توليه السلطة، من إرساء علاقات عربية ودولية تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتبادل المصالح المشتركة والعمل الجاد

لتسوية النزاعات الحدودية مع الدول الشقيقة من خلال التفاوض، سواء مع سلطنة عمان أو المملكة العربية السعودية أو أريتريا.

كما أصبح اليمن عضواً فاعلاً في الجامعة العربية والاجتماعات على مستوى القمم العربية. واتسم طرح الرئيس علي عبد الله صالح بالقوة والشجاعة في معالجة القضايا العربية. وتفاعل اليمن مع البيئة الدولية، ونسج شراكات مهمة في محاربة الإرهاب والتطرف والحركات المشبوهة في الداخل.

وهنا لا بد من الإشادة بحكمة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، والتي كان لها الأثر الكبير في احتواء تداعيات أحداث العام 2011 عبر التعامل المرن مع القوى المطالبة بالتغيير، ومن ورائها أحزاب اللقاء المشترك من خلال الاستجابة لمطالبهم، وتقديم المبادرات، والدعوة للحوار والشراكة في الحكومة، وتقديم إصلاحات أساسية لتغيير النظام. ولكن، للأسف، قوبلت تلك المبادرات والتنازلات بالتعنت والمغالاة في رفع سقف المطالب، لحد انعدام الثقة بين السلطة والمعارضة من ناحية، وبين تبني هذه المعارضة لأجندة خارجية ليس هدفها الإصلاح والتغيير؛ وإنما هدم النظام وإسقاط الدولة. ورغم كل مبادرات الرئيس وقيادة المؤتمر، لكن للأسف تعثر الانتقال السياسي وتم الانقلاب على الدولة والنظام السياسي والسلم الاجتماعي.

ولا شك، هناك الكثير من التحديات التي تواجه المؤتمر الشعبي العام، يمكن إبرازها كما يلي:

* اغتيال قيادات المؤتمر السياسية والتنظيمية، وعلى رأسها الشهيد علي عبد الله صالح رئيس المؤتمر، والشهيد الأستاذ عارف عوض الزوكا الأمين العام.

* ممارسة القمع على قيادات المؤتمر المتواجدة في الداخل، والإرهاب على من في الخارج.

* مواجهة الانقسام والتشظي الحاصل نتيجة الأزمة والحرب، والحفاظ على الوحدة التنظيمية للمؤتمر في ظل حالة التمزق التي تقوده بعض القيادات.

* انخراط بعض قياداته في مجالس سياسية وتكتلات، دون التشاور مع قياداته.

* ضعف الثقة وتباين المصالح بين بعض قيادات المؤتمر في الداخل والخارج.

* مصادرة أموال وممتلكات المؤتمر الشعبي العام وبعض منظماته، وحجز أرصدة بعص قياداته.

* وضع بعض قيادات المؤتمر ظلماً ضمن دائرة العقوبات الدولية.

* ارتهان القرار السياسي للمؤتمر للتجاذبات السياسية.

* استمرار استهداف المؤتمر الشعبي العام وقياداته، سواء من قبل الأحزاب والمكونات التي تبنت احتجاجات العام 2011 أو من المؤتمريين الملتحقين بهم.

* محدودية قدرة المؤتمر على الحركة والنشاط في بعض المحافظات لأسباب معروفة ومتعددة.

* جمود علاقات المؤتمر الشعبي العام على المستوى الخارجي ومحدودية حركته.

* عدم القدرة على استيعاب وضع المؤتمر، حيث لم يعد فى السلطة كشريك أساسي فيها، كما أنه لم ينتقل إلى المعارضة نتيجة لمشاركة بعض قياداته الصورية في السلطة بالداخل أو الخارج، مما أضعفه؛ فلا هو أصبح شريكاً أساسياً في السلطة، ولا هو انتقل إلى المعارضة.

* تعرض كوادره للتهميش والإقصاء وانتهاك حقوقهم في الداخل والخارج.

