ثورة 2 ديسمبر عنوان كرامة، وجولة خالدة من جولات صراع اليمنيين مع الكهانة الإمامية وامتدادها الحوثي، تكتسب أهميتها من انبعاثها من مساحة جغرافية ظن الحوثي أنها قد تماهت مع مشروعه، واستسلمت لرؤيته، وخضعت لوهم سطوته الأمنية والعسكرية.
سجلت ثورة ديسمبر انتصارًا هامًا من ناحية تأكيد هشاشة الجماعة الإرهابية، وقدرة اليمنيين في أي لحظة صدق، على هزيمتها، والتخلص من شرورها، ولولا ظروف موضوعية، من الخذلان، عملت لغير صالح الثورة، لصنعت تحولًا هامًا وخطوة واسعة في استعادة الدولة، والانتصار للجمهورية.
لم تكن دوافع هذا التحرك الثوري شخصية أو فئوية أو حزبية؛ فتلك المصالح يمكن تحقيقها بقبول التماهي مع المشروع الحوثي، والانحياز للمنافع الشخصية والسلامة الذاتية، والرضى بواقع بدأ وبشكل ممنهج يخترق بنية الدولة، ويستهدف ثوابت المجتمع، ويولغ في مسلماته، وهو ما شكل موقفًا رافضًا، وخطًا أحمر لا يمكن أن تسمح به قيادات المؤتمر التاريخية وقواعده، التي تربت على قيم الجمهورية والانتصار للدولة، كقيمة أسمى، أكدت ممارسات الحوثي أنها في بؤرة تجريفه وأولويات أهدافه.
ومهما كان الخلاف على مواقف المؤتمر وقياداته قبل الثورة، إلا أن الأحداث أثبتت أن تلك المواقف انطلقت في جزء مهم منها، من محاولة الحفاظ على مكتسبات الشعب اليمني، والتي ما لبثت أن اصطدمت بمشروع حوثي قائم على تحقيق أهدافه ورفضه القاطع لأي رؤية سليمة لبناء دولة أو شراكة فعلية على أساس النِدية والتنافس السياسي.
تلك القناعة التي كانت جذور ثورة سبتمبر، اختصرها الزعيم الشهيد في وصاياه العشر، التي لخصت دوافع وأهداف الثورة، كأهداف جمعية ومنطلقات رؤية عميقة لمشكلة الجماعة الإرهابية البنيوية، والتي لا تدع مجالًا آخر لليمنيين إلا مواجهتها وإفشال مشروعها.
لقد حققت الثورة أهدافها في تعرية الجماعة وكشف ضعفها وهشاشتها، وهدمت إلى الأبد خرافة قبولها الشعبي، وفرية الحاضنة الاجتماعية، فكانت ساعات كفيلة بإظهارها بكل العجز وكل الرفض، لتقدم الثورة تجربة يجب البناء عليها في الاعتماد على ذلك الرفض الشعبي، وفهم عوامل قوة الجماعة، المبنية أساسًا على القهر المتكئ على العنف والإرهاب، وتشتت الصف المواجه لها، وحسابات داخلية وخارجية تتعلق بدورها الوظيفي لإدارة الأزمة اليمنية.
وحين ننظر إلى تجربة المقاومة الوطنية، كمقاومة انطلقت من رحم ثورة 2 ديسمبر، وموقفها الحاسم من جهة واحدية معركة اليمنيين ضد الإرهاب الحوثي، وما تقدمه اليوم من نموذج متقدم في فهم مدلول الدولة ووظيفتها، ورغبة صادقة في الانصهار الجمعي في معركة الاستعادة؛ سنجد أن ذلك جزء مما حققته ثورة ديسمبر، ونتيجة طبيعية لها.
وفي الأخير، يجب أن نتذكر، بفخر، تلك اللحظات المهيبة، والآمال الكبيرة، والتوحد الشامل، الذي جمع اليمنيين في كل شبر في الداخل، وفي كل مواطن الاغتراب، وهم يتابعون ساعات الثورة ومجرياتها، وكيف خفقت القلوب فرحًا وقلقًا، في صورة من الانصهار اليمني الكبير، والتطلع إلى مستقبل يمني لا مكان فيه لجماعة استهدفت الأرض والعرض والثوابت والإنسان.
وليُتوج ذلك المشهد المهيب، بموقف تاريخي أعلنه زعيمْ ومكرب يماني، خلاصته: لا عودة عن الجمهورية ولا مساومة على المبادئ، وليرسم بدمه ورفيقه وأقيال اليمن الشهداء طريق النصر ودرب الحرية، وسبيل الكرامة، في يمن جمهوري لامكان فيه للعبودية والكهنوت وخرافات العودة بالتاريخ إلى الوراء، وأن إرادة الخلاص معادلتها، فهم لقدسية المعركة، وتجاوز لرغبات التشتيت، وإيمان لا يتزعزع بمسؤولية الجميع في الانتصار للدولة وقيمها مهما كانت التضحيات.