توفيق السامعي
افتراء الإمامة في آية التطهير الخاصة بنساء النبي
الأحد 12 فبراير 2023 الساعة 09:47

 

عمل الإماميون على خلق نظرية الإمامة، وادعوا أن الولاية العامة فيهم دون سواهم من بقية الشعوب الإسلامية، وكرسوا لها كل إمكانياتهم، وسخروا لها كل جهودهم العملية والنظرية، وحرفوا النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ليثبتوا هذا الحق لهم، وكان من أشهر النصوص القرآنية التي اعتمدوا عليها وحرفوها وأولوها أيتان هما: آية التطهير، وآية المودة؛ مع أن هاتين الآيتين لا تخصهم إطلاقاً ولم تشر إلى سلالتهم أبداً؛ فآية المودة في قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}( ).

كما هي معلومة عند غالبية المفسرين إلا الشيعة منهم أنها تعني قريشاً عامة؛ أي: يقول لهم أدعوكم إلى الله دون أجر ولا مقابل ولكن مراعاة للقربى التي بيني وبينكم لأن الله قال له: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}الشعراء214، فبدأ بهم. 

والثانية آية التطهير، في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب (33 )، والمراد بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وهذه الآية هي ذروة الخطاب والإرشاد للآيات قبلها وخاتمة لها، والمقصود بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ومن العجب العجاب أن يتم تأويلها وإدخال علي والحسن والحسين فيها، وهو خطاب موجه للنساء ولم يشر بحرف واحد إلى الذكور، بدليل ألفاظ الآيات كلها قبلها، وكذلك في نفس هذه الآية قبل ذكر أهل البيت بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، فمن المعلوم أن القرآن الكريم حينما يذكر قضية من القضايا يشير إلى كل لوازمها اللفظية؛ إن كانت مذكراً أو مؤنثاً، أو عاقلاً أو جماداً، أو....إلخ، فأين الإشارة إلى المذكر في هذه الآية لإدخالهم في أهل البيت؟! لقد كان الخطاب موجهاً لنساء النبي من أول لحظة وحرف في مخاطبتهن، والمراد بالتطهير هنا أيضاً الترفع عن كل صفة نسائية أو إحداث عمل نسائي كعامة النساء لرفع مكانتهن وسلامة مقام النبي، وتميز مكانتهن ومكانة النبي عند بقية المسلمين في كل الصفات والمعاملات، ولذلك خاطبهن بقوله: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}( )، وهو خطاب خاص الخاص لنساء النبي لتربيتهن بدرجة أعلى من بقية نساء المسلمين حتى لا يكن مثلهن، ولا يزيغ بصرهن وأهواؤهن كبقية النساء، وتربيتهن تربية خاصة، بعكس نساء الأنبياء الآخرين الذين ضرب الله بهن المثل في الخيانة العامة لأزواجهن ودعوتهم الإسلامية، وليست الخيانة الجسدية المعروفة؛ كامرأتي نوح ولوط، كما في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}( )، فقد كانت الخيانة هنا معنوية؛ خيانة الدعوة وإخبار قوم نوح وقوم لوط بأسرار زوجيهما، ومناصرة قومهما الكفار عليهما. 

والدليل على تربية نساء النبي في ذلك قوله تعالى لهن: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، وقوله لهن محذراً ومتوعداً: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}( )، وتهديده لهن بقوله: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}( ). 

وكما هددهن بمضاعفة العذاب لهن ضعفين إن هن أتين بفاحشة مبينة، فقد أطمعهن وأغراهن كذلك بمضاعفة الأجر والمثوبة إن هن اتقين الله وقنتن له، بقوله تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً}( ).

ولأجل حصانة نساء النبي وتطهيرهن وعدم إطماع مرضى القلوب بهن فقد أمر الله أن يكن نساء النبي أمهاتٍ للمؤمنين، وكذلك المخاطبة من وراء حجاب، والإبن يحرم عليه نكاح الأم، ولذلك أوضح القرآن الكريم والشارع الحكيم هذه المكانة لنساء النبي، لحفظِهِن وصونِهن، وحفظ وصون كرامة النبي كذلك ومراعاة حساسيته وغيرته في ذلك، وقد يتحرج من مخاطبة الصحابة في غيرته تلك فيعبر الله عن ذلك بقرآن يتلى، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً}( ).

ولذلك نجد هذه الآية في سورة الأحزاب خاتمة الحديث والدروس والتربية لنساء النبي والمؤمنين كذلك، وفيها من التعاليم والتشريعات والتربية الإيمانية والأخلاقية الشيء الكثير. لقد جعل الشارع الحكيم -في سورة الأحزاب- محاذير مختلفة لنساء النبي، وتربية خاصة بهن، وأمر نساء النبي والمؤمنين الالتزام بها وجوباً، راعى فيها حساسية النبي ومقامه وطهر بيته من سائر سلوكيات عامة الناس، فلئن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوماً بعصمة من الله في كل شيء، فقد ألحق به أهل بيته بشيء من التشريع والصفات المكملة لعصمته، وهي حفظ أعراض ومكانة ومقام أهل بيته من نسائه، حتى يمضي النبي في دعوته دون الالتفات إلى المشاغل الداخلية التي تعيق عمله وطريقه ودعوته، وابتدأ في صدر السورة بأم التشريعات لأهل بيته ونسائه وحفظ كرامتهن وجعل لهن أم المحاذير، بقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}( ). 

 محاذير سلوكية لبيت النبوة 1- أزواجه أمهات المؤمنين {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}( ).

  2- بيع أنفسهن لله ورسوله والتفرغ لعبادته ومؤازرة النبي، وترك الدنيا {وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}الأحزاب29

3- صون العرض والكرامة  {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}الأحزاب30

4- لستن من عامة الناس ولا كبقية النساء  {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}

5- لا تخضعن بالقول كبقية النساء {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}

6- الاستقامة في القول {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}الأحزاب32

7- إلزمن بيوتكن  {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، وقد رأين عاقبة عائشة - رضي الله عنها- في الخروج إلى البصرة، بعد إشارة تحذير النبي لنسائه "لَيْتَ شِعْرِي، أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ، تَخْرُجُ فَيَنْبَحُهَا كِلَابُ حَوْأَبٍ، يُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَتْلَى كَثِيرٌ، ثُمَّ تَنْجُو بَعْدَمَا كَادَتْ؟!"، وكيف ندمت ندماً شديداً على ذلك الخروج.

8- عدم التبرج كعادات الجاهلية {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}

9- التفرغ للعبادة {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

10- النتيجة والغاية النهائية بعد كل هذه الوصايا هي التطهير من الله ورفع مقامكن من لدنه {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب33

11- مراقبة ومراعات خصوصية بيوتكن كونها بيوت تشريع وتنزّل الوحي، وهي البيوت الأولى مكانة بين المسلمين {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} الأحزاب34  وكذلك التحذير للمؤمنين:

12- {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}

13- {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}

14- {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}

15- {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

16- {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً}الأحزاب53 لقد كانت هذه التعاليم هي التطهير الحقيقي لبيوت النبي وأهله، وهي المقصود بآية التطهير، لا التدليس الشيعي وتحريف النصوص.

لقد كانت سورة الأحزاب سورة تربية إيمانية واختصاصية ببيوت النبي صلى الله عليه وسلم وله أيضاً؛ ابتدأت من الآية رقم 28 في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}( )، وانتهاءً بالآية رقم 56 في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}( ). 

إذاً، فالتطهير هنا -حدثاً وآية- لهن خاصة، ولا يدخل بقية قرابة النبي من الذكور في ذلك لا علي ولا الحسن ولا الحسين، في الخطاب.

وبما أن الخطاب كان موجهاً لنساء النبي كلهن خاصة، فمن العجب العجاب أن يروى حديث في ذلك يستثني أم المؤمنين أم سلمة –كواحدة من المعنيات بالخطاب- بما يسمى بحديث الكساء، فيدخل فيه وعلي وابناه وتترك أم المؤمنين، وهي إحدى المقصودات في الخطاب القرآني والتطهير في الآيات! ويبدو أن حديث الكساء حديث فيه تدليس الشيعة، وإن كان في ظاهره رواة على أنهم من السنة؛ فمنطوق الحديث ومفهومه يعارض صريح القرآن في ذلك، وأيما حديث عارض القرآن وصادمه فلا يعتد به، وليُنظر إلى متنه وطرق روايته ورواته ومراجعاته مرات ومرات حتى يتبين الخيط الأبيض منه من الخيط الأسود.

ويستدل الفكر الإمامي على عصمة أهل البيت بالآية الكريمة التي تقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) ( ).

مع أن الآية خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهن، ولا تعني علي ولا أولاده في شيء. والغريب لدى الشيعة أنهم خصوا أولاد علي من فاطمة فقط حتى لا تتم منافستهم وحصرها فيهم، وينسبونهما للرسول، ثم حصروها لاحقاً في الحسين وذريته دون الحسن بسبب تنازل الحسن لمعاوية، وإن ذكروا الحسن وذريته فهو على سبيل التبرير.

كذلك نجد الإماميين عبر التاريخ ينسبون أنفسهم للرسول، ويقولون إنهم أبناء رسول الله، وكانوا يحبون، بل ويأمرون الناس أن ينادونهم بأبناء رسول الله، والمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلم له ولد، وإنما بنات، والأبناء لا ينسبون لأمهاتهم كما هو معلوم شرعاً في كتاب الله، وعرفاً عند العرب، بل لآبائهم، والله يقول أولاً عن النبي: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}( ).  وقال عن الانتساب للآباء: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}( ).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع بعرفة عن ادعاء النسب لغير الآباء: "من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله له صرفاً ولا عدلاً"، رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث قتادة عن شهر بن حوشب عن عبدالرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة، وقال الترمذي حسن صحيح، قلت وفيه اختلاف على قتادة والله أعلم( ).

وقال الشاعر (الفرزدق):

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا          بنوهن أبناء الرجال الأباعد( )

قال عبدالله بن حمزة: "قلنا ومما يدل على أن المراد بالآية ولد الحسن والحسين –عليهم السلام- إجماع العترة عليهم السلام على أن الإمامة مخصوصة فيهم، والذي يدل على أن إجماعهم حجة قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}( ).

والاستدلال بهذه الآية ينبني على وجوه:

أحدها: إن المراد بالآية ولد الحسن والحسين عليهم السلام.

والثاني: إن الآية تقتضي وجوب اتباعهم.

والثالث: إن إجماعهم منعقد على أن الإمامة في ولد الحسن والحسين دون من عداهم.

أما الكلام في الوجه الأول: وهو أنهم المرادون بالآية دون غيرهم، فالدليل على ذلك أن البيت المذكور في الآية هو بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجب من طريق الظاهر أن يحكم بأن المراد بها أهله الذين يتناولهم الاسم حقيقة، وقد علمنا أن من يختص بيت الرسول حقيقة فهم أولاده وأولاد أولاده، وإذا استعمل في غيرهم كان مجازاً فيجب القطع على أن المراد بالآية أولاده وأولاد أولاده، يؤيد ذلك أنه إذا أطلق فقيل: أهل بيت فلان، فهم منه أولاده وأولاد أولاده، وإذا قيل: أهل بيت فلان أهل الطهارة والعلم والعفاف إنما يراد به الأولاد وأولادهم"( ).

وقياساً على الآية فهناك أيضاً آية أخرى قريبة منها قالها الله - سبحانه- بحق بيت إبراهيم – عليه السلام-، فقال تعالى: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}هود73، ومن المعلوم أنه لم يكن من أهل بيت النبي إبراهيم إلا هو وامرأته فقط، والخطاب موجه لزوج إبراهيم، بدليل ألفاظ أول الآية (قالوا أتعجبين من أمر الله)؟! وأن منحة الولد كان رحمة لهما (رحمة الله عليكم أهل البيت).

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: هذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل البيت; فدل هذا على أن أزواج الأنبياء من أهل البيت; فعائشة - رضي الله عنها - وغيرها من جملة أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ممن قال الله فيهم: ويطهركم تطهيرا. ولم نجد أن علياً والحسن والحسين - رضي الله عنهم جميعاً- استدلوا بهذه الآية لا على ولايتهم ولا على أنهم من أهل البيت، ولم ينشروها بين الناس كدليل للولاية أو العصمة؛ كون العصمة كانت في النبي وحده، بينما الإماميون يستدلون بالآية على أنها عصمة لعلي وبنيه، وقد وجدنا في سيرتهم أنهم ارتكبوا أخطاءً جما لم يعصموا عنها. وبعد هذا التفصيل فلا تخفى أهداف التزوير الإمامية في هذه المسألة لاجتذاب المناصرين لهم المتبنين نهجهم وخداع العامة ليسهل تجنيدهم في صفوفهم ونشر دعوتهم الإمامية فيهم.

لم تستطع الإمامة عبر التاريخ تزوير وتحريف هذه النصوص، ولذلك نجدهم يكررونها مع كل دعي للإمامة، وفي كل عصر وبلد، وفي كل المناسبات، ولا يغتر بهم إلا جاهل أحمق، أو مغلوب متّبع، أو ضال مبتدع.