*. ضعف تحالفات المؤتمر الداخلية والخارجية.

* استقطاب الأطراف السياسية وأطراف دولية لبعض قياداته والمنظمات المحسوبه عليه.

* عدم ترتيب أوضاع الكثير من القيادات الموجودة بالخارج ومعاناتهم المعيشية والوظيفية.

* تغير الخارطة السياسية والنظام السياسي والانتقال من حالة التعددية السياسية والحزبية إلى النظام المليشياوي المعتمد على القوة والسلاح وتشكيل تكتلات سياسية وعسكرية مدعومة خارجياً.

ومع كل هذه التحديات، إلا أن آفاق المستقبل للمؤتمر كبيره لعدة أسباب، أبرزها:

* مازال المؤتمر يحظي بشعبية كبيرة فى أوساط الجماهير ويمتلك قاعدة عريضة، سواء في عموم محافظات الجمهورية أو في خارج الوطن.

*اختيار قيادة جديدة لديها مؤهلات ورصيد جماهيري، والمؤتمر يزخر بنخبة واسعة من القيادات الوطنية التي لديها الخبرة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، إضافة إلى امتلاكها خبرة تنظيمية.

* المؤتمر بمثابة حزب وسطي يحظى بالمقبولية الداخلية واحترام إقليمي ودولي.

* يتمتع المؤتمر بعلاقات طيبة مع جيرانه ويحظى باحترام وتقدير المجتمع الدولي.

* تنظيم سياسي ولاؤه لله وللوطن، وليس مرتبطاً بأجندات خارجية مشبوهة.

* حزب يتصف بالوسطية والاعتدال، ويحارب التطرف والإرهاب وينبذ التعصب المناطقي والسلالي والطائفي والقروي.

* المؤتمر شريك أساسي في المبادرة الخليجية التي تعد إحدى المرجعيات الأساسية للتسوية السياسية.

* حزب مدني يؤمن بالحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.

* يملك رصيداً نضالياً، وحقق الكثير من الإنجازات في فترة حكم الرئيس الصالح رحمة الله عليه، وفي مقدمتها الوحدة والديمقراطية والتنمية والاستقرار.

* تواجد قيادات محسوبة على المؤتمر في سلطة الأمر الواقع بصنعاء، وكذلك في قيادة

المجلس القيادي الرئاسي الذي تم تشكيله مؤخراً على إثر المؤتمر التشاوري في الرياض، والذي تم فيه التوافق بين القوى السياسية المؤيدة للشرعية.

الخاتمة:

هل يمكن لقيادة المؤتمر دراسة تلك التحديات والوقوف أمامها بجدية، وإدراك المخاطر المحدقة بالمؤتمر والوطن، وتغليب المصلحة الوطنية كما عهدنا المؤتمر، والسعي لمحاولة التغلب عليها وايجاد حلول لها، في ظل الوضع الحالي للقيادات والقواعد، وتحويل الفرص إلى عوامل نجاح يمكن البناء عليها وتطويرها، وخاصة في ظل فشل الحركات الدينية والإرهابية والمتطرفة من ناحية، وعدم قدرتها على الحكم وإدارة الدولة من ناحية أخرى، وتذمر الشارع من الأوضاع الحالية؟

وفي إطار بحث المجتمع الدولي والقوى المؤثرة في المشهد السياسي عن منقذ لليمن، باستطاعة المؤتمر إعادة التوازن للبلاد، بعيداً عن التطرف والإرهاب والعنصرية البغيضة.

عند امتلاك الرؤية الوطنية الواقعية ورسم خارطة طريق يمنية، فلا مستحيل في السياسة؛ فالحركات الحرة والأحزاب التي لها رصيد شعبي وقبول وطني وإقليمي قادرة على إنجاز مرحلة التغيير والعبور بالوطن إلى شاطئ السلامة.

 

كتب/ طه حسين الهمداني 

متعلقات