الاستثمار في السينما السعودية.. ما نتيجته الفنية؟
الأحد 8 يوليو 2018 الساعة 13:28
العربية نت

لم يكن السينمائيون السعوديون وحدهم الذين فرحوا بقرار السماح بإفتتاح صالات العرض السينمائية في المملكة، بعد أن كانت المطالبة بهذا الأمر هي النغمة السائدة لسنوات طويلة، لاحظنا خلالها أنه كثيراً ما تم الربط ما بين افتتاح صالات العرض بتطور المستوى الفني لصناعة الأفلام وتحرّك عجلة الإنتاج المحلي، بحيث نودّع تلك الفترة التي طالما كنا نصفها بالتجربة وتلمس الطريق! ولكن هل يكفي ذلك وحده لتحقيق نهضة في صناعة السينما؟ وماذا عن دور الاستثمار وآفاقه وشروطه؟

خلافاً للجمهور المتعطش لمشاهدة الأفلام الجديدة في بلده وقريباً من بيتــه، هناك المستثمـرون والمنتجون الذين يراقبون الموقف بدقة وتحفّز قبل أن يضخوا أموالهم في ماكينة العجلة الإنتاجية، بانتظار عوائدها الموعودة. الأمر الذي يحيلنا على السؤال المهم في أحد جوانب موضوع السماح بالعرض السينمائي التجاري: هل هناك بالفعل عائدات مالية مغرية للمستثمرين؟.

بالنظرة المجرَّدة سيبدو كل شيء موائماً. فالسعودية ذات طبيعة استهلاكية كبيرة أظهرتها تلك الحشود المتوافدة على فعاليات هيئة الترفيه منذ بدايتها. والشعب السعودي بطبيعته الاجتماعية وأوضاعه الاقتصادية الجيدة يميل إلى التنزه والسفر وحضور الفعاليات المختلفة والاستهلاك المتكرِّر، حتى إن الاهتمام بمشاهد الأفلام وتتبعها وحضورها في صالات السينما خارج البلاد كاد أن يشكِّل هوية السنوات الأخيرة. فمدير صالات "السيف" في البحرين، على سبيل المثال، يقول في أحد اللقاءات التي أجريناها معه قبل سنوات إن الجمهور السعودي في الصالات لا يقل عن %90 من مجمل الحاضرين في عطلة نهاية الأسبوع!

ومن حُسن الحظ أن هناك ارتباطاً بطريقة ما بين العائد الاستثماري الناجح من افتتاح صالات السينما وبين دوران عجلة الإنتاج المحلي. فالمنتج بطبيعة الحال سيكون أشجع في اقتحام هذا السوق الجديد، حينما يشاهد رواجاً وحضوراً معتبراً حتى مع وجود الفِلْم الأجنبي المستهدف غالباً في صالات العرض كما يحدث في أغلب دول العالم حالياً. وهنا المغزى الأجمل في الموضوع، فحينما تصبح القدرة على جذب الجمهور مرتبطة بالمستوى الفني للفِلْم، سيظهر المشاهد السعودي كعامل في توجيه حركة الإنتاج وصناعة الفِلْم في السعودية حتى على المستوى الفني..

وبطبيعة الحال سيحدث هذا الأمر بشكل تدريجي في البدايات. فالتوقع السائد الآن أن جميع الأفلام التي ستنتج مع بداية افتتاح صالات العرض، ستحظى بالقدر الكافي من الحضور الجماهيري باعتبار أن البداية تجربة جديدة للجمهور السعودي لن يفوت فرصة المرور بها.


العلاقة بين الاستثمار والنتيجة الفنية.. كوريا الجنوبية مثال

ومن هنا، فإن الوسائل التي سيعمل عليها المنتج المستثمر لصناعة فِلْم جيد يجتذب الجمهور ويحقق الأرباح المقنعة للمنتج لمواصلة عمله، ستؤدي بصورة مباشرة إلى تحسن مستوى الأدوات الفنية إجمالاً في صناعة السينما في السعودية، خاصة إذا ما اقترن الأمر ببعض القوانين والأنظمة التي تهيئ بيئة فنية ذات معايير عالية، وتساعد في عملية الإنتاج ودعم الصناعة السينمائية واستقطاب كبرى الشركات والجهات الممولة، كما حدث في تجربة كوريا الجنوبية التي حققت في عام 2016م المركز الخامس في عدد الحضور الجماهيري في العالم، والمركز السابع في إيرادات شباك التذاكر بما يقارب المليار وأربعمائة وخمسين مليون دولار أمريكي، ورقماً قياسياً بدخول ثمانية أفلام محلية الصنع قائمة الأفلام الأكثر إيراداً في شباك التذاكر خلال عام 2016م، يحدث هذا على الرغم من الوجود الكبير للأفلام الأمريكية والأوروبية في صالات العرض السينمائية الكورية. وبطبيعة الحال، فإن هناك ذلك الفرق الكبير ما بين كوريا الجنوبية كصناعة وبيئة فنية وبيننا نحن السعوديين، لكن المهم في هذا الاستشهاد والجدير بالذكر هو تجربة (مجلس السينما الكوري KOFIC) الذي أحدث هذه النقلة العظيمة، وتحديداً في دعم الإنتاج المحلي خلال عقدين من الزمن.


أرقام تدعم التفاؤل

وبما أننا افترضنا مسبقاً من دون معطيات فعلية أن السعودية ستكون سوقاً استهلاكياً واستثمارياً كبيراً مع دخول صالات العرض السينمائي، يمكننا الآن أن ندعم هذه النظرة بالالتفات نحو السوق العالمي، بداية من الدول الأقرب مثل الإمارات العربية المتحدة الناجحة إجمالاً في سوق صالات العرض السينمائية، حيث تشير المصادر المعتبرة مثل "امباير سينماس" وغيرها، إلى أنه تم عام 2016م بيع ست عشرة مليوناً ونصف المليون تذكرة، وهو ما يُعدُّ رقماً ضئيلاً في السعودية التي يصل عدد السكان فيها إلى 30 مليون نسمة. ولذا، سيبدو الأمر وكأن نصف سكان السعودية فقط قد حضروا خلال سنة كاملة فِلْماً واحداً فقط! وحينما نوسع الدائرة بشكل أكبر، نجد أنه في عام 2016م حلّت الهند الأولى في قائمة أفضل 10 أسواق عالمية من حيث عدد الجمهور، بواقع مليارين وخمس عشرة مليون تذكرة، قبل الصين وأمريكا الشمالية، أما المركز العاشر فكان من نصيب المملكة المتحدة بواقع 168 مليون تذكرة فقط!! وهو ما يعني -بتقريبنا السابق– أن نصف سكان السعودية سيحضرون إلى السينما 12 مرة فقط، أي بمعدل مرة واحدة شهرياً! وهذا الأمر لا يبدو من طبيعة الشخصية السعودية التي تحب الترفيه وارتياد الأماكن الممتعة!

 

من جهة أخرى، وحسب قائمة أفضل 10 أسواق عالمية لعام 2016 من حيث إيرادات شباك التذاكر تعتلي أمريكا الشمالية القائمة بمبلغ 11.40 مليار دولار، قبل الصين ثم اليابان، فيما تأتي المكسيك في المرتبة العاشرة بمبلغ 790 مليون دولار، وهي التي حلّت في المرتبة الرابعة من حيث عدد المشاهدين بواقع 321 مليون تذكرة. أما المملكة المتحدة العاشرة في عدد المشاهدين، فقد حلّت هنا في المرتبة الرابعة بمبلغ مليار وستمائة وستين مليون دولار. وبطبيعة الحال، فإن هذا التفاوت في الترتيبات ما بين القائمتين لكل دولة يعود إلى عدة اعتبارات، أهمها سعر التذكرة نفسه الذي يبـلغ متوسطــه في المكسيك دولاين ونصـف الدولار تقريباً، مقابــل 10 دولارات في المملكة المتحدة!


ولكن للتفاؤل شروطه

وبحسب هذه الأرقام التي اقتصرنا فيها على المرتبة العاشرة في كل قائمة لعام 2016م، وبحسب السعر المتوقع للتذكرة في صالات العرض السينمائية في السعودية الذي سيتراوح ما بين 8 و13 دولاراً تقريباً، يمكننا توقع عائدات ضخمة جداً تضع السعودية ضمن هذه القوائم العالمية، وضمن الدول العشر في العالم من حيث عدد الحضور وإيرادات شباك التذاكر خلال سنواتٍ قريبة جداً. ولكن الشرط الأساسي والمؤثر للغاية هو توفر صالات العرض الكافية لاستيعاب الجماهير الكبيرة، ودعم شركات التوزيع لعرض أحدث الأفلام المتنوِّعة، وإيجاد منظومة قوانين ورقابة محفزة لهذا الاستثمار وليس العكس الذي ربما ينفّر المشاهد ويجعله مستعداً للانسحاب في بداية التجربة، حيث المعول دائماً على الاستمرارية وإيجاد الرابطة القوية مع الجمهور السعودي، ليبدو له الحضور إلى السينما فعلاً ترفيهياً معتاداً وأسلوب حياة تقليدي.. لأننا نهدف في النهاية إلى تحقيق كل الأمور المهمة المنتظرة.. العائد الاستثماري.. والترفيه.. ودعم الصناعة السينمائية المحلية.

**حقوق النشر محفوظة لمجلة القافلة، أرامكو السعودية

متعلقات