ذكريات مضمخة بالدماء، ترويها يوميات اليمنيين مع مليشيات الحوثي، والنكبة تكمل ثماني حجج عجاف، عانوا فيها الأمرين؛ الانقلاب والألغام.
فعلاوة على الجرائم اليومية، والموت المستشري بين اليمنيين بشتى أنواعه، ووحدة الجاني؛ لا يذكر اليمنيون سنوات الحوثي، سوى بالألم، وقد زرع بينهم حقول ألغام تتربص أجسادهم في أي وقت.
"لماذا يلّغمون جوار منزلنا. لقد رأيت عناصر حوثية بعيني يزرعون العبوات والألغام"، تروي نعمة سالم قصة تحول اليمن إلى أكبر حقل مفخخ بالعالم.
وتعيش نعمة في منزل من الطوب في ريف مديرية حيس جنوبي محافظة الحديدة (غرب)، في حالة من الخوف على أطفالها الصغار منذ أن فقدت قبل سنوات زوجها، واثنين من أبنائها بحادثتين منفصلتين في انفجارات ألغام.
في ذكرى نكبة الحوثي، لم تجد نعمة -وهي أم لـ9 أطفال- أكثر من التعبير عن قلقها من تحول اليمن إلى أكبر حقل للألغام في العالم.
نعمة تقول لـ"العين الإخبارية": "أنا خائفة على أولادي الصغار من الألغام، إذا ما خرج أحدهم للعب، لكن الصدمة أن الكبار ووالدهم وقعوا ضحيتها، لم أقوَ على تحمل الخبر يومها ودخلت في غيبوبة لـ3 أيام".
أطفال نعمة ليسوا وحدهم من أصبحوا أو سقطوا فريسة سهلة للألغام الحوثية، فهناك ما يقرب من 11 ألف طفل قتلوا وأصيبوا بسبب النزاع أو الألغام والذخائر التي لم تنفجر، وفقا لمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة.
وتشير التقارير الأممية والحقوقية إلى أن الألغام الأرضية للحوثي وحدها، خلفت أكثر من 9 آلاف و500 قتيل وجريح، في صفوف المدنيين منذ نكبة 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
عيب أسود
نكبة مليشيات الحوثي لم تترك آثارها فقط، على الأراضي اليمنية وتستهدف قتل الأطفال بالفخاخ، بل امتد توحشها للنساء في جرائم يعتبرها اليمنيون "عيبا أسود"، إثر تقديسهم للمرأة وحرصهم على صون كرامتها في المجتمع المحافظ.
وبرزت ملامح النكبة الحوثية بشكل جلي في ارتكاب جرائم تتخطى الخطوط الحمراء، لعل أبرزها الجريمة التي تعرضت لها الفنانة اليمنية انتصار الحمادي في فبراير/ شباط 2021 في نقطة أمنية من قبل مليشيات الحوثي في صنعاء، وذلك بعد اختطافها في ظروف تعسفية.
وعلى مدى أكثر من عام ونصف العام تعرضت الفتاة إلى تعذيب ممنهج في محاولة لانتزاع اعتراف قسري تحت التعذيب، بما فيه فحص عذريتها، كما أصدرت مليشيات الحوثي حكما جائرا بسجنها 5 أعوام، بعد محاكمتها بشكل غير قانوني في واحدة من أبشع الجرائم بحق النساء.
وتعد الحمادي واحدة من أكثر من ألفي امرأة يمنية أغلبهن في العاصمة صنعاء تعرضن للاختطاف والاعتقال منذ نكبة مليشيات الحوثي في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وحتى نفس الشهر من العالم الحالي، وفقا لتقارير حقوقية ومصادر متعددة لـ"العين الإخبارية".
وبشكل متكرر طالبت منظمات حقوقية بالضغط على مليشيات الحوثي لإطلاق سراح الفنانة انتصار الحمادي، وكافة النساء المعتقلات والمخفيات قسراً، ووقف كافة الانتهاكات والجرائم التي تمارس بحق النساء في اليمن.
انتهاكات بشعة
تتواتر التقارير الحقوقية في أن الانقلاب الحوثي على مدى الأعوام الثمانية الماضية، أنتج الأزمات والمآسي والتشظي والانقسام، وخلف أسوأ انتهاكات لحقوق الإنسان كماً ونوعاً، وقذف بآلاف العائلات من منازلها إلى التشرد والنزوح واستيطان مخيمات متهالكة.
ووفقا لأحدث التقارير الحكومية فإن هناك 445 ألفاً و410 أسرة بما يعادل مليونين و827 ألفاً و686 نازحاً، فروا من مناطق مليشيات الحوثي إلى المناطق المحررة، منهم نحو 78 ألفاً و668 أسرة في المخيمات.
ولم تكتف مليشيات الحوثي بقذف هذه الأسر إلى النزوح، بل واصلت ورغم الهدنة تهديد ملاذها الأخير للحياة عبر هجمات مستمرة هددت نحو 79 مخيما غالبيتها في مدن مأرب والساحل الغربي لليمن.
كما أن هناك 77235 أسرة نازحة تسكن في المنازل مهددة بالطرد، بسبب عدم القدرة على دفع الإيجارات والتوتر مع المجتمع المضيف، إثر عدم استهداف المجتمع المضيف في المساعدات، في جرائم لم يكن يعرفها اليمنيون قبل "نكبة 21 سبتمبر".
8 أعوام حالكة
وعدد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني هذه الجرائم قائلا إن "اليمن أمضى 8 أعوام حالكة السواد تجرع فيها الشعب اليمني الويلات تحت سيطرة مخلفات الإمامة، بما في ذلك تشريد ملايين اليمنيين داخليا والملايين الآخرين خارج الحدود في مهمة البحث عن عمل".
وقال الإرياني إن "مليشيات الحوثي تحلم بفرض الوصاية من جديد على اليمنيين، وتحاول رهن اليمن بيد إيران، وتحويل الأراضي اليمنية منطلقا لتنفيذ السياسات التدميرية لنظام طهران وأطماعه التوسعية في المنطقة" حسب تعبير الوزير اليمني.
وأضاف أن "نكبة 21 سبتمبر/أيلول 2014 بدأت بعد اجتاح مليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لإيران العاصمة صنعاء وسيطرتها على مؤسسات الدولة، وانطلقت مسيرتها الفوضوية قادمة من جروف صعدة، لترتكب أبشع المجازر والجرائم بحق اليمنيين، وتنهب الأموال وتفجر المدارس والمساجد وتجعل حياة اليمنيين جحيما لا يطاق".
وفي سلسلة تغريدات على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أكد الوزير اليمني أن مليشيات الحوثي الإرهابية ارتكبت آلاف الجرائم والانتهاكات غير المسبوقة بحق اليمنيين، وألحقت بأبناء الشعب دمارا طال مختلف مناحي حياتهم، وأعاد اليمن قرونا إلى الوراء في مختلف المجالات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً.
وأشار إلى أن مليشيات الحوثي سلبت من اليمنيين حياتهم وأرواحهم وأمنهم وغذاءهم ومستقبلهم ومزقت نسيجهم الاجتماعي المتماسك، عبر تغذيتها النزعات المناطقية والعنصرية والمذهبية والعرقية، وسعيها لتجريف الهوية الوطنية من خلال المدارس والمناهج وتطييف التعليم ودور العبادة بالقوة والعنف.
كما "عملت مليشيات الحوثي الإرهابية منذ انقلابها على إفقار اليمنيين عبر قطع الرواتب والجبايات والإتاوات والنهب والسطو المسلح، وانعدام فرص العمل والتعليم، وإيجاد اقتصاد مليشياوي موازٍ ومتحكم من خلال تدمير الاقتصاد الوطني واستهداف البيوت التجارية"، وفقا للإرياني.