توفيق علي
بن دغر والشاعر القعود ردّة فعل "المثقف الإنسان"
الاربعاء 11 ابريل 2018 الساعة 17:46

المثقف والمفكر السياسي إنسان ذو حاجات، ذو رؤية، وتطلعات يغذيها خياله الخصب، يعرف ماذا يريد وإلى أين يمضي. ولهذا فإننا حين نتحدث عن شيء من صفات المفكر ، فإننا نتحدث عن أمور مشتركة بينه وغيره.

كما نتحدث عن ملكات خاصة به، وأخرى موجودة لديه على نحو ظاهر كأن يبحث عن الحقيقة ويناصرها ويقف في صفها بجلدٍ وبسالة لا تضاهى.

وهذه العوامل يمتلكها بعض الناس العاديين، كما يمتلكها المثقف، فالمرء في نهاية المطاف، ليس شيئًا أكثر من مهامه وأخلاقه وتعامله الإنساني خصوصًا إن كان مسؤولاً، وهنا مربط فرس هذه التناولة !.

فبعد دقائق من نشر القرار الذي توصل له الأديب والشاعر الكبير محمد القعود، مكرهًا، بعرض مكتبته الخاصة وثروته المعرفية التي ارتبطت به في علاقة حميمية امتدت لعقود مضت، للبيع في سوق المعاناة المتفاقمة بأبناء وطننا وخصوصًا قطاع الكتّاب والمثقفين، المعاناة التي غرست أنيابها في جسد أبناء الوطن، بادر رئيس الوزراء، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وهو بالمناسبة مثقف ومفكر سياسي غير عادي مرّ بذات الظروف وأظنه ما زال يمر بها ولكن من باب معاناة السياسة واحتياجات البلاد، بإنصاف القعود على الفور في موقف لم نعهده، يؤكد قرب الرجل من الناس وهموهم واحتياجاتهم بعكس ما تعوده الناس في العقود الماضية.

لا غرابة أن يبادر بن دغر بإنصاف الأديب القعود لأنه (أي بن دغر) مثقف إنسان عصرته التجربة، وعجنته التربة فلاحًا وكادحًا حتى بلورته إنسانًا يشق تربتها بعنفوان، وكابد الجوع اللاهب وسهر وتعلم وقرأ كثيرًا حتى أدرك معنى أن تكون مثقفًا ذو تطلعات تتبنى أفكارًا تخدم أمتك وشعبك، هذا كل ما في الأمر !.

فلا غرابة أن يبادر بن دغر بتوجيه مساعدة تُعين الأديب القعود، وهو الذي يدرك أهمية الأدب ويدرك جيدًا مدى قوة الكلمة في مواجهة أعتى قوة وما كان لكلمته في مقاله (لوجه الله، ولأخوَّة صادقة/16يناير2018)، الذي أنقذ العملة من الانهيار التام، إلا خير دليل . ولا يمكن أن يعبّر عن الناس وحاجاتهم أي شخص سوى "المثقف الإنسان" الذي عركته ثقافته وإنسانيته لتضعه بالضرورة في وسط "قضايا" الناس معبرًا عن حاجاتهم وتطلعاتهم !.

لا غرابة، لأن بن دغر يدرك جيدًا ما الذي يعنيه أن يتضور مثقف جوعًا، مكابدًا مرارة رؤية أطفاله  يذوون حد التلاشي، كورود أرهقها ظمأ السنين العجاف.!

لا غرابة أن يبادر بن دغر بسرعة ونحن ما عرفناه إلا في موقف المسؤول الوفي المنصف في زمن النكران والتنائي.

 لا غرابة  أن ينتفض رئيس الحكومة وهو الذي استقبل يتيمًا معدمًا وضمه لحضنه الرؤوم لا لشيء وإنما وفاءً لصداقة قديمة تربطه بوالده الثائر المناضل الذي تنكر له أقرب رفاقه، ممن صنع منهم شخصيات ذات اعتبار لتغدو بلؤم بلا اعتبار لمبادئها التي أصمتنا بها.

هذا هو بن دغر يا من تستغربون تفاعله الإنساني العاجل عندما عبّر القعود عن معاناة الشعب وقطاع المثقفين، كانت الكلمة .. وكان الإنسان .. وكان بن دغر !