توم كروز (56 سنة) ما زال قادراً على إطلاق أفلام ناجحة. بعد أيام قليلة من بدء عرض «مهمة: مستحيلة - تداعيات» على شاشات العالم تجاوزت إيراداته 200 مليون دولار من بينها 162 مليون دولار عالميا (النقد في مكان آخر هذا الأسبوع).
طبعاً السن لا علاقة له بذلك النجاح بالدرجة الأولى. هذا الإقبال على هذا الفيلم وسلسلة «مهمة: مستحيلة» عموماً يعود إلى عاملين ملتحمين: فتوم كروز هو الفيلم، والفيلم هو توم كروز. استبدل أحدهما تجد أن الإقبال انحسر على نحو فادح وبعض أفلام كروز الأخيرة التي لا علاقة لها بالسلسلة دليل واضح: «المومياء» (2017) كان كارثة. «جاك ريتشر» (2012 و2016) حققا جزءاً صغيراً من النجاح المنشود و«صنع أميركي» (2017) مر بقدر قليل من الاهتمام.
حقيقة أن توم كروز تجاوز سن الشباب لكن لديه طاقة بديعة على الحركة والقيام بمعظم المشاهد الخطرة بنفسه هو إعلان عن شخص كروز كممثل وليس فقط عن شخصية إيثن هَنت التي يقوم بتأديتها.
- 171 حلقة و11 سنة
أيام كان بيتر غرافز يقوم بالمهام المستحيلة في المسلسل التلفزيوني الذي عرض ما بين 1966 و1973 لم تكن المؤثرات البصرية قد وَصلت إلى ما هي عليه اليوم من تقدم يُتيح لكل خاطرة خيالية مجال التحقق كما لو كانت حقيقة. كان النص هو سيد الموقف، والمهام المستحيلة كانت كثيراً ما تعتمد على خطة لا تتحمل أي خطأ وعليها أن تتم تماماً كما أوصى بها بطل تلك الحلقات أعضاء فريقه. قد تعترضها مفاجآت غير منظورة، وهذا كان لا بد منه لبث روح الإثارة في أعصاب المشاهدين في منازلهم، لكن أعضاء الفريق سيتغلب على تلك المفاجآت بالدهاء أو بالسلاح وسينجز المهمّة ملتفتاً إلى سواها في الأسبوع المقبل.
التركيبة لم تكن خالية من توخي الشمولية: مسيحيون ويهود. بيض. واحد أسود. واحد لاتيني وآخر له جذور فرنسية. إيثن هَنت لم يكن اسم شخصية بيتر غرافز، بل كان اسمه جيمس فلبس (Phelps). والاختصاصات مختلفة: مارتن لانداو كان ماهراً بالخدع اليدوية. الأفرو - أميركي كرغ موريس كان اليد العليا حين يصل الأمر إلى صنع قنبلة موقوتة أو إبطال مفعول قنبلة أخرى. وبابرا لاين كانت لإضفاء أنوثة من النوع القاتل والجميع أعضاء تلك الشبكة الحكومية السرية التي تتسلم في مطلع كل حلقة شريطا مسجلاً يأمرها بالمهمة المطلوب تنفيذها. «هذا الشريط سيتلف نفسه بعد خمس ثوان»، يقول المتحدث الخفي في نهاية كل تسجيل وما يلبث الشريط أن يحترق ويتصاعد منه دخان ضئيل لنسمع موسيقى لالو شيفرين المتميزة تمهيداً للانتقال إلى الأحداث. الإتلاف الآلي يقع لأن الحكومة إذ تختار المهام المستحيلة لهذا الفريق، فإنها لا تريد أن يكون لها ضلع ما إذا ما فشل الفريق إنجاز ما أوكلوا به.
لكن الفشل لم يقع طوال 171 حلقة في إحدى عشرة سنة. على العكس، قام الفريق بإنجاز مهامه حسب السيناريو المكتوب له والذي تضمّن استيحاء أجواء الحرب الباردة في الخمسينات والستينات وتعزيزها. كذلك مجابهة الحاكمين الديكتاتوريين والأنظمة الفاسدة (غالبها عسكري أو يساري) والقضاء على خططها إن لم يكن القضاء عليها.
- هنت وبوند والآخرون
كل ذلك مختلف اليوم، ومنذ أن تسلم توم كروز دور رئيس الفريق الجديد من دون الحاجة لاستخدام أي من الشخصيات السابقة. في عام 1996 مباشرة بعد اشتراك كروز مع براد بت وكرستيان سلاتر في بطولة «مقابلة مع فامباير» لنيل جوردان، وقبل دخوله فيلم «جيري ماغواير»، تم تنفيذ النقلة السينمائية لتلك الحلقات على يدي المخرج برايان دي بالما. مشهد تدلي إيثن هنت / توم كروز بحبل معدني مشدود من سقف حجرة محاطة بأجهزة حساسة لا تتحمل قطرة عرق من دون إطلاق صافرات الإنذار ما زال ماثلاً لمن شاهد ذلك الفيلم قبل 22 سنة.
بعد نجاحه توالت الأفلام والمهام فتم تحقيق خمسة أجزاء أخرى في الأعوام 2000 و2006 و2011 و2015 و2018 الحالي. المخرجون المتناوبون، وحسب سنوات الإنتاج هم جون وو وج ج أبرامز وبراد بيرد ثم كريستوفر ماغواير للجزئين الأخيرين.
في كل هذه الأفلام تابعنا توم كروز معلقاً في فضاء ما مثل فضاء الغرفة في الجزء الأول وفضاء مدينة دبي في نسخة 2011. في الفيلم الجديد يتعلق بكل شيء: بأسفل مصعد. بسلم متحرك. بحبل مربوط بطائرة هيلكوبتر. ليس أن جيمس بوند لم يفعلها قبله، لكن إيثن هَنت ليس جيمس بوند في النهاية.
صحيح أن المسلسل التلفزيوني كان نتيجة موجة من أفلام التجسس التي تبعث نجاح أفلام جيمس بوند الأولى لكن مهام الأفلام السينمائية اختلفت. لقد تخلت عن استلهام تاريخ الحرب الباردة وانتقلت إلى الحروب الساخنة بما فيها الخطر النووي المحدق حسب الجزء الجديد وما قبله. المؤامرات كونية في عالم لا يمكن الوثوق فيه والمخاطر تحيط بإيثن هَنت من الداخل والخارج.
بوند مرتبط بتاريخه حتى وإن سعت الأفلام الأخيرة إلى شحن مواقفه ببعض التمرد والإتيان بأسباب خطر جديدة. لكن هَنت يدافع عن نفسه ضد منزلقات المخاطر الناتجة، في جزء كبير منها، عن رغبة الجهاز السري المسمى بـMIF (اختصار Impossible Mission Force) التخلص منه. وهذا الحال قريب من وضع العميل جاسون بورن، كما يؤديه مات دامون في سلسلة مشابهة تحمل اسمه. هو أيضاً عميل مخابرات سابق يجد لزاماً عليه الهرب من رجالها المأمورين بتصفيته.
ولافت أيضاً أنه في حين أن رفاق كروز من ممثلي جيله والجيل اللاحق باتوا ينتشرون في مسلسلات مقتبسة عن الكوميكس، ما زال كروز، حتى مع وجود حفنة من المساعدين، ذئباً وحيداً بالمقارنة. شخص واحد عليه تحقيق المعجزات وأهمها البقاء على قيد الحياة من دون أن يفشل في إنقاذ حياته وقت الحاجة.
خلال ذلك ينجز الذئب الوحيد هَنت من الانتصارات ما يحققه أبطال مسلسل «ذا أفنجرز» (ست عشرة شخصية منها اجتمعت في الجزء الأخير «أفنجرز: حرب أبدية») مجتمعين. ومع أن الشخصية التي يمثلها كروز تجيد أنواع القتال وتخاطر بالقفز من علو شاهق وتدخل وتخرج من الفاصل النحيف بين الحياة والموت طوال الوقت، إلا أنه يحتاج لأن يتمتع بما يتمتع به آيرون مان (روبرت داوني جونيور) أو ثور (كريس همسوورث) أو كابتن أميركا (كريس ريفنز) أو بلاك بانثر (شادويك بوزمان) أو سواهم من قدرات سوبرمانية. المهام ذاتها. الإنجاز نفسه والمجد لفرد واحد.