يدرك اليمنيون الموبقة الحوثية على حقيقتها؛ موبقة عقدية فكرية نكدة لا يختلف يمنيان على كونها كذلك، ولا يشك أحدنا مجرد شك على تلك الحقيقة، يشترك في هذه القناعة الرئيس والجندي، ومجلس القيادة الرئاسي، والبرلمان، والحكومة، والموظفون، والأحزاب، والشعب اليمني بكل شرائحه وفئاته؛ شرقًا، وغربًا، شمالًا وجنوبًا، ووسطًا.
الحوثي اليوم بات مكشوف الظهر أكثر من أي وقت مضى، بل تجاوز بانكشافه الإمامين، أحمد وأبيه يحي. لم يعد حتى الأحمق المطاع كعيينة بن حصن سيد غطفان الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحمق المطاع، إنما صار أحمقًا منبوذًا غير محترم ولا مطاع.
تُسارع قوى دولية في توفير تنفس اصطناعي للحوثي كلما وقع أزمة تهدده وجوديًا، الضغط الأممي والغربي اليوم باتجاه مد الحوثي بمقومات عمر إضافي في المناطق التي يحتلها كان نتيجة ما تعرض له مؤخرًا من تهديد مصدره الشعب، والشعب وحده من شكل حلقة الرعب الأقوى اضطرت الحوثي لأن يذعن للرياض.
كان لخطاب وموقف صادق أمين أبو راس في مناسبة الذكرى الـ41 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام داخل العاصمة صنعاء، وقع الزلزال على ميليشيا الحوثي، مستندًا على مزاج شعبي ساخط، أسقط ما تبقى من حاجز الخوف الذي ظلت آلة القمع الحوثية ترسخه في وجدان المواطن اليمني خلال ثمان سنوات.
الغرب والحوثي والعشق الممنوع تتداعى دول غربية للضغط على التحالف والشرعية لاستيعاب الحوثي بمزيد من التنازلات، وهي تنازلات تبتعد بالشرعية عن مضمون وهدف استعادة الدولة وعلى رأسها العاصمة صنعاء، في تناقض فاضح مع مبدأ الشرعية الدولية، ومبدأ سيادة الدول المسطورة في مواثيق الأمم المتحدة.
نحن أمام تناقض يضرب عرض الحائط بكل الأعراف الدولية والمواثيق الأممية، وبكل التعاقدات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، والشرعيات المتفق عليها. فالتعامل الدولي مع التمرد على الدول يختلف بحسب تموضع مصالح تلك الدول، هل تقبل أوروبا توفير غطاء سياسي ودولي للحركة الإسبانية في إقليم الباسيك وكاتلونيا؟ أو مد حركة الانفصال الأسكتلندي عن بريطانيا بكل متطلبات التسليح والمساعي الدبلوماسية، بل ودعمهم للسيطرة على لندن وتهجير الأسرة الملكية، والحكومة والنخب البريطانية؟ هذا ما يفعلونه في اليمن حرفيًا، يدعمون المتمرد الحوثي، ويضغطون باتجاه التخلي عن الشرعية لأجله، علينا أن نتحدث معهم بهذا الوضوح، علينا أن نضعهم في مواجهة أنفسهم، وأن نكون واضحين وجادين وغاضبين مثلهم حين نتحدث عن سيادتنا، ودولتنا وشرعيتنا في اليمن. خطورة المساعي الغربية على المنطقة إن منح أقلية طائفية عنصرية في جنوب الجزيرة العربية سلطة بقوة السلاح لا بعملية سياسية انتخابية، يفتح شهية الكانتونات الطائفية في المنطقة، المجتمع العربي المحيط باليمن ملغوم بمثل الحوثي طائفيًا، تشرئب أعناقهم إلى ما ستفضي إليه عملية السلام مع الحوثي؛ فإن منح الحوثي السلطة التي يريد، واحتفظ بمكاسبه خلال السنوات الثمان الماضية، رغم النبذ المجتمعي الذي يعاني منه، ورغم جريمة التمرد التي اقترفها، ورغم الجرائم الإنسانية وجرائم الحرب، وما يشكله من تهديد للحاضر والمستقبل، فإن أمثاله من التيارات الطائفية في المنطقة ستشتعل حماستهم لتحقيق ذات المكاسب، وخوض المغامرة ذاتها مادامت هذه نتائجها.
لست أبالغ هنا فيما سبق؛ فالعقلية هي ذاتها هنا وهناك، تفصح عن مشروعهم الواحد شعاراتهم الطائفية في كل مناسباتهم، فهي شعارات سياسية رغم أنها تظهر بلبوس ديني طائفي، فمسيرات وشعائر ذكرى كربلاء ف دول الخليج، إعلان خروج على الحكام، إعلان فكري عقائدي، ينتظر لحظة مواتية فقط للخروج، قد يوفره الحوثي يوما ما حين يتحول إلى قوة شرعية في جنوب الجزيرة العربية.
الاستقرار في اليمن استقرار للمنطقة برمتها، ولن يحقق الاستقرار في اليمن إلا استعادة الدولة، وإرضاء الشعب اليمني بدولة ذات سيادة، لا سيد عليها ولا كاهن يجرها إلى مغامرات مدمرة.