تشير صفحة حساب “واعي” على فيسبوك إلى نجاح لافت يحقّقه فريق مجهول في إغلاق عشرات الحسابات التابعة لقيادات وناشطين في المليشيات الحوثية. ورغم أن بعض الناشطين الحوثيين سارعوا إلى فتح حسابات جديدة واستئناف نشاطهم، إلا أن موجة الإغلاق هذه أحدثت ارتباكًا ملحوظًا داخل الجماعة.
يمثل هذا التطور خرقًا سائبرانيًا غير مسبوق، يكشف هشاشة البنية الأمنية الرقمية للمليشيات، ويؤشر إلى تهديد قد يمتد إلى نطاقات أكثر حساسية مثل القطاع المصرفي والاتصالات والمواقع الإعلامية عالية القيمة. ويبدو واضحًا أن الجهة التي تقف خلف عمليات الاختراق تمتلك قدرات تقنية متقدمة، مُظهرةً عجز الحوثيين حتى عن حماية حساباتهم الشخصية.
الرسالة التي ينطوي عليها هذا العمل حاسمة وواضحة: إمكانية عزل المليشيات عن الفضاء الرقمي في أي لحظة. وبرغم أن اختراق الحسابات أمر ممكن نظريًا من جهات متعددة، إلا أن العدد الكبير للحسابات الحوثية المغلقة يثير تساؤلات حول طبيعة الأداة المستخدمة: هل هي آلية تعتمد خوارزميات دقيقة؟ أم أنها عمليات اختراق بشرية منظمة؟ أم مزيج من الطريقتين؟
ولا يُستبعد أن يكون ما يحدث جزءًا من اختبار واسع النطاق لأدوات اختراق جديدة، خصوصًا أن التصنيف الدولي للحوثيين كجماعة إرهابية يجعلهم هدفًا “مناسبًا” لمثل هذه التجارب، في ظل غياب أي مظلة قانونية دولية توفر لهم حماية رقمية أو حق الاعتراض. وحتى منصات كبرى مثل فيسبوك وتويتر تجد نفسها غير مُلزمة بمنح حساباتهم المعاملة ذاتها المخصصة للمستخدمين العاديين.
تزامنت هذه التطورات مع تصريح لوزير الإعلام اليمني الأستاذ معمر الأرياني، انتقد فيه استمرار البث التلفزيوني الحوثي عبر شركات بث أوروبية، معتبرًا ذلك تجاوزًا خطيرًا في التعامل مع جماعة مصنفة إرهابية. هذا التزامن يعزز الانطباع بأن هناك جهودًا متكاملة لتحجيم الدعاية الحوثية في أكثر من مستوى.
بالمجمل، ترسل هذه الأحداث إشارة قوية للمليشيات الحوثية بأن خطابها التحريضي وتهديداتها لن تمرّ بالطريقة ذاتها التي كانت تمر بها في السابق، وأن البيئة الرقمية الدولية لم تعد مفتوحة كما كانت. وربما تحمل هذه الرسالة دعوة غير مباشرة لإعادة النظر في لغة الخطاب الحوثي، ومنحه فرصة—ولو محدودة—لصياغة خطاب أكثر اعتدالًا وواقعية.
*كاتب صحفي ومدير التحرير الأخباري في أذاعة مارب .