نشهد هذه الأيام ذكرى استشهاد الزعيم علي عبدالله صالح وزميله الأمين العام عارف عوض الزوكا في معركة الكرامة، معركة الدفاع عن الجمهورية، خسرنا في المؤتمر الشعبي العام رجلين كلًا منهما كان بحجم الوطن، وخسر اليمن باستشهادهما مناضلين كبيرين، قاتلا معًا دفاعًا عن قيم الحرية والعدالة والمساواة.
سيقف المؤرخون والباحثون طويلًا أمام ثلاثة عقود ونيف من الزمن اليمني هي الفترة التي قاد فيها صالح بلاده وشعبه، بكل مافيها من نجاحات واخفاقات، لا أظن زعيمًا يمنيًا بلغ مابلغه صالح مكانة وعلوًا وأثرًا وتأثيرًا، بدأ حياته مناضلًا مدافعًا عن سبتمبر، وضابطًا في جيش الجمهورية، وقائدًا ورئيسًا، ثم رئيسًا موحِدًا، ربما لم تكن اليمن لتتوحد لولا وجوده على رأس هرم السلطة في شمال الوطن.
محطات في تاريخ اليمن لا يمكننا أن نفهمها بعيدًا عن فهمنا لشخصية صالح الفذة، قدرته على مواجهة التحديات الخطرة، وانجازاته التي يشهد بها من عاصروه من الأنصار، والمعارضين معًا، سياساته الداخلية والخارجية التي سمحت له بالبقاء في رئاسة الدولة كل هذا الزمن حيث فشل غيره، وحيث تكررت مصارع الزعماء اليمنيين جنوبًا وشمالًا، في متواليات منعتها فترة حكمه.
بذل جهده في إقامة دولة كان يصطدم فيها ببقايا عهود من التخلف، وإمامة تتربص، و مخلفات استعمارية في مجتمع قبلي، زراعي، لم يعرف من الصناعة سوى بداياتها، له يعود فضل بناء الآلاف من المدارس، والعشرات من الجامعات، وشق الطرقات، وبناء السدود، وتقديم اليمن للعالم بصورة مختلفه عما عُرف بها في كتابات المستشرقين.
كان صالح نتاج لبيئتة الاجتماعية وظروف النشأة والتربية والتعليم والعمل التي كونت شخصيته وتركت فيه روحًا مقاومة متحفزة ومتطلعة، وأحيانًا نزوعًا للمغامرة في الحق، لا تخلوا من شجاعة، وهو أيضًا أبن الظروف التي أحاطت باليمن في عهده ولم تكن في معظم الأحوال مواتية، لكنها قدمته زعيمًا وقائدًا، وحيث تزاحمت في اليمن قيم الحداثة بمفاهيمها المعاصرة، التي شكلت الثقافة الرسمية، وبعضًا من الثقافة الاجتماعية، وكذا السائد القادم من عمق التاريخ من القيم الثقافية والعادات والتقاليد كل ذلك كوَّن وعيه السياسي، وكان طبيعي أن تترك جميعها أثرها على نهجه، وقراره الوطني.
سنوات حكمه المديدة وتكوينه العسكري أكسبته خبرة لم تتوفر لغيرة في التعاطي مع قضايا مجتمعه وتقلبات الحياة، والموازنة بين ماهو وطني وأقليمي ودولي، لكنه وهو يتعاطى مع كل هذه العوامل المحيطة به كان ينحاز لليمن لمصالح الوطن على ما عداها. هناك حاجة ماسة لوثائق المرحلة كي نكتب تاريخ رجل كعلي عبدالله صالح بموضوعية ودون انحياز فنعرفه كما هو بكل ماله وما عليه. فلا علم لي أنه قد كتب مذكراته الشخصية.
حاول بقدر ما استطاع أن يأخذ اليمن بعيدًا عن تقلبات الدهر، وحتى بعيدًا عن غضب الكبار، فوضع اليمن على خارطة السياسة الدولية في المكان التي تليق ببلد كان حتى عقودٍ مضت نسيًا منسيًا، ذاك هو صالح قوميًا حتى النخاع في تعاطية مع قضايا الأمة، احتلت فلسطين مركز الصدارة في تفكيره وسياساته القومية، حريصًا على وحدة الأمتين العربية الإسلامية، رحم الله صالح، ورفيق دربه الوفي الشهم ذو القلب الطيب والعقل اليقظ، ودينمو الحزب، عارف عوض الزوكا. ولانامت أعين الجبناء