بدايةً، من الخطأ تقسيم المجتمع اليمني إلى قبائل وغير قبائل؛ لأن المجتمع اليمني كله قبائل، لكن التسمية اصطلح على استخدامها سياسياً وإعلامياً ليُقصد بها المناطق التي ما تزال لديها تكوين قبلي معتبر بهياكله وشخوصه وأعرافه ونطاقه الجغرافي.
ونحن في هذه التناولة سنضطر لاعتماد الاصطلاح الإعلامي للحديث عن القبيلة، أي سكان الريف بتشكيلاتهم وأفخاذهم وبطونهم ومشائخهم.
وللأسف فقد اعتمدت بعض الدراسات الأكاديمية وبعض الأدبيات الحزبية النظر إلى القبيلة بوصفها عاملاً من عوامل التخلف في اليمن.
وعادة ما كان يتم إيرادها كمرادف يقع على النقيض من التمدن وسيادة النظام والقانون.. وهذا أمر ليس دقيقاً على الإطلاق.
إذ القبيلة بذاتها، شكل نظامي لنطاق مجتمعي، بإمكانه أن يكون أسرع من غيره في صنع التحولات الكبرى نتيجة احتفاظه بمقومات الاحتشاد والانتظام والاحتكام إلى رأي القيادة الواحدة.
من هنا تأتي أهمية القبيلة اليوم، واليمن يواجه محاولة شعواء من قبل فلول الإمامة للسيطرة على حياة اليمنيين من جديد، واذلالهم واستعبادهم وامتصاص خيراتهم.
وقد استغلت فلول الإمامة العديد من الشقوق الموجودة في الخطاب السياسي والإعلامي تجاه القبيلة، وكذلك عملت على تهييج خلافات القبائل فيما بينها، لتجد من داخل بعض النسيج القبلي، مقاتلين يموتون في سبيل العبودية.
وبالتالي تم عكس صورة، عن أن مناطق القبائل تهاونت مع المشروع الإمامي الكهنوتي الجديد، وهذا أمر ليس صحيحاً على الإطلاق، حتى مع وجود الملابسات التي استغلتها المليشيات لكسب هذا الشيخ على حساب ذلك الشيخ.
قبل ذلك، قامت فلول الإمامة بغرس الدسائس بين القبائل وبين فخوذ وبطون كل قبيلة على حدة، واستنفدت جاهزية القبائل في الصراعات البينية،
كما قامت بحرمانها من الحصول على سلالم الترقي ووسائل التطور، والمتمثلة في التعليم وحيازة المال والاطلاع على معطيات الحضارة المعاصرة.
الإمامة في حقيقة الأمر، هي مشروع مدمر للمجتمع ككل والقبيلة مكون أصيل فيه، وهذا ما أدركته طلائع الأحرار اليمنيين منذ بدايات القرن الماضي.
لهذا كانت القبيلة سنداً وعوناً لكل محاولات التحرر وصولا الى الثورة السبتمبرية الخالدة، وقدمت قوافل من الشهداء إلى الحد الذي دفع أحد الأكاديميين إلى وصف سبتمبر بأنه ثورة القبيلة على الإمامة.
فمن محمد بن عائض العقاب إلى علي بن ناصر القردعي، إلى يحيى منصر ومحمد سعيد مقبول وأحمد فتيني جنيد، إلى حسن الدعيس، وحسين بن ناصر الأحمر إلى أحمد علي المطري إلى علي بن ناجي القوسي، إلى أحمد عبدربه العواضي وحمود الجائفي وسنان أبولحوم إلى راجح بن قاسم لبوزة، إلى مجاهد أبوشوارب إلى صالح المقالح وأحمد محمد النعمان، حسين فايد مجلي، محمد علي عثمان، ونعمان قائد بن راجح، الباشا بن زبع، محمد مصلح عبدالرب.. والقائمة تطول وتطول، لرموز سبتمبرية هم في الأساس قادة قبليون عندما نهضوا نهضت معهم قبائلهم. وهنا تأتي أهمية القبيلة في الوقت الحاضر وأهمية زعمائها.
ولذا نريد التأكيد في السياق، على نقطة غاية في الأهمية، وهي أن الآلة الدعائية الإمامية التي كانت مبثوثة في الأحزاب والجامعات والإعلام عمدت طيلة عقود، على تحطيم سلطة المشيخ وتشويه صورة القبائل والمشائخ، وكذا سعت لإشعال الاحتقان بين أبناء القبيلة الواحدة، بحيث تأتي هي وتقدم أصنامها السلاليين بديلاً عن هؤلاء القادة الاجتماعيين. وتهاون للأسف مع هذا المشروع بعض المشائخ الذين لم يكونوا على إلمام كبير بمشروع الإمامة.
والحقيقة أن هذا القصور في فهم الإمامة، لم يكن حكراً على بعض المشائخ، بل كان سمة اشترك فيها سياسيون وقادة حزبيون وأكاديميون، وبالتالي استطاعت جحافل المحاولة الإمامية الأخيرة أن تباغت الجميع وهي على أسوار صنعاء.
والآن ونحن بصدد استعادة ما تم انتزاعه منا على حين غفلة، ينبغي أن نعيد لجميع مكونات المجتمع اليمني اعتبارها، وينبغي أن يكون هناك برنامج واضح ليكون لوجهاء وأفراد القبائل دورهم المفصلي والحاسم اليوم، مثلما كان لهم دورهم المفصلي والحاسم في الأمس. فالقبيلة اليوم هي معقد الرهان وهي شعب الجمهورية، وهي من سيقلب الطاولة على الإمامة بين عشية وضحاها